الصحف الاجنبية: داعش توسع رقعة أهدافها الاجرامية
تحدثت مواقع اميركية عن امكانية وجود تنسيق بين داعش والقاعدة في هجمات باريس، بينما اعتبرت وسائل اعلام غربية أن داعش يسعى من خلال ضربه اوروبا لخلق حالة عداء بين المجتمعات الاوروبية من جهة واللاجئين والجاليات الاسلامية من جهة ثانية. كذلك رأى باحثون أن داعش بدأ باستراتيجية جديدة تعتمد على ارتكاب عمليات ارهابية في أي مكان يستطيع الوصول إليه.
نقل موقع "دايلي بيست” عن مسؤول اميركي رفيع ان هناك ادلة متزايدة تفيد بان داعش يقف وراء هجمات باريس، ولكنه توقع في الوقت نفسه حصول التنظيم على مساعدة من القاعدة. وأضاف” في هذه المرحلة لا يوجد اي سبب يدعو للشك بانهم (داعش) من نفذ الهجوم، لكنهم ربما يحصلون على المساعدة من جماعات ارهابية مماثلة مثل القاعدة وجماعات متطرفة اخرى. علينا الا نستبعد تماماً وجود تعاون ما مع اطراف اخرى. ما لم نقله حتى الآن هو انهم (داعش) خططوا للهجوم في سوريا او ان الهجوم حظي بمباركة البغدادي”.
الموقع اشار الى احراز تقدم على الصعيد الاستخبارتي، مستشهداً في هذا الاطار ايضاً بالمسؤول الاميركي الذي تحدث عن تعزيز التعاون الاستخبارتي بين واشنطن وباريس من اجل تكثيف ضربات التحالف الدولي ضد داعش.
هذا ونقل الموقع عن مسؤول اميركي آخر ان الولايات المتحدة شاركت المعلومات الاستخبارية التي ساهمت بتنفيذ الغارات الاخيرة ضد مواقع تابعة لداعش في الرقة، والتي قامت بتنفيذها الطائرات الحربية الفرنسية.
من جهته، كتب المحلل المختص في مجال مكافحة الارهاب لدى معهد دراسة الحرب "هارلين غامبير” مقالة نشرتها صحيفة واشنطن بوست حذر فيها من ان هجمات داعش في باريس تظهر ان التنظيم بات يشكل تهديداً للغرب اكثر من اي وقت مضى.
ورأى الكاتب ان استراتيجية داعش تقوم على ايجاد حالة استقطاب حادة داخل المجتمع الغربي، حيث يأمل التنظيم من ان تؤدي الهجمات التي تنسب اليه الى ردود فعل من قبل الحكومات الاوروبية تستهدف المسلمين الابرياء وتخلق حالة راديكالية لدى الجاليات الاسلامية في اوروبا. واعتبر ان هجمات باريس ما هي الا آخر المساعي ضمن هذه الحملة، حيث اشار الى ان المواطنين الاوروبيين الذين يقاتلون مع داعش في العراق وسوريا قدموا الدعم المادي للعمليات الارهابية التي شنت في باريس وكوبنهاغن.
هذه الهجمات، برأي الكاتب، ليست عشوائية ولا تهدف بشكل اساس الى تغيير السياسة الغربية في الشرق الاوسط، وانما تأتي في سياق حملة يشنها التنظيم لتعبئة المتطرفين الموجودين اصلاً في اوروبا وكذلك تجنيد المزيد منهم.
بحسب الكاتب، فان حسابات الجماعة تستند على تغيير نظرة المجتمع الاوروبي حيال المسلمين في اوروبا البالغ عددهم 44 مليون، وذلك من خلال عدد صغير من المهاجمين.كما اضاف ان هذه الحملة ترمي كذلك الى تغيير نظرة مسلمي اوروبا لانفسهم. ووضع كل ذلك في سياق خلق المناخ المناسب لحرب زوال العالم مع الغرب.
