kayhan.ir

رمز الخبر: 29479
تأريخ النشر : 2015November16 - 20:35

هل إنتصرنا، وكيف؟ وما هي علاقة نصرنا بـ “أحداث” باريس؟

سمير الفزاع

منذ التدخل الميداني الروسي إلى جانب الجيش العربي السوري وحلفائه وفي مقدمتهم رفاق الدرب وإخوة السلاح الخلّص، حزب الله ولواء القدس الفلسطيني وتشكيلات الحرس الثوري الإيراني… بدأت عجلة التقدم الميداني تدور بقوة وفق خط بياني متصاعد. شهر ونصف من الغارات الجوية الروسية-السورية المركزة والدقيقة، كانت كفيلة بتقطيع أوصال الجماعات الإرهابية، وسحق تجمعاتها الكبيرة في مراكز التدريب والتجمع والقواعد… وقطع خطوط الإمداد، وتدمير مركز التحكم والسيطرة وعقد الإتصالات، ومرابض المدفعية وراجمات الصواريخ، ومخازن الذخيرة ومعامل التصنيع الحربي وورش الصيانة… ما أفرز حقائق ملموسة ترجمت ميدانياً بعدة وقائع، مثل: إنهيار خطوط الدفاع الأولى للجماعات الإرهابية في ريف حلب الغربي-الجنوبي والشمالي-الشرقي، ريف اللاذقية الشمالي-الشرقي، سهل الغاب، ريف درعا الجنوبي، غوطة دمشق الشرقية… حالات فرار جماعي واسعة إلى تركيا، سقوط أعداد كبيرة جداً من قيادات الصف الأول والثاني للجماعات الإرهابية… ما أنعكس إنهيارات متتالية لخطوط هذه الجماعات، من جهة، ومن جهة ثانية كان لحالة الصدمة والمفاجئة التي أصابت هذه الجماعات ومشغليها من حجم التدخل الروسي وما رافقها من "قيامة” كبرى للجيش العربي السوري… بأن شلّت حلف العدوان على سورية وأدخلته حالة من التخبط والضياع السياسي إنعكست مباشرة على الميدان هزائم وتراجعات مستمرة… وعلى الدول المشغلة والمستثمرة بهذه الأدوات الإرهابية "فقاعات دموية” وإنفجارات إجتماعية تتضاعف مخاطرها كلما طال زمن العدوان على سورية.

جهدت فرنسا ساركوزي وهولاند منذ اللحظة الأولى لإسقاط سورية، ولم يكن ذلك هذا الجهد إلا إستمراراً أميناً لإتفاق النرماندي بين جاك شيراك وبوش الصغير عام 2005، ولكن بمستويات ووتائر هالية جداً. لقد قام ساركوزي بمد جماعات الغزو الإرهابي بأجهزة الإتصال والإسلحة وخصوصاً صواريخ ميلان المضادة للدروع التي ظهرت لأول مرة بأيد "الجيش الحر” وفي حمص تحديداً. بالأمس تعرضت باريس لهجوم دموي واسع ومنظم بدقة، نفذته عدة مجموعات من الإرهابيين بلغ عدد أفرادها 6-8 إرهابيين على الأقل، بلغت الحصيلة التقريبية: مصرع 150 وإصابة 200 آخرين جراح 90 منهم قاتلة. وخرج رئيس الوزراء الفرنسي ليعلن بأن هناك 1800 فرنسي يقاتلون في سورية والعراق، بينما أعلن الرئيس الفرنسي بأن هناك "جيش” من الإرهابيين في فرنسا يتمتع بقاعدة دعم واسعة. ثمانية فقط من الإرهابيين الـ1800 الذين أرسلتهم فرنسا إلى سورية عن سابق إصرار وتصميم، تكفلوا بقتل وجرح اربعمئة مواطن تقريبا، وإجبار فرنسا على فرض حالة الطواريء، وإغلاق الحدود، وإستدعاء 1500 عنصر من الجيش لحفظ الأمن، والطلب من سكان باريس إلتزام بيوتهم، وتعليق الدراسة… نعم يا سادة، هذا ما تسبب به ثمانية إرهابيين فقط، فما بالكم لو تحرك الإرهابيون الذين تعرف عنهم الأجهزة الأمنية الفرنسية يقيناً ويقدر عددهم بقرابة الـ5000 ألآف إرهابي ومتعاطف مع الارهاب، يعيشون على أراضيها ويمنعها سياسيوها من التصرف حيالهم؟!.

