فرنسا ، الإرهاب ، من المنتج إلى المستهلك.
أحمد الحباسى
حدث المنتظر في فرنسا و استفاق الفرنسيون اليوم على وقع الفاجعة الإرهابية في قلب العاصمة الفرنسية باريس ، كالعادة هرع بعض الساسة الذين لم يناموا لمحاولة تضميد جراح فرنسا بإبداء بعض التعاطف و المواساة ، إحدى الجرائد الفرنسية عنونت افتتاحيتها بشعار ” أنا فرنسا Je suis la France ” في إشارة إلى ذلك التعبير "أنا شارلي Je suis Charlie ” الذي رفعته فرنسا بعد الاعتداء الإرهابي الذي ضرب المجلة الفرنسية شارلي هيبدو بسبب مواصلتها نشر رسوم مسيئة للإسلام ، الرئيس الفرنسي الذي تم ” تهريبه” من مشاهدة مباراة فرنسا و ألمانيا لفت الانتباه بوجهه الشاحب و بنبرات عباراته المتعثرة و هو يعلن للفرنسيين حجم الكارثة و قرار إعلان حالة الطوارئ ، ميدان الشان ايلزى الشهير و محطات المترو بدت خالية من المارة و المتسكعين ، التعليقات مرتبكة و الخوف مسيطر على كل المتابعين لهذه الحادثة.
كما قال سماحة السيد حسن نصر الله "سنكون أينما يجب أن نكون ” فنحن نقول مرة أخرى بمناسبة هذه الحادثة لكل المتابعين و مهما كانت مواقفهم ، نحن أيضا سنكون أينما يجب أن نكون ، و سنعيد شعار المرة السالفة ” نحن لسنا فرنسا ” كما قلنا في السابق ” نحن لسنا شارلي ” ، لن نتعاطف مطلقا مع فرنسا و لا مع قيادتها و لا مع جيشها و مؤسستها الأمنية و لا مع وسائل إعلامها الصهيونية و لا مع أغلبية طبقتها "المثقفة” التي تكره الإسلام و تعادى المسلمين ، و لن ندين الحادثة و لا من يقفون وراءها رغم كراهيتنا المعلنة لهم ولأساليبهم الهمجية الوحشية ، و لن ندعو لمساندة فرنسا و لا لتنكيس الإعلام و لا لإبداء التعاطف مع رئيسها الصهيوني ، فبعد ما حدث في سوريا و في ليبيا و تونس و العراق و لبنان و البحرين و اليمن و السودان و الجزائر و المغرب لم يعد لفرنسا مكان في عاطفتنا و مشاعرنا و لم نعد نقبل بأي تزييف أو نفاق في هذا الخصوص ، فلتتحمل فرنسا "إرهابها” و ليتحمل لوران فابيوس وزير خارجيتها الموصوم بجرائم الدم الملوث الشهيرة نتيجة خطبه الحاقدة على العرب في كل الدول العربية و ليتحمل مانوال فالس رئيس الحكومة نتائج سياسة حكومته الإرهابية تجاه سوريا و ما تفعله مخابراتها لتامين وصول الإرهاب إلى الشام ، فليتحمل الشعب الفرنسي ذاته و هو الذي انتخب هذه الطغمة النازية الفاسدة نتائج اختياراته الفاشلة و صمته على جرائم بلده في سوريا.
منذ ساعات فقط أعلنت نفس فرنسا الباكية اليوم إرسالها حاملة الطائرات "شارل ديغول” للمشاركة في "العمليات العسكرية” في سوريا ، المتابعون يعلمون نوعية المشاركة الفرنسية و نوعية العمليات و نوعية الأطراف الإرهابية التي تساندها فرنسا ، هذا يأتي بعد ساعات فقط من قصف الطائرات الفرنسية لمنشأة نفطية في شمال سوريا انتقاما من الشعب السوري الصامد و تدعيما لتواجد الجماعات الإرهابية التي تقتل هذا الشعب ، أيضا فرنسا كما هي شريك فاعل في العدوان فهي شريك في نزوح اللاجئين إلى خارج سوريا هروبا من الإرهاب الذي تسانده فرنسا بالمعلومات و التخطيط و التمويل ، نزوح تترتب عليه نتائج إنسانية كارثية تؤدى إلى حالات من الانتحار و من تجارة الجنس الأبيض و الاغتصاب ، مساندة فرنسا للإرهاب تدمر الرغيف السوري و تضع الحكومة السورية في مشاكل يومية عويصة لمجابهة الوضع الاقتصادي المدمر ، أيضا تقف فرنسا في صف الدول المنحازة للخيار العسكري ضد الشعب السوري و في صف المنادين برحيل الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد في تعارض تام مع القوانين و الشرائع الدولية ، هذه هي فرنسا و ما حدث ليلة البارحة هو نتاج هذه السياسة الفرنسية القاحلة المريضة.