ورأى الكاتب ان بعض المجتمعات الاوروبية تستجيب لرغبات داعش، لافتاً الى زيادة شعبية احزاب اليمين المتطرف في عدة بلدان اوروبية. حيث تحدث بهذا الاطار عن التوقعات بفوز الجبهة الوطنية بزعامة ماري لا بن بالانتخابات المحلية الفرنسية، وكذلك عن تقدم حزب الشعب الدنماركي بالانتخابات التي جرت في شهر حزيران/يونيو الماضي، اضافة الى تعزيز شعبية الحزب الديمقراطي اليميني في السويد.
على ضوء ذلك حذر الكاتب من وقوع اوروبا في الفخ الذي ينصبه داعش، ودعا الى الرد على هجمات باريس من خلال استهداف مرتكبي الهجمات ومن يدعمهم فقط.
غير ان الكاتب شدد على ان المسألة الاكثر الحاحاً هي ضرورة ان تدرك اوروبا و الولايات المتحدة ان الحرب الطائفية الطويلة في الشرق الاوسط تشكل خطرا قائماً وواضحاً لامنهما في الداخل، محذراً من ان الحروب في سوريا والعراق تؤدي الى حشد الراديكاليين حول العالم.
ودعا الى تغيير المقاربة المعتمدة حيال هذه النزاعات، وكذلك الى تجنب دعم من اسماهم بـ”الديكتاتوريين مثل الرئيس السوري بشار الاسد” على امل هزيمة الخصم، حيث اعتبر ان الاسد افسح المجال لصعود هذه الجماعات. كما اعتبر الكاتب ان هجمات باريس يجب ان تؤدي الى دعوات تطالب بالتحرك بغية انهاء الحروب التي "تمزق الشرق الاوسط” وتغمر العالم باللاجئين، مضيفاً ان هذه الهجمات انما هي دليل آخر على ان الغرب لا يستطيع العيش بسلام بينما ملايين الناس هم غارقون بالحرب.
اجراءات احترازية
في السياق نفسه، نشر مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز مقالة بعنوان "ماذا سيتبع هجمات باريس”، اشار فيها الى ان الهجمات الارهابية في باريس، اضافة الى التفجير المزدوج في بيروت وكذلك اسقاط الطائرة المدنية فوق سيناء، انما تدل على مرحلة جديدة في حرب داعش ضد الغرب وعلى الاستعداد لضرب مناطق تقع على مسافة بعيدة جداً عن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا وليبيا.
الصحيفة وصفت التهديد الذي تواجهه الدول المهددة بالهائل، ورأت في الوقت نفسه ان هناك غيابا في تنسيق الاستراتيجيات و الاهداف بين الدول المشاركة في الحرب على داعش، خاصة الولايات المتحدة وروسيا.
و اكدت الصحيفة ان تغذية مشاعر الغضب تجاه اللاجئين ومسلمي اوروبا كانت بلا شك هدفت اساسيا جراء هجمات باريس، فاشارت الى ان اغلب الهجمات حصلت في مناطق ذات تعددية عرقية، وبالتالي يبدو انها هدفت الى توجيه رسالة مفادها ان التعايش لن يحمي الناس مما وصفته داعش في بيان رسمي لها "بالعاصفة” القادمة.
وبينما شددت الصحيفة على ضرورة ان تتخذ فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والدول الاخرى الاجراءات المطلوبة لحماية مواطنيها، رأت بالوقت نفسه ان منع وقوع المزيد من الهجمات سيتطلب من الدول المهددة ايجاد سبيل لانهاء الحرب في سوريا، "التي مكنت هذه الجماعة من كسب الثروة والاراضي والسلطة”. و قالت ان ذلك يتطلب التنسيق عن كثب بين الدول المشاركة اصلاً في المعركة – خاصة الولايات المتحدة و روسيا – و كذلك اقناع المزيد من بلدان اوروبا و الشرق الاوسط بالانضمام الى المعركة.
