kayhan.ir

رمز الخبر: 2909
تأريخ النشر : 2014June29 - 18:48
حـرب الميدان الواسع

في مواجهة أدوات سايكس ـ بيكو الجديدة

لؤي توفيق حسن *

هيرودوت

استطاعت داعش أن تتضخم أكثر مما يسمح به منطق الأشياء وطبيعتها، حركة منشقة عن "القاعدة" التنظيم الأم. "بزتها" لتتحول إلى قوة اقليمية!!. اسباب عديدة كانت خلف بلوغها هذه المكانة، أبرزها ثراؤها بعد أن أستولت على آبار النفط في سوريا فكيف ومؤخراً أموال البنوك العراقية في عمليتها الأخير وسط العراق، لتصبح الأقدر على جذب (المتطوعين) إلى صفوفها من كل حدب وصوب. أما أمريكا (القلقة!) الآن فإنها لم تكن لتتوانى عن مباركة توسع داعش لو أنه بقي ضمن ( العيارات) المطلوبة!!، فهي مع هذه المنظومات الإرهابية ما بقيت لا غالبة ولا مغلوبة، غير مغلوبة لكي تبقى قادرةً على استنزاف المكان؛ غير غالبة كي لا تحسم المعركة ظافرةً في المكان. هذه هي شروط "الفوضى البناءة " الذي يجب ان تستمر حتى يسقط الجميع تحت عجلاتها مضرجين بدمائهم لتدخل بعدها أمريكا فارضةً شروطها معيدة ترتيب اوراق المنطقة، فيما تسميه "الشرق الأوسط الجديد".

الإرهاب في كل مكان

غير ان أمريكا وهي تلعب في النار تحرص أن لا تخرج هذه عن نطاق سيطرتها!،ولا سيما أن داعش اليوم لم تعد مثل قبل خيوطها بيد مموليها ذلك عندما باتت مستقلة اقتصادياً. وها هي الآن تتوسع لتقبض على مفاتيح جيو استراتيجية بعد أن استولت على محافظة الأنبار ومنها على معابر الحدود مع سوريا والأردن والسعودية، هناك خلط أوراق كامل الآن حيث الإرهاب يضرب في كل مكان وعلى امتداد جغرافيا تتجاوز الحدود السياسية وبقيادة مركزية واحدة تقريباً. أما مجابهته فتتم بالتجزئة. داعش باتت موجودة من شرق حلب إلى الموصل في "دولة بلا اعتراف دولي" على حد وصف "الواشنطن بوست". أما ليبيا فإن لحركة ما يسمى "أنصار الشريعة" ذراعا تمتد غرباً إلى شمال افريقيا، وشرقاً إلى مصر بل إلى صحراء سينا اقصى الشرق منها!. حيث اعلن قيام فرع لهذه الحركة في مصر بقيادة الشيخ أحمد عشعوش. الأسلحة كانت قد أتت من السودان إلى الحركة المذكورة، بل هي ما زالت تصل منها بحسب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي اتهم مؤخراً جهات ما في الخرطوم بإمداد المسلحين في بلاده هذا على حد قوله. اليمن زاخرة بالتنظيمات الجهادية من القاعدة وأخواتها منسقةً مع نظيرتها في الصومال. إذاً الإرهاب يتحرك متجاوزاً الحدود وبقيادات تتضافر وتتكامل حالماً بتحقيق وحدة الأقاليم التي يقاتل فوقها ؛كان منها منذ أيام احتفال داعش بتدمير علامات حدودية موضوعة "لحدود سايكس ـ بيكو " بين سوريا والعراق!. ولعل هذا تحدّ للقوى العربية والقومية التي فشلت في توحيد البلدين. فيما تحولت مواجهة الإرهاب إلى فارزة للغث من السمين، للأصيل من المزيف، فهناك من ادعى (البعث) أنه يقاتل مع داعش في العراق موجهاً نيرانه إل، آخرين يقاتلون الارهاب، وفعلياً أدوات سايكس ـ بيكو الجديد!. الروح القطرية ما زالت هي المهيمنة في مواجهة الإرهاب (الوحدوي النزعة) هذا للحقيقة!، فيما الكل في المقابل يتحرك في نطاقه القطري وعلى طريقة (دبر راسك!!!). سوريا قاتلت لوحدها النصرة، العراق فعل كذلك مع داعش، مصر تغرد لوحدها في مواجهة التكفيرين وبمعزل عما يجري في ليبيا، واللواء حفتر في بنغازي يطالبها بنجدته! فيما لبنان الرسمي كالنعامة: "ينأى بنفسه" بالرغم من انه لا يملك لذلك سبيلاً. ولا واقع الحال بات يتيح له ذلك.