من المثير للسخرية و نحن نتابع هؤلاء "الإعلاميون” الفرنسيون و هم يهذون هذيان المريض بالحمى متسائلين بنفاق واضح : من هم هؤلاء الإرهابيون ؟ لماذا ضربوا فرنسا ؟ من يقف ورائهم ؟ و لماذا الآن ؟ هل هناك ذئاب منفردة تنتظر دورها لضرب فرنسا ؟ لماذا فشلت المخابرات في تعقب أثار هؤلاء ؟ ما هي الخطوات الفرنسية القادمة ؟ ماذا يعنى إعلان حالة الطوارئ في البلاد ؟ و ما هي طبيعة الرد الفرنسي القادم ؟ … هؤلاء يعلمون أجوبة كل هذه الأسئلة بالتفصيل الممل ، فالإرهابيون صنيعة فرنسية كما هم صنيعة سعودية ، فرنسا تمارس إرهاب الدولة ، و هي تدفع للإرهابيين و تشرف على تواجدهم في سوريا و تونس و العراق و لبنان ، المخابرات الفرنسية تتعامل مع الإرهاب كحليف و ليس كعدو ، و المؤسسة العسكرية الفرنسية هي من تساند بقواتها الجوية تواجد الإرهاب في سوريا و تحميه ، مشكلة الإرهاب أنه يخرج أحيانا عن المنطق و عن الرعاية و يصبح عدوا للدولة التي ترعاه لأسباب تتعلق بالتمويل أو بعزل هذا الأمير أو باستهدافه المشتبه فيه ، أيضا هناك تداخل بين مخابرات الدول الداعمة الراعية للإرهاب يؤدى أحيانا إلى انسلاخ و خيانات و محاولات انتقام من ” المؤجر” السابق ، هذا حصل لأمريكا في أفغانستان و العراق ، للسعودية في الرياض ذاتها ، للكويت و الإمارات و الأردن على مراحل مختلفة.
الرئيس الأسد كان واضحا من البداية في توصيف الحالة الإرهابية و بيان ارتداداتها المقبلة على الوضع في المنطقة و العالم ، الذين "وضعوا” سيناريو إسقاط الرئيس باستعمال القوة الإرهابية بدل التدخل العسكري المباشر المكشوف هم من أعمتهم أحلامهم المريضة عن رؤية الواقع و فهم الرؤية السورية ، استهداف و قتل الفرنسيين اليوم يأتي تماما في سياق الرؤية السورية ، من قتل الفرنسيين ليس الإرهاب بل إرهاب الدولة الفرنسية نفسها ، هؤلاء القتلة لا يمثلون الإرهاب بل هم يمثلون السياسة الإرهابية الفرنسية ، و الضحايا الذين سقطوا هم هذا الشعب الذي انتخب قيادة إرهابية تمارس إرهاب الدولة ، فالإرهاب مثل القنبلة التي انتزع منها صاعق التفجير قابل للانفجار في يد من يستعمله ، و لان الإرهاب لم يعد حالة معزولة فمن المؤكد أن فرنسا و شعبها سينالهم من ” الحب جانب” و ستصبح فرنسا واحة للإرهاب و الفوضى الإرهابية الخلاقة ، حينها سيكتشف الفرنسيون أن فرانسوا هولاند هو أيمن الظواهري بشكل آخر و لوران فابيوس هو القرضاوى بشكل آخر و أن الإرهاب مثل البرامج التلفزيونية يقبل الاستنساخ شريطة موافقة الجهة المصدر و دفع حقوق الملكية الفكرية للنظام السعودي.