السؤال الأهمّ ليس “كيف” أُسقطت الطائرة الروسية بل “لماذا”؟
عصام نعمان
سيطول الجدل حول كيف جرى إسقاط أو تفجير الطائرة الروسية في سيناء. ستتعدّد التكهّنات والاجتهادات حتى بعد الفراغ من التحقيقات، لأن لا سبيل، على ما يبدو، إلى تحديد سبب قاطع.
كذلك ستتعدّد التكهنات والترجيحات حول مَن تراه يكون الفاعل. لكن، هل من موجب لهذا الجدل بعدما أعلنت "الدولة الإسلامية ــــ داعش” مسؤوليتها جهاراً نهاراً؟
حتى لو افترضنا جدلاً أنّ التحقيقات توصّلت إلى أنّ سقوط الطائرة مردّه إلى عطل فني أو أنّ جهة أخرى غير "داعش” هي المسؤولة، فهل يغيّر ذلك من خطورة التداعيات الناجمة عن الحدث الجلل؟
مهمّ، بطبيعة الحال، معرفة كيف جرى إسقاط الطائرة الروسية لتدارك حوادث مماثلة في المستقبل بجميع الوسائل الممكنة. لكن الأهمّ معرفة لماذا أقدمت "الدولة الإسلامية ــــ داعش” على إسقاطها طالما هي تبنّت الحادث ــــ الحدث وتحدّت مسؤولو روسيا ومصر وخبراؤهما أن يحدّدوا جهة أخرى غيرها.
إنّ مسارعة "داعش” إلى تبنّي عملية إسقاط الطائرة والتأكيد لاحقاً، بإصرار وتحدٍّ، على تحمّل كامل المسؤولية تنطق بجملة دلالات:
أولاها أنّ تنظيم "داعش” قد أضحى دولة قادرة قولاً وفعلاً. ذلك أنّ إسقاط طائرة على ارتفاع نحو عشرة كيلومترات يشكّل برهاناً على امتلاكه قدرات غير عادية، سواء كانت فنية أو بشرية، بمعنى قدرته على تنفيذ الإسقاط أو التفجير بعملية انتحارية.
ثانيتها إنّ عملية الإسقاط أو التفجير كانت شديدة التعقيد بدليل عجز دول كبرى تمتلك أجهزة متقدّمة بالغة التطور والفعالية عن كشف أسباب الحادث في مدة زمنية مقبولة.
ثالثتها أنّ الحادث ـــــ الحدث استهدف طائرة تمتلكها دولة كبرى، الأمر الذي يشير إلى تقصّد "الدولة الإسلامية” النيل منها، والى استعداده لتحمّل مفاعيل هذا التحدّي، حاضراً ومستقبلاً.
رابعتها أنّ إصرار "الدولة الإسلامية” على تبنّي الحادث ــــ الحدث اليوم يشير إلى إمكان تكراره غداً عند أول فرصة متاحة وفي أي مكان.
خامستها أنّ "الدولة الإسلامية” ربما تقصّدت تحدّي روسيا، بما هي دولة كبرى، أملاً بأن تعطي العالم عموماً والمسلمين خصوصاً انطباعاً بأنها غدت، هي الأخرى، دولة كبرى من حيث امتلاكها قدرات غير عادية وذراعاً طويلة. ذلك حمل صحيفة "فورن بوليسي” الأميركية على الترجيح بأنّ "الدولة الإسلامية” بدأت تنتهج استراتيجية جديدة في الهجمات الإرهابية تهدف إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا. ولا شك في أنّ تكثير عدد الضحايا سيكون له وقع وصدى ومردود وازن في الجمهور الذي يمدّ "داعش” بالمقاتلين والانتحاريين.
إلى ذلك، يبدو أنّ لـِ”داعش” هدفاً آخر من وراء اللجوء إلى نهج إسقاط الطائرات بمن فيها، أياً كانت جنسية أصحابها ومشغّليها. إنه إشعار، بل إقناع، مسلمي العالم أجمع بأنّ "دولة الخلافة الإسلامية” عادت وسادت وأنها وحدها من دون سائر الدول ذات الهوية الإسلامية تمثل الإسلام والمسلمين الأمر الذي يستوجب محضَها البيعة والولاء ومدّها بأسباب القوة والبقاء.
لا يبدو أنّ المسؤولين في دول الغرب عموماً، ولا سيما في الولايات المتحدة وسائر دول "الناتو”، فهموا أو تفهّموا المعاني سالفة الذكر. ذلك أنّ ردود أفعالهم على حدث إسقاط الطائرة الروسية تركّزت على أمرين: الأول، استقصاء أسباب الإسقاط أو التفجير والإيحاء بقوة تداعياته على مكانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونفوذه في بلاده. الثاني، الادّعاء بأنّ الحادث ــــ الحدث هو ردّ من "داعش” على قسوة التدخل الروسي ضد أعداء النظام في سورية.
مهما يكن الأمر، فإنّ واشنطن لن تتأخّر كثيراً في الإقرار بأنّ الأخطار المشعّة من "الدولة الإسلامية” أصبحت عالمية المدى والتأثير، وأنّ محاولات استغلال التنظيمات الإرهابية في لعبة الأمم، ولا سيما في سورية والعراق، لن تكون مجدية في المدى الطويل، وأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين والإقليميين والعرب محكوم عليها، كما عليهم، بمواجهة "داعش” في كلّ الجبهات المشتعلة حالياً والممكن إشعالها مستقبلاً، وانّ التعاون مع كلّ المتضرّرين من "داعش” وأخواته، ولا سيما روسيا وسورية والعراق وإيران، حاجة استراتيجية لا سبيل إلى تجاهلها أو التهاون في معالجتها.
باختصار، "الدولة الإسلامية ــــ داعش” باتت أكبر وأخطر بكثير من تقديرات الدول والحكومات التي تشكّل أهدافاً لها أو تعاني من هجماتها. كما هي، على ما يبدو، أكثر دراية وذكاء وفعالية من الدول التي تظنّ أنها تستغلها في لعبةِ أممٍ باتت باهظة التكلفة ومحدودة الجدوى.