بكل صراحة، هذا نتاج سياسة فرنسا في الفترتين الرئاسيتين الأخيرتين على الأقل، ساركوزي وهولاند. وحتى أكون أكثر تحديداً وبإختصار؛ هذا حصاد رهن مصالح فرنسا الوطنية بسياسات واشنطن وتل أبيب وأنقرة ومحميات البترودولار… وترك إدارة ورعاية المساجد الفرنسية للفكر الوهابي-السعودي… والمعايير المزدوجة التي جعلت من داعش دولة إسلامية، ومن النصرة معارضة معتدلة، ومن أكلة القلوب وقاطعي الرؤوس جيشاً سوريّاً حرّاً… وحصاد سياسة مستمرة منذ خمسة سنوات، سمحت لنفسها بالترويج لبدع شيطانية إسمها "معارضة مسلحة” وإرهاب معتدل وآخر متطرف، فجربت "المعارضة المسلحة” في شوارعها، وتجرعت الإرهاب المعتدل والمتطرف على حدّ سواء في مسارحها وملاعبها… هذا حصاد الدعوة للتمرد على كل المرجعيات الوطنية والقانونية والدينية والإنسانية، وإغماض "العيون” عن الدعوت "للجهاد” في سورية عبر منابر المساجد الفرنسية وشبكات التواصل الإجتماعي… هذا ثمن مقايضة طائرات "الرافال” وسفن "الميسترال” بالثقافة والهوية والمباديء الفرنسية… والتخلي عن قرار فرنسا وسيادتها مقابل براميل النفط وحاويات الغاز السعودي والقطري والإماراتي… هذا ثمن صواريخ "الميلان” وأجهزة الإتصال المتطورة التي جاهرت الرئاسة الفرنسية بتقديمها للمعارضة المعتدلة، والوحدات الخاصة الفرنسية التي سبقت الجميع إلى الأرض السورية… هذه نتيجة محاولات قلب نظام الحكم وفرض "ديموقراطية” الطوائف في سورية بالتحالف مع الإرهاب التركي-السعودي-القطري-الصهيوأمريكي-الإخواني… هذا ما تفعله معسكرات اللجوء التي نصبت في تركيا والأردن قبل أن يخرج أحد أو تزهق روح أو تنزل قطرة دم بأشهر… هذا حصاد إمتناع شيوخ السلاطين و”الورق الأخضر” في تركيا ومصر ومحميات آل سعود وثاني عندما يرفضون إخراج داعش من الملة وتكفيرهم، فقط لأنهم ينطقون بالشهادة! وكأن الشهادة أصبحت سيف مسلط على خلق الله… هذا حصاد التعاون مع ملك آل سعود –سلمان- المسؤول عن إدارة "صندوق المجاهدين” في أفغانستان… هذا ثمن السكوت على تهجير أردوغان لمئات ألآف البشر عبر البحر إلى أوروبا.

نحن ننتصر، إنها الخلاصة الحقيقة لما يجري على الميدان في سورية، وما جرى في فرنسا خلال الساعات الماضية، وما سيجري قريباً في تركيا واسبانيا والمانيا وامريكا… . نحن ننتصر بمعركتنا في الميدان كما ننتصر في معركة العقل والثقافة والوعي وقراءة الغد بكل تعرجاته ومنحنياته، وإستقرائنا لخطر الإرهاب الكوني… انتصرنا بصبرنا ودمنا المسفوح وصمودنا، وننتصر بقيامة جيشنا وإلتفاف شعبنا وحلفائنا… روسيا التي جاءت لتقاتل الإرهاب حيث يُقاتل حتى لا تضطر لمحاربته مجبرة حيث "ممنوع” أن يُقاتل… ولهذا سبق حزب الله الكل، قاتل لينصر من يدفع العدوان عن نفسه، ولينصر الحق، ويمنع تمدد أدوات الغزو والتفكيك إلى عقر داره.

في شوارع باريس سقطت كل دعاوى الحرب المذهبية والطائفية التي روج لها هولاند وحلفائه في واشنطن وتل أبيب وأنقره ومحميات الخليج الفارسي… في "باريس-1″ تداعت مقولات "الحرب الشيعية” ضد "السنّة” وتعرّت بالكامل خطوط الإرهاب المحمي بأجهزة إستخبارية دولية، تنقل الإرهاب وتستثمر فيه، تشتري منه السبايا والآثار والنفط والأسرار العسكرية… في "باريس-1″ إنتقلنا مباشرة إلى فينا-5، فصمت وزراء محميات النفط ولم ينطقوا بكلمة واحدة وهم يدخلون إلى قاعة فينا-2، كيف يفعلوا والدم المسفوح في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وفرنسا يقطر حاراً من أيديهم… في باريس-1 يجب أن يكتشف الفرنسيون وكل العالم، لماذا ترفض واشنطن تبادل المعلومات مع بقية الدول حول الجماعات الإرهابية في سورية والعراق… باريس-1 ألقمت هولاند وحكومته حجراً بحجم بوط الجندي العربي السوري الذي يحارب "المعارضة المسلحة المعتدلة” ورعاتها -وعلى رأسهم فرنسا- منذ خمسة أعوام… في باريس-1 إنتصرت سورية، بتدمر المخطوفة، وحلب المحاصرة، ودمشق المجروحة، والرقة المسبيّة من أدوات باريس وحلفائها، لأن صنّاع مأساة باريس-1 جاءوا من أدواتها وبأمر من بعض حلفائها… هل يستيقظ ديغول؟.