سوريا : ” الأصدقاء ” حائرون
أحمد الحباسى
في بداية المؤامرة على سوريا كانت الفوضى الخلاقة تسيطر على عقول المتآمرين في الغرب و في الخليج الفارسي على حد سواء من حيث نظرتهم لما يحدث أو لما يمكن أن يحدث في الآجال القريبة ، في تلك اللحظات العصيبة خرجت الدعوات صريحة واضحة قاطعة بضرورة تنحى الرئيس بشار الأسد ، كان أمر العمليات اليومي للبيت الأبيض الأمريكي و على لسان الرئيس نفسه هو مطالبة الرئيس السوري بالاستعداد حالا للرحيل ، هناك من تحدث بلغة الواثق عن خفايا سيناريو الرحيل و كيف أن الرئيس سيرحل إلى أحد الدول ” السوفيتية” السابقة في نطاق خطة الرحيل الآمن ، و هناك من وصل به الخيال الجامح إلى الحديث عن وجهة إسرائيلية للرئيس حتى تتم محاكمته هناك ، و هناك من كان أكثر "رحمة” بالرئيس فتحدث عن نفيه في أحد دول أمريكا اللاتينية.
كان التصور لدى تركيا و قطر و أمريكا بالذات أن أيام بشار معدودة و أن السيناريو التونسي و المصري و الليبي ممكن أن يتكرر و يتكرر ، و أنه بسقوط رأس النظام ستسقط الدولة في يد المتآمرين الخليجيين الصهاينة و الغرب الصليبي المهزوم ، كان للأمريكان و إسرائيل أكثر من حميد قرضاي جاهز ” لأخذ الفرصة ” و الائتلاف السوري هو مجموعة نسخ طبق الأصل من "الرئيس” الأفغاني العميل ، لكن و مع تواصل الأحداث و اشتداد القتال الدموي بين النظام و الجماعات الإرهابية التكفيرية التي حلت محل "ائتلاف القراضايات ” أسقط في يد المتآمرين على الشعب السوري و نظامه لتتحول اللغة الضاغطة إلى شبه لغة توسل حتى يقبل المارد الروسي بقطع حبل الصداقة مع سوريا و يقف إلى جانب "المنتصرين الجدد ” ، لكن العملية "الانقلابية” الأمريكية الصهيونية الخليجية على النظام لم تنجح في كسر إرادة المواطن السوري مهما كان موقعه و كان فشل مؤتمر جينيف الأول و الثاني حين لقن السيد وليد المعلم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري درسا في التاريخ و في السياسة و في الجغرافيا بداية انهيار المؤامرة و تعري الأشباح المتآمرة التي كانت تقف وراء الستار بداعي مساندة حراك سلمى في سوريا.
لقد تحدث البعض في حينه عن وجود حلف ثلاثي متكون من سوريا و حزب الله و إيران يقود حركة المقاومة العربية ، هذا التوصيف لم يكن دقيقا بالمرة ، بالطبع كان هناك تحالف قوى معلن و كانت هناك قدرات مختلفة موضوعة على ذمة هذا الحلف و كان هناك خط سير معلن بكون إسرائيل يجب أن ترحل و أن أمريكا يجب أن تقف أين تقف مصالحها و ليس أين تريد أن تكون ، و أن الأمن القومي العربي لن يتحقق في ظل تواجد الغواصات الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل العربية ، لكن قوة أي حلف أو تحالف لا تقاس بالنيات الطيبة و بالأفكار الجميلة بل بقوته الفكرية الواضحة و بقوته النارية و الاقتصادية الجاهزة ، و هنا ، كان لهذه الحرب الدموية أن تقع ليختبر الجميع مدى قوة و استعداد هذه المنظومة للدفاع عن المشروع و عن الأرض و عن الوجود ، و كان لهذه المؤامرة أن تنفذ ليتم الفرز و تعرية الطابور الخامس و كل المندسين في سوريا و في لبنان و الأردن و بقية دول الخليج الفارسي من الذين طالما سترت سوريا عوراتهم فردوا على شهامتها بالخيانة و الانشقاق و الهروب إلى إسرائيل أو إلى قطر الولاية الصهيونية المعروفة.
