مشكلة النفايات..فشل الإدارة في السياسة والإعلام
د. طراد حمادة
الإنسان كائن حيّ ينظّف نفسه. وتفعل الأمر نفسه بعض الحيوانات والنباتات. وكل من ينظف نفسه بنفسه يكون سليم العقل قويّ البنية، قادراً على مواجهة متغيرات البيئة وتقلبات المناخ، يتكيف مع الأشياء من حوله، وينظم علاقته مع جسده ومحيطه، وإذا تخلّف الإنسان عن القيام بهذه الوظيفة الأساسيّة والحيوية، يعتبر في حالة مزرية، بائسة، مصابة بأمراض مستعصية، تجعله يحتاج إلى الآخرين للقيام بوظائفه الحيوية الأمر الذي يجعله في مرتبة من اليأس، والبؤس، وفساد الوظائف العضوية وفساد الحياة نفسها، كما يشعر بثقل وجوده على محيطه، لتسوء العلاقة مع المحيط، بعدما تخلّت الذات، لأسباب عدة، عن مستلزمات وجودها...
ما يصح على الإنسان الفرد، الشخص الإنساني يصح على الاجتماع الإنساني في صورته الاجتماعية، وكذلك السياسية، باعتبار أن السياسة إدارة للاجتماع الإنساني، تسوسه وتحلّ مشكلاته، وتنظم علاقاته، وتكفيه ما يحتاجه في كافة جوانب حياته.
نسوق هذه الحقائق عن الحياة الفردية، وعن حياة الجماعة وإدارتها السياسية، لتبيان أن ما يدور من حوار اجتماعي – سياسي حول مسألة النفايات وجمعها ورفع مضارها والاستفادة من عناصره، وحماية البيئة الاجتماعية والحضرية من آثارها أمر يصل في غرائب حلقاته وأطواره إلى درجة اللامعقول. وكأن الإدارة السياسية اللبنانية أقرب أن تكون إلى شخصٍ عجز عن تنظيم نظافة جسده وفضلات غذائه، وصار مقعداً ينتظر من الآخرين ترتيب وظائف نظافته وهي من الوظائف الحيوية له؛ كما لغيره.
في كلام مباشر: الدولة اللبنانية، عبر مؤسساتها الدستورية، التشريعية والتنفيذية مسؤولة عن تنظيم أمر النفايات كما هو الأمر في كافة الدول المعتبرة. وهذه مسألة وطنية حيوية لا محل لإهمالها، وإلاّ تدهورت أوضاع البيئة وأحوال الناس من جرّاء هذا الإهمال.
إن هذا الإهمال دليل على أن السلامة الذاتية للدولة ومؤسساتها في حالة متردية، وأن ثمة مرض يفسد صحتها، ويدفع بها إلى هاوية الهلاك.
كيف تتحوّل مسألة بهذه الأهمية، والحيوية المرتبطة بحياة الإنسان والمكان إلى محل جدل سياسي عقيم تفوح منه رائحة الصفقات وتقاسم المغانم والأرباح حتى يصبح الحل مستحيلاً وذلك نتيجة لفساد السياسة الإدارية والعجب الإعلامي المرافق له، وفيه فشل التسويق لأهمية إيجاد أماكن، سواء لإقامة مطامر مؤقتة، أو محارق دائمة، لجمع النفايات ومعالجتها...
من ناحية الإدارة السياسية للملف، والتي كشفت عن عجزها في الشواهد التالية:
1-إعادة تلزيم جمع النفايات ومعالجتها بأسعار عالية توزع أرباح عائداتها على الشركات الملتزمة، وكل شركة مرتبطة بالملكية المباشرة، أو الوصاية غير المباشرة، بقوى سياسية ومسؤولين معروفين تتردد أسماؤهم في المنتديات الخاصة والعامة، والتي تظهر أن أمر النفايات وراؤه أرباح الصفقات، الموزعة وفق الحصص على أصحاب المسؤوليات...
2- أن البحث عن أماكن لجمع النفايات ومعالجتها، لم يحدث وفق دراسة علمية موضوعية، تقوم بها الحكومة، ولا ترتهن لأصحاب النفوذ السياسي والطمع المالي، بل تتصرف وفق مقتضيات المصلحة الوطنيّة.
3-كشفت الإدارة السياسية للأزمة، عن مستوى فشلها في التراجع عن قرار الحكومة، الذي قارب الفضيحة، وترك وزير البيئة مسؤولية الملف لزميل له، يسمح له موقعه السياسي بإدارة مفاوضات حول موضوع يبدو أن علاقته بمجرياته وثيقة الصلة.
4-الحركة الإعلامية التي جعلت من النفايات وجمعها ومعالجتها صندوقة الذهب يتسابق عليها المسؤولون، "وصندوقة الزبالة” يبعدونها، على قدر الطاقة والاستطاعة عن مناطقهم، ويرمون بها إلى الآخرين.
5-وفق هذه السياسة في الإدارة والإعلام، صار البحث عن محل للنفايات، يتحوّل عند المواطن المأخوذ بطريقة البحث إلى أن ما ترمى عند النفايات هو في الدرجة الدنيا من المواطنية، وأن المنطقة التي يبحث فيها عن مطمر، ليست تلك المنطقة المناسبة علمياً وموضوعياً، بل تلك المنطقة الفقيرة، المستضعفة التي تحتاج لتنال نصيبها من التنمية أن تكون مكباً ومطمراً لنفايات "الزبالة” و”السياسة”...
هذه الإدارة المتردية المستوى السياسي، نسيت أنه من ضمن قواعد الاجتماع المصري أن يحتاج كل واحد إلى كل واحد وفق مذهب أبو نصر الفارابي. وأن الإنسان كائن حي جمع ينظف نفسه، وأن الأجسام المريضة وحدها غير قادرة على القيام بهذه الوظيفة، فتأمل..