كما تحدثت الصحيفة عن "عدد من الخطوات الواعدة اتخذت مؤخراً باتجاه المزيد من التعاون”، حيث كشفت عن اتفاق تم التوصل اليه في اجتماع فيينا الاخير على خطة مؤقتة من اجل عملية انتقالية تدريجية تؤدي الى حكومة انتقالية واجراء الانتخابات في سوريا. وفي الختام حذرت الصحيفة من ان هجمات باريس، وكذلك تفجيرات بيروت واسقاط الطائرة المدنية الروسية، انما تدل على ان لا حدود لامتداد داعش، وعلى ان كل الدول ليست في مأمن حتى تتوحد من اجل هزيمة هذه "الكارثة”.
تغيير السياسة
بدوره، كتب الصحفي الفرنسي بيار حسكي مقالة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية و ذلك بعنوان "هجمات باريس ستجبر فرنسا على تغيير سياستها حيال سوريا”. و اشار الكاتب الى ان فرنسا كانت اول من اعترف بالائتلاف السوري المعارض ممثلاً شرعياً للشعب السوري، وذلك عام 2012. واضاف انه ومنذ ذلك الحين تم تهميش ما يسمى المعارضة "المعتدلة” مع نمو القوة المتزايدة للجماعات الجهادية مثل داعش، التي تبنت هجمات باريس.
هجمات فرنسا
واعتبر الكاتب ان الاسوأ من ذلك هو ان دعوات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لازاحة الاسد عن السلطة تلقت عدة نكسات، ما ادى الى عزل فرنسا مع تغيير المشهد الدبلوماسي. فالنكسة الاولى يقول الكاتب، جاءت بعد هجوم الاسلحة الكيماوية في شهر آب/ أغسطس عام 2013 الماضي، حيث كانت الطائرات الحربية الفرنسية تستعد للتوجه الى سوريا عندما صوت البرلمان البريطاني ضد العمل العسكري، قبل ان يقرر الرئيس اوباما استشارة الكونغرس ويقضي على اي امل بالرد. وحسب الكاتب شعر هولاند بالخذلان نتيجة ذلك وترك وحيداً في مواجهة جيش الاسد.
اما النكسة الثانية بحسب الكاتب، فجاءت مع قرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين التدخل في سوريا دعماً لجيش الاسد، ما ادى الى تغيير قواعد اللعبة.
واشار الكاتب الى انه حتى يوم الجمعة الماضي (يوم الهجمات)، كانت الحكومة الفرنسية لا تزال تصر على رحيل الاسد كشرط مسبق لأية تسوية سياسية في سوريا. الا انه اضاف ان فرنسا في حالة عزلة متزايدة جراء هذا الموقف،حيث تدفع كل من روسيا و ايران باجندتها. واعتبر ان الولايات المتحدة كانت تستمع فقط، بينما السعودية ودول الخليج هي الوحيدة التي حيّت الموقف الفرنسي، وقدمت الجوائز المتمثلة بصفقات السلاح الضخمة.
الكاتب قال ان استراتيجية هولاند في سوريا كانت عالقة بين هجوم بوتين وممانعة اوباما، حيث اختار الرئيس الفرنسي عدم التعامل مع النظام وكذلك المعارضة الدموية في سوريا. واعتبر ان هذا الخيار لم يكن الاكثر عملياً.
وفي الختام توقع الكاتب ان هجمات باريس قد تجبر هولاند على ان يقرر من هو العدو الاول، وان يضع العدو الثاني جانباً في الوقت الحالي. كذلك قال ان تغيير سياسة هولاند باتجاه تركيز الجهود على داعش كالعدو الاساس، كما يوصي القادة العسكريين الفرنسيين، لن يقلص من مشاركة فرنسا في ازمة الشرق الاوسط، وانما ستقلل من حكمها الذاتي. واضاف ان منفذي هجمات باريس ربما حرفوا مقاربة هولاند الفردية عن مسارها.