تشكل معركة القصير مرحلة تاريخية مهمة في حاضر سوريا و مستقبلها ، لأنها المعركة التي التحم فيها العقل العسكري مع القوة الضاربة و التخطيط المحكم لدحر دولة الإرهاب الجاثمة تحت الأرض بفضل تلك الأنفاق التي "زرعها” أبناء فلسطين العملاء "تحت القصير ” لضرب الجيش و الشعب الذي دافع عن قضيتهم و دفع أثمانا بلا حساب ، لكن هذه المعركة رغم أهميتها العسكرية و السياسية و التاريخية و رغم الحملة المسعورة التي تلتها من طرف أزلام إسرائيل في تيار الحريري و بعض سقط المتاع الإعلامي المدفوع الأجر في لبنان و الخليج الفارسي ، هذه المعركة لم تكن كافية و لم تكن الأخيرة لدحر العدوان التكفيري السعودي لذلك بدأ النظام يدرك أن خيوط المؤامرة متشابكة و قوية و بإمكانها تدمير القلعة السورية و من واجبه القيادي تفعيل كل قدرات حلف المقاومة لخلق توازن الرعب و إجبار الولايات المتحدة تحت وطأة تراجع مجموعاتها الإرهابية على القبول بالحل السلمي ، هنا ، لاحظ المتابعون أن النظام قد غير كامل تخطيطه العسكري سواء من حيث كيفية تعامله مع المجموعات الإرهابية أو كيفية إعادة انتشار قوات حزب الله أو قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحيث تم تكييف الواقع العسكري مع الواقع اللوجيستى حتى يتم الاقتصار في الدفاع عن الأماكن الإستراتيجية الحساسة و العمل على استعادة ما هو بيد قوات التحالف الإرهابي الدولي ، تغيير كلف منظومة الإرهاب الدموية خسائر و تراجعات كثيرة سواء من حيث الوضع على الأرض أو الوضع على ارض السياسة الدولية.
لم يكن أحد يتصور منذ بداية اللعبة الإرهابية المسمومة في سوريا أن ترفع روسيا يدها بالفيتو لرفض استعمار سوريا تحت ذريعة المنطقة العازلة ، هذا صحيح و هذا يحدث لأول مرة في العلاقات بين العملاقين ، و هنا يقر الساسة الأمريكان و أتباعهم في دول الخليج الفارسي أنه لا أحد منهم فكر لحظة واحدة في هذا الاحتمال حتى في أسوا السيناريوهات ، لكن فشل زيارة المبعوث السعودي للكرملين الأمير بندر بن سلطان لمحاولة "إغراء” القيادة الروسية قد كان مؤشرا سياسيا مهما بان الفيتو الروسي لم يكن بيضة القبان الوحيدة التي جاءت لتعديل الموازين الدولية المخرومة بل أن روسيا قد قررت استرجاع دورها الريادي المفقود و المشاركة العسكرية الفاعلة في تحجيم الدور التركي الأردني السعودي القطري في تمرير الإرهاب إلى سوريا ، أما على المدى الاستراتيجي فان عملية إنزال و تواجد القوات الروسية في سوريا سيعطى "لأصدقاء ” سوريا إشارة واضحة بأن اللعبة السورية قد انتهت ، ما تبع هذه الخطوة الروسية التاريخية سواء فيما قيل في قمة الكبيرين أو في الاجتماع الأخير من لغة روسية خشنة غير مألوفة هو التعبير عن كون الدب الروسي لم ينس تبعات تدخل أمريكا في شبه جزيرة القرم و إن تعزيز فرضيات بقاء الأسد هي اللطمة الأولى التي ستجعل "الأصدقاء” حائرين.