لماذا لا يستهدف “داعش” الإرهابي سوى مساجد الشيعة في السعودية؟
لا ينتابنا أي شك حول سعي تنظيم داعش الإرهابي لتوظيف أي صراع مذهبي في إطار المحافظة على قدراته، وهذا بالفعل ما يسعى إليه هذا التنظيم الإرهابي من خلال إستهدافه لمساجد الشيعة في العديد من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية. إلا أن إقتصار هذا الإستهداف على المساجد الشيعية دون غيرها، يدفعنا للتساؤل حول دقّة الحديث عن غض طرف سعودي عن هذا الإستهداف.
بعد مرور أكثر من شهرين ونصف على آخر إستهداف لمساجد الشيعة في السعودية، عاد تنظيم داعش الإرهابي لإستهداف هذه المساجد من جديد، حيث تبنى التنظيم الإرهابي التفجير الذي استهدف مسجداً في نجران جنوب السعودية والذي أدى إلى مقتل شخصين وجرح ١٩ آخرين. التفجير الإرهابي الذي تسبب به أحد مرتزقة داعش حيث كان يرتدي حزاماً ناسفاً وقد فجر نفسه أثناء خروج المصلين من مسجد المشهد بحي الدحظة بمدينة نجران جنوب السعودية بعد أداء صلاة المغرب، يعيد إلى الأذهان سلسلة الإستهدافات السابقة بحق الشيعة في السعودية بدءاً بمسجد الإمام علي (علیه السلام) في القديح بالقطيف في ٢٢ مايو الماضي، حيث سقط ٢١ شهيداً و٨١ جريحاً، ثم مسجد الإمام الحسين (علیه السلام) بحي العنود بالدمام في ٢٩ مايو الماضي، حيث سقط ٤ شهداء و٤ جرحى. كما أنه في ١٧ يونيو الماضي تبنّى التنظيم الإرهابي سلسلة من التفجيرات ضد مساجد للشيعة في صنعاء أسفرت عن إستشهاد ٣١ وإصابة العشرات، ومؤخراً تسلل أحد إنتحاريي التنظيم الإرهابي إلى مسجد الإمام الصادق بالكويت والناس في صلاتهم، واليوم كذلك الأمر في نجران.
تهديدات داعش الإرهابي
قد يرى البعض أن أفعال تنظيم داعش الإرهابي تأتي تصديقاً لتهديداته بإستهداف "الشیعة” في المنطقة، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم على السلطات السعودية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يقوم التنظيم بالضربات نفسها ضد الحكومة السعودية و”آل سعود” الذين يصفهم بآل سلول؟ لماذا أمسكت الرياض بالعديد من الشبكات الإرهابية التي تنشط على الإراضي السعودية، في حين أنها تغيب عندما يختص الأمر بإستهداف الشيعة أو مساجدهم؟
إن هذه التعارضات الحاصلة تدفعنا للتساؤل عن حقيقة وجود تواطئ، أو غض طرف على الأقل، من قبل السلطات السعودية تجاه إستهداف الشيعة، وهنا لا بد من الإشارة إلى التالي:
أولاً: ترى الرياض أن إستهداف الشيعة من قبل الجماعات التكفيرية يصب في صالحها، حيث تسعى من خلال هذه الإستهدافات لإجبار شيعة المملكة على إختيار أحد سبيلين لا ثالث لهما، إما التعرض للهجوم من قبل التنظيم الإرهابي في حين أرادوا القيام بأي خطوات تتعارض وسياسة الرياض، وإما الخضوع الكامل لحكم السلطات السعودية التي لا تتعرض لهم من الناحية الأمنية، بل تتوعد بحمايتهم مراراً وتكراراً. رسالة الرياض في هذا السياق يمكن تلخيصها بالعبارة التالي: لا يمكنكم العيش في بحر من الوهابيين والتكفيريين اذا فكرتم بالخروج على حكمنا.
ثانياً: إن السعودية التي تستفيد من التنظيم الإرهابي على الصعيد الدخلي، تسعى أيضاً لتحقيق الإستفادة نفسها على الصعيد الخارجي. بعبارة آخرى، تدفع هذه التفجيرات التهم الموجهة إلى السعودية في دعم تنظيم داعش الإرهابي على الصعيد الدولي بإعتبارها من أبرز الدول المستهدفة.
ثالثاً: لو فرضنا عدم تورّط الرياض المباشر في التفجيرات الأخيرة، بإعتبار أنها من أبرز المتورطين غير المباشرين في صناعة وظهور الجماعات التكفيرية، يكشف هذا التفجير عن نجاح تنظيم "داعش” في ضرب هيبة السلطات السعودية في المنطقة الجنوبية، وشخص ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، خاصةً أن إستهداف المسجد يأتي بعد أقل من ١٤ يوماً، على استهداف التنظيم لحسينية الحيدرية في مدينة سيهات التابعة لمحافظة القطيف شرقي السعودية . إن التفجيرات الإرهابية تؤكد فشل التدابير الأمنية التي تقوم بها السلطات السعودية، لا بل إن "السم” الذي زرعته طوال السنوات الماضية في العراق وسوريا ومصر، بات اليوم كالوباء الذي يتغلغل في جيوبها.
رابعاً: لا تشهد الساحة السعودية التي تعج بالتصاريح الطائفية ضد الشيعة في المملكة، أي رد فعل قوي على هذه التفجيرات وحتى من الناحية الإعلامية على الأقل. لو أن السعودية تتعاطى على شاكلة الكويت، كما حصل بعد تفجير مسجد الإمام الصادق(ع)، لكان الحال مختلف كثيراً عما هو عليه اليوم.
الوقت