حرب أوسع
أما الكاتب "Daniel Benjamin” الذي يعد من اشهر المختصين الاميركيين بمجال مكافحة الارهاب فقد كتب مقالة نشرت على موقع slate.com”، قال فيها "ان ثبتت مسؤولية تنظيم داعش عن هجمات باريس، فان ذلك يطرح اسئلة عدة حول التغييرات التي تحصل لدى هذا التنظيم وامكانية ان تتعرض الولايات المتحدة واوروبا للهجمات.
وشدد الكاتب على ان هجمات باريس تشير الى تغيير في اساليب داعش، حيث قال ان داعش نفذ في السابق عمليات ارهابية، وانما في سياق الحرب الاوسع، مثل مهاجمة مراكز الشرطة. واضاف ان الهجمات ضد الغرب لم تتخط الهجمات الفردية (Lone Wolf Attacks)، وان داعش خصص موارده لمجالات اخرى.
وقال الكاتب ان هجمات باريس لا تنسجم مع هذا النمط الذي اتبعته داعش طوال هذه الفترة، حيث ان قلة من الافراد الذين حاولوا ارتكاب الهجمات باسم داعش في اوروبا لديهم صلات حقيقية بهذا التنظيم. ولفت الكاتب الى انه وبينما قد يكون من السابق لاوانه القول بان هجمات باريس تم التخطيط لها على اعلى المستوايات داخل داعش، الا ان مستوى التنسيق وطبيعة هذه الهجمات تدل على انها تتخطى بعضاً من الافراد. وشدد على انه اذا كانت داعش وراء الهجمات، فانها ستكون المرة الاولى التي يخصص فيها الموارد بهذا الشكل من اجل ارتكاب هجوم كبير في اوروبا.
واشار الكاتب ايضاً الى مسؤولية داعش عن التفجيرات الانتحارية الاخيرة في بيروت (تفجيرات برج البراجنة) و امكانية ان يكون التنظيم مسؤولاً عن اسقاط الطائرة المدينة الروسية فوق سيناء. و بينما لفت الى ان تفجيرات المناطق في بيروت تنسجم و اساليب داعش القديمة، اضاف بان ضخامة الهجوم تمثل تصعيداً.
كذلك قال ان هجمات سيناء شكلت تحولا دراماتيكيا وربما كانت نذيرا لهجمات باريس، حيث ان ما حصل في سيناء قد دل على ان داعش و توابعها يوسعون اطار عملياتهم خارج المسرح التقليدي و يضربون اهدافاً دولية.
وبرأي الكاتب فان هجمات باريس كانت الخطوة التالية المنطقية، فلبنان يقع عند اطراف المسرح الاساس لعمليات داعش، بينما سيناء تقع في منطقة الشرق الاوسط ولكن بعيداً عن القاعدة الاساسية للجماعة وكذلك استهدف الهجوم هناك هدفا دوليا. و يضيف انه اذا كانت قيادة داعش بالفعل مسؤولة، فانها تود القول بانها تريد ضرب اعدائها في كل مكان، وليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها.
غير ان الكاتب حذر من ان اغلاق ابواب اوروبا امام اللاجئين سيكون خطا، خاصة وان داعش تريد مناصريها ان يأتوا الى العراق وسوريا والانضمام الى المعركة، ولا تقوم بارسال مناصريها الى الخارج تحت غطاء اللاجئين. بل اعتبر ان داعش تنظر الى الفارين على انهم اعداء. وبناء على ذلك اعتبر ان الخطر الارهابي الحقيقي يتمثل بقمع اللاجئين، مما سيحولهم من مأساة انسانية الى تهديد امني.
ورأى الكاتب ان الولايات المتحدة لا تواجه حجم التهديد الذي تواجهه فرنسا، حيث ان الجالية الاسلامية في الولايات المتحدة ليست بحجم الجالية داخل فرنسا وليست معادية للحكومة كما هو الحال في فرنسا.كما اضاف ان عدد المسلمين الفرنسيين الذين ذهبوا الى سوريا من اجل القتال مع المتطرفين يتخطى بشكل كبير عدد المسلمين الاميركيين.