إعلام عربي للركوع والإخضاع
وفاء نزار سلطان
صدق من قال لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة , يشابه حال قناة "الميادين” حبة القمح الذهبية الخيرة ربما لكونها صاحبة قيمة إعلامية عالية وبرامج واعية هادفة ومؤسسوها يعون الخطوط القومية التي تشكل الفكر العروبي الحقيقي ، لتصبح بين ليلة وضحاها دريئة ترميها "السعودية” بقذائفها ، لتجاوزها الخطوط الحمراء التي رسمتها النظم الملكية ، فمن غير المسموح نمو القنوات المخالفة للذات الألوهية السعودية، وعليه يتوجب على الإعلام أن يظل راكعاً يُقدس ويُبجل ويَتوسل أن يمنّ عليه ذو الجهل والعنجهة ببعض المكرمات من الحريات الصحفية .
وأن كنا لا نستغرب أن تحارب "السعودية” قناة "الميادين” عبر بوابة "عربسات” ، فكيف لدولة لم تسمع يوماً بحقوق الأنسان أو علاقات الطوائف أو تداول السلطة أو منابر الديمقراطية أو أبسط حقوق المرأة ، أن تعي أن لا ضرورة لسل سيف بطشها على كل من يعارضها ، وأن تكتفي بحجة المنطق المعرفية بدلاً من جز أقلام العلماء والإعلاميين والمفكرين والمثقفين وبعض رجال الدين ، والاقتصاص من الشعوب العربية التي نادت بالحريات والجمهوريات ، فكل الرؤوس المخالفة لشريعة "آل سعود” لم تكن لتزهق لو أنها أسبلت فروض الطاعة وغضت بصرها عن دواة النقد ونبراس الحقيقة .
ولأن الاعلام يعتبر منفذاً مروياً لحركة الأفكار والمعلومات ، ومن أهم وسائل التعبير عن الرأي والوصول للأهداف ، حيث تشكل حرية الأعلام المقياس الحقيقي لحرية المجتمعات في زمن العولمة الجارفة بكونها حرية التعبير، ومع إدراكنا أن التطور التكنولوجي والمعرفي أسهم بظهور وسائل الإعلام الفضائي ومنه لـ تسرب الإعلام المحلي خاصةً من قبضة السلطات الحاكمة ، وظهور قنوات متعددة الأهداف والغايات في الفضاء العربي ساهمت عبر برامجها بتشكيل الوعي العربي عموماً للفئات الشابة والتي سمحت بخلق الظروف التي نمر بها حالياً في مجتمعاتنا ، فلن تأخذنا الحيرة إن أرادت دويلة النفط وضع قدمها في أفواه كل من يتجرأ أن يرفع نقاب الستر ليُرينا الوجه الحقيقي للمأساة العربية.
حيث تعاني الحريات الإعلامية من التلبك في المجتمعات العربية ، فضياع فرص خلق الديمقراطيات ساهم بخلق مجتمعات على حافة الانهزام الأخلاقي والسياسي والاقتصادي ، كما أن المعايير المزدوجة للحريات منعت قيام توازن استراتيجي يؤدي لظهور شريحة واسعة من المثقفين القادرين على تحقيق التغيير وتداول السلطات بعيداً عن لغة القمع والدماء .
فمع بداية الأزمة السورية وتصاعد وتيرة العنف بتمدد الربيع العبري ، تم حجب وتشويش قنوات سورية كانت تعمل على نقل ما يجري من أحداث ، وتعرضت لعدة حملات تشويه عملت على زعزعة مصداقيتها باستدراج المواطن الغافل عن الوضع الحرج الذي وضعته به سياسات سعودية عبرية قائمة على الدجل ، ضاربة عرض الحائط بميثاق الشرف الصحفي ، حتى باتت كل قناة تخاطب الفكر والضمير بشفافية وتظهر الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية هي قناة يتوجب خنق صوتها
أما العسل الخليجي فرغم التمويل الضخم لشبكات وقنوات مختلفة ، يبقى الخبر الخليجي وتغطية الشأن العام في منطقة الخليج الفارسي الأقل في وسائل الإعلام ، كما لو أن "لا شيء” هو فقط من يرقى لمستوى الحدث و "لا شيء” يعني الخليج بخير حتى لو ملأت دماء البحرينيين شوارع المنامة .
وما هو أشد خطورة من ترهيب السلاح اليوم في عالمنا العربي هو الإرهاب الإعلامي الذي تمارسه علينا قنوات سلفية بامتياز ، تغذي النعرات الطائفية ، وتذكي التهجم على المعتقدات والأديان ، وتتورط في صناعة المجاهدين ، وسياق أجندات غربية واستعمارية لترسيخ الفوضى ، والعمل على توفير بيئة حاضنة في كل بيت لمسلحين ومجرمين
وأُخرى تُروج مفسدة أخلاقية وثقافة منحطة تهبط بالذوق العام وترسخ الاستهلاك واللامبالاة والعجز كما لا تناسب واقعنا العربي ولا مجتمعاتنا المحافظة ، وتعتمد الإثارة في البرامج ، وتوجيه كل ما له علاقة بالتنمية والتكوين نحو إضعاف الفكر ، وزيادة الشتات والتفرقة .
وغيرها خلقت الإشكاليات المعرفية التي ساهمت في تكسير البوصلة العربية التي طالما أشارت للقدس ولعدو واحد هو "العدو الصهيوني” حتى نبتت شجرة الزقوم السعودية وخلقت ألف عدو وهمي للمجتمعات العربية كالهلال الشيعي والدول العلمانية والقومية عبر تجنيد إمبراطورية إعلامية فهدفها ضرب الوعي الوطني للسقوط في هوة التخلف .
فما أحوجنا اليوم لصحوة إعلامية تمسك زمام المقومات لخلق منهجية ثوابت تعيد وضع الأسس القوية لحماية القنوات المقاومة كي لا تضيع أوطاننا بزناد الجاهلين ورصاص السلفيين ، لتكف يد الإرهاب عن تركيع وإرضاخ عدسة الإعلام .