لماذا تدخلت واشنطن هنا ولم تتدخل هناك؟
عادل الجبوري
بقدر ما اثارت عملية الانزال الاميركي في قضاء الحويجة (45 كم جنوبي غربي كركوك)، جدلا واسعا بين مختلف الاوساط والمحافل السياسية العراقية، فإنها اشارت إلى حقائق مهمة يمكن ان تسلط المزيد من الضوء على سياسات واشنطن واساليب تعاطيها مع ما يجري من وقائع واحداث في المشهد العراقي، لا سيما ما يتعلق بالحرب على تنظيم داعش الارهابي.
وليس في الجدل بشأن عملية الانزال الاميركي المفاجئة، والتي اسفرت عن تحرير عدد من الرهائن الذين كانوا محتجزين لدى تنظيم داعش، شيء جديد او غير متوقع، اذ انه يمثل جزءا من صورة المشهد السياسي العام الحافل منذ اكثر من اثني عشر عاما بالكثير من القضايا الخلافية، والازمات والمشاكل المتواصلة. ولكن اللافت فيه ان هناك فريقا ابدى ترحيبا غير مسبوق بالعملية الاميركية قبل ان تتوضح تفاصيلها وابعادها ودوافعها واهدافها بالقدر الكافي، وهذا الفريق ذاته الذي كان يلعن الاحتلال الاميركي ليل نهار، ويشن الحملات تلو الحملات على كل المساهمين في العملية السياسية ايا كان عنوان وشكل وطبيعة تلك المساهمة، وهذا الفريق المرحب والمتحمس والمتفاعل مع عملية الانزال الاميركية، والمتمثل اساسا بائتلاف اتحاد القوى العراقية، وشخصيات وعناوين سياسية اخرى، لم يعرف فيما اذا كانت العملية قد تمت بالتنسيق مع الحكومة العراقية ام لا، ولم يعرف هوية الرهائن وانتماءاتهم، ولم يعرف سبب مشاركة الاكراد وتنسيق الاميركيين معهم، ولم يهتم هذا الفريق كثيرا فيما اذا كانت السيادة الوطنية قد انتهكت من قبل الاميركيين ام لا، هذا في الوقت الذي ابدوا رفضهم القاطع لاي مشاركة روسية في ضرب تنظيم داعش في العراق كما حصل في سوريا، واعتبروه انتهاكا للسيادة وتأزيما وتعقيدا للامور.
الفريق الاخر، قرن رفضه او اعتراضه او تحفظه بجملة تساؤلات واستفهامات، يرى ان الحكومة، وتحديدا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة معني بتقديم اجابات وتوضيحات مقنعة لها لعموم الرأي العام والقوى والتيارات السياسية، سواء المشاركة في العملية السياسية او التي هي خارجها.
تساؤلات حول عملية انزال الحويجة
هل علمت الحكومة مسبقا بالعملية؟ وهل كان هناك تنسيق معها؟ واذا لم يكن ذلك، فكيف ولماذا؟؟.. لماذا تدخلت واشنطن هذه المرة بقوة، فيما كانت "تدس رأسها بالتراب" ان صح التعبير وهي تراقب وتشاهد الكثير من جرائم تنظيم داعش، والكثير من مآسي وويلات العراقيين، وربما اكثر من ذلك، تقدم الدعم والاسناد لداعش؟.. ومن هم الذين تم اطلاق سراحهم؟ ما هي حقيقة انتماءاتهم وتوجهاتهم، واسباب اعتقالهم من قبل داعش؟؟..
اكثر من طرف سياسي فاعل ومؤثر رأى ان عملية الانزال كان ينبغي ان تتم وفق خطة مدروسة لكي لا تدور الشبهات حولها، وان تراعى فيها الاتفاقات المبرمة مع الجانب العراقي وعدم الاكتفاء بالاتفاق مع اقليم كردستان او غيره، وان أية عمليات مستقبلية من هذا النوع يجب ان لا تتم الا باتفاق مع الحكومة الاتحادية بغية ان لا تكون هناك اية تقاطعات في الصلاحيات او فتح ثغرات ربما تؤثر على سير العمليات العسكرية ضد عصابات داعش الارهابية.
رئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود البارزاني اتصل بعدد من كبار الساسة والزعماء في بغداد وشرح لهم خلفيات وابعاد عملية الانزال، ومن بين الذين هاتفهم البارزاني، رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس المجلس الأعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، ورئيس حركة الوفاق وائتلاف العراقية أياد علاوي. وقد اكد البارزاني في اتصالاته، ان العملية تمت بطلب من سلطات الإقليم بناء على معلومات استخباراتية بوجود رهائن أكراد لدى تنظيم داعش، وان العملية نفذت من قبل قوات النخبة الكردية، ودور الأميركيين فيها اقتصر على توفير طائرات الهيلوكوبتر لعملية الانزال، وتقديم المعلومات والاستشارة العسكرية، ولكن تبين -وفقا للبارزاني-ان المحتجزين كانوا من العرب وليسوا أكرادا، والتحقيقات بينت ان البعض منهم كان متعاونا مع الأجهزة الأمنية الحكومية، وبعضهم الاخر رفض التعاون مع تنظيم داعش، فضلا عن ان البعض الاخر منهم كانت لديه اتصالات مع الأميركيين.
ولعله من الصعب التأكد من صحة رواية البارزاني بالكامل، بحسب ما يقول سياسي مطلع على جانب من خلفيات وخفايا الأمور، وحتى مع فرضية ان ما قاله رئيس الإقليم للعبادي والجبوري والحكيم وعلاوي صحيح، فإن قدرا غير قليل من الغموض يبقى يحيط بمجمل القضية، في ظل تضارب المعلومات والتسريبات.
فهناك من يقول ان بعض الرهائن هم في الاساس من تنظيم داعش، وقد اعتقلوا بسبب اختلافات وخلافات داخلية، وهناك من يقول انهم –اي الرهائن-هم في الواقع كانوا يعملون لصالح الولايات المتحدة الاميركية، سواء كانوا عربا او اكرادا، وهناك من يقول ان جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) كان طرفا مشاركا في العملية، لان بعض الرهائن كانوا يعملون لحسابه.
ولعل النقطة المهمة والجوهرية المرتبطة بكلام البارزاني، هي ان من اطلق سراحهم لم يكونوا هم المقصودين، وان المقصودين –وهم اكراد من الحزب الديمقراطي الكردستاني-ما زالوا في قبضة داعش، اي ان تخليصهم يتطلب القيام بعمليات اخرى مماثلة لعملية انزال الحويجة، وبالتالي ستجد واشنطن الارضيات مهيأة لها للتدخل في العمق وعدم الاهتمام كثيرا بالاعتراضات والتحفظات.
ولعل الحقائق التي لا بد من الوقوف عندها ولو من بعيد بخصوص عملية انزال الحويجة، هي:
-ان للاكراد اجنداتهم وتحركاتهم الخاصة، ولديهم تنسيقا وتواصلا وتعاونا مباشرا مع واشنطن، وربما مع عواصم اخرى من بينها تل ابيب، وان تخطيطهم لعملية عسكرية فيها قدر كبير من المجازفة والمغامرة وبدعم واسناد اميركي مباشر، يمكن ان يفهم منه ان الرهائن الاكراد لدى داعش يحظون بأهمية كبيرة، كأشخاص، ومعلومات حساسة بحوزتهم.
-ان الحكومة العراقية الاتحادية تم تجاوزها وتجاهلها، واقصى ما فعله الاكراد والاميركيون هو انهم ابلغوا رئيس الوزراء حيدر العبادي بالعملية قبل ساعة الصفر بقليل، او ربما بعد التنفيذ، والابلاغ لم يكن بهدف التنسيق بقدر ما كان بمثابة اسقاط فرض ليس الا، علما ان العملية تمت في منطقة خارج نطاق حدود اقليم كردستان.
-ان التدخل الاميركي، محكوم بحسابات خاصة جدا، بعيدة كل البعد عن حقيقة الخطر الداعشي على امن العراق وابنائه، والا فإن بإمكان الاميركيين ان ينفذوا عشرات العمليات من هذا القبيل ضد داعش، ويساهموا من خلالها في اضعافه وتحجيمه تمهيدا للقضاء عليه.
-جاءت العملية في وقت حققت قوات الجيش والحشد الشعبي انتصارات كبيرة ومهمة على تنظيم داعش في قضاء بيجي ومناطق اخرى من محافظة صلاح الدين، وايضا جاءت في ظل تصاعد الدور والحضور الروسي في سوريا وارتفاع الاصوات المطالبة بدور وحضور مماثل في العراق، وهو ما يمكن ان يفسر على انه محاولة لصرف الانظار ولو قليلا عما تقوم به موسكو، واذا صحت تلك الفرضية، فإن المحاولة على ما يبدو لم تكن موفقة، لان مجمل نتائجها ومعطياتها كانت عكسية بالنسبة لواشنطن، ناهيك عن كونها اثبتت ضعف المنظومة الاستخباراتية الكردية، وعدم دقة مدخلاتها المعلوماتية، الامر الذي قد يلقي بظلاله على المشهد الكردي ليزيده تأزما وارتباكا واضطرابا.