داعش

إسقاط الحدود

لقد بات المطلوب عملاً عربياً واحداً لمجابهة الارهاب. وهنا لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين اثنين: الأول أن السعودية طرف في جبهة الارهاب بل ومن اخطرها، إذ ما زالت تحكمها عقلية كيدية ثأرية توجه سياستها ولا شيء غير هذا، وهي إلى أجل غير مسمى خارج السمع وخارج الإدراك والتصور من أن هذه اللعبة الخطيرة التي تلعبها ستطالها، وأن النار التي اشعلتها في سوريا والعراق ستصلها وتحيلها رماداً. فالبيئة السعودية أكثر تقبلاً لداعش واحتضانها!!..آخذين ايضاً بعين الاعتبار أن هذه الأخيرة بعد استيلائها على محافظة الأنبار باتت على تخوم المملكة!. والأمر الثاني هو تجنب اعتبار (القلق) الأمريكي من ركائز استراتيجية المواجهة وذلك للأسباب التي سبق ذكرها، وهذا من دون أن نسقط بأن هذا الارتباك الأمريكي من توسع داعش هو عامل قد يكون مساعداً ولكن بصورة مؤقتة وغير مضمون حتماً.

لو استعرضنا الدول العربية المهددة بأن يجتاحها الارهاب غير تلك الداخلة في مواجهة مفتوحه معه مثل العراق وسوريا وليبيا، وبدرجة أقل لبنان والجزائر، هناك مصر مرشحة لمواجهات أوسع نطاقاً، هذا ما تشي به المعطيات حيث قواعد الإرهاب تحيطها شرقاً وجنوباً وغرباً، وفي الداخل بيئة حاضنة من البؤس والفقر، وفائض العنف في مواجهة (الأخوان المسلمين) وغيره من الحركات السلفية القابعة تحت الأرض هذه وتلك قنابل موقوته ينبغي أن يحذرها النظام الجديد!!. هناك الكويت من الأهداف الثمينة لداعش وبات يقترب منها, وهذا ما دفع أميرها لزيارة ايران ماداً جسراً من التفاهم معها. غير أن الأردن هو المرشح ليكون الهدف التالي ولو بعد حين، فهو من الوجهة الاستراتيجية هدف جوهري لداعش لأنه سيؤمن (لدولتها) منفذاً بحرياً عبر العقبة. ومن المؤكد وجود خلايا نائمة لهذا التنظيم في الأردن، وبيئات حاضنة له إن لم تكن تدور في فلكه فهي تدور في فلك تلك الخلطة العجيبة من تنظيمات : (بعث العراق) من جهة، والأخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي من جهة أخرى. الجدير هنا الإشارة إلى أن مقدمات تحرك دخلي في هذا البلد آخذةٌ بالبروز كان آخرها المظاهرات ضد السلطة التي خرجت في معان!.

وحدها المقاومة في لبنان أدركت بوعي استراتيجي ضرورة مواجهة الإرهاب بنفس الكيفية التي ينتهجها أي بإسقاط الحدود والانتقال إليه، وهكذا انتقلت إلى سوريا لملاقاة الارهاب الداهم وفي تنسيق مثالي مع قيادتها أثمر عن نتائج ميدانية باهرة. وحمى لبنان من مصير مماثل لما يشهده العراق الآن. ولعل ذلك يشكل مثالاً ساطعاً لما يجب تعميمه على مستوى أوسع. أما الذين اعترضوا في لبنان على تلك الخطوة فهم بين حالتين، إما مغفلون لا يعرفون الف باء الاستراتيجيا، أو أن اعتراضهم -تحت أي ذريعة- جاء يستبطن حسرةً مما أفرزته هذه الخطوة من هزيمة للمجموعات الارهابية!. يجارون في هذا اسيادهم في الرياض, ترى هل تناسى هذا البعض من اللبنانين، وأسيادهم في الرياض، كيف وقف مقاتلو داعش من السعوديين أمام الكاميرات يمزقون جوازات سفرهم قائلين "جايينكم يا آل سعود، دوركم قريب"!.

بعض المحللين يقولون بأن لا مخرج من هذا الاستعصاء ما دامت السعودية في راحة ومنأى عن الحريق. نحن لسنا ممن يتبنى ذلك، غير أن لعبة النار هي لعبة مفتوحة في كل الاتجاهات، فداعش أو النصرة وما شابه هي أدوات مجنونة، بلا بصيرة ليس صعباً ركوبها أو تصنيع مثيلِ لها، عند من يملك المال. يبدو ان الحرب بهذه القوى المجنونة بات البديل عن الحرب بالجيوش التقليدية. لعبة رخيصة ومتاحة في هذا الاتجاه وفي الاتجاه المعاكس!!.