الانتفاضة الثالثة انطلقت : السكين تفضح عجز المستسلمين
سركيس ابو زيد
حفل الإعلام الإسرائيلي مؤخراً بعناوين تحذيرية حول التصعيد الذي تشهده القدس والمدن الفلسطينية، كما واصلت الصحف الإسرائيلية تخصيص صفحاتها الأولى لما وصفته بـ"موجة الإرهاب" و"تسونامي عمليات الطعن بالسكين". معتبرة أن ما يجري هو "انتفاضة ثالثة"، وأن الأمور مرشحة نحو تدهور كبير، لا أحد يعرف كيف ستكون ولا إلى أين ستصل، إذا لم تقدم الحكومة على مبادرة سياسية مناسبة.
"إنها تحدث.....الانتفاضة الثالثة هنا"، هكذا كتب محرر صحيفة "يديعوت أحرنوت" السياسي ناحون بارنياع:" أن ما يحدث هو انتفاضة. هذه هي انتفاضة ثالثة. من المهم أن نسميها باسمها لأن عدم عمل ذلك يسمح للجهازين السياسي والعسكري بالتهرب من المسؤولية. إنها تشبه حاليا في مميزاتها الانتفاضة الأولى التي انطلقت في كانون الأول 1987 ، وخبت شعلتها في أوائل سنوات التسعينات. إنها تحدث، في هذه الأثناء وراء الخط الأخضر في القدس الشرقية والضفة. وبمقياس ما يدل الماضي على المستقبل، فلن يبتعد اليوم الذي ستصل فيه إلى مدن إسرائيل الأخرى، وتتحول من إرهاب سكاكين وحجارة وزجاجات حارقة إلى إرهاب انتحاريين".
يحدث هذا في وقت يواصل الجيش والاستخبارات في إسرائيل نقاشهما في وسائل الإعلام في شأن ما إذا كان العنف الحالي يمكن أن يسمى انتفاضة؟ أو إرهاباً شعبياً؟ أو انتفاضة حجارة؟ الاسم ليس مهماً بل الواقع هو أن الضفة الغربية والقدس تشتعلان وأن الفلسطينيين يسيرون نحو مسار تصادم، وهناك منذ الآن مؤشرات واضحة للانتفاضة... باختصار، الوضع متفجر جداً وكل حادثة مهما كانت هامشية يمكن أن تؤدي الى رد فعل إسرائيلي يجعل الأحداث تخرج عن السيطرة.
انتفاضة السكاكين
قادة المعارضة يحملون نتنياهو المسؤولية بسبب "عجزه عن إدارة الأمور" وعدم تحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني صرحت:" إن سياسة الحكومة تتسبب في عزلتنا في العالم وتخلق انعدام أمل ويأسا". ويرجع محللون سياسيون أن هناك اسبابا أدت الى انفجار الانتفاضة الفلسطينية الشعبية، منها:
-انسداد الأفق مع توقف مفاوضات ومبادرات السلام وانهيار مشروع "حل الدولتين"، وانصراف المجتمع الدولي عن القضية الفلسطينية لمصلحة أزمات المنطقة.
-الإجراءات الإسرائيلية المتخذة في القدس: سحب بطاقات الهوية الإسرائيلية من "المقدسيين" وتحويلهم إلى لاجئين، وحرمان أهالي القدس من حق البناء في أرضهم وتكثيف الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والتمييز العنصري، والأهم من كل ذلك التعدي على المسجد الأقصى من المستوطنين المتطرفين، والدعوات العلنية لإعادة بناء الهيكل في قلب المسجد الأقصى.
-الوضع الاقتصادي - الاجتماعي المزري للشباب الفلسطيني فهناك نسبة عالية من البطالة وعدم وجود فرص عمل وأجواء يأس وإحباط.
من جهة اخرى اعترفت الأذرع الأمنية بشبه استحالة تعقب الأفراد الذين يعدون لهجمات طعن، مكررة أن ما يحصل الآن يختلف تماماً عن الانتفاضتين السابقتين، في غياب قيادة تخطط وتعطي الإشارة للتنفيذ، كما حصل في الماضي.
ورغم اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم وجود علاج سريع لموجة الهجمات الفلسطينية الفردية التي تعرضت إليها إسرائيل في الأيام الأخيرة، إلا أن ذلك لم يعفيه من أن يواجه تهمة التقصير والفشل في ضمان أمن الإسرائيليين، كما في إدارة الصراع مع الفلسطينيين والعلاقة مع السلطة الفلسطينية، يضاف اليها ضغوطات تأتيه من اليمين المتطرف لشن حرب على غزة حيث مركز الإرهاب والتحريض على العنف والقتل. وأصحاب هذه النظرية مثل نتنياهو لا يعترفون بأسباب سياسية واقتصادية ودينية دافعة للانتفاضة ولا يقرون بمسؤولية إسرائيل، وإنما يدرجون ما يجري في إطار موجة الإرهاب التي تجتاح الشرق الأوسط.
نتنياهو المضغوط داخلياً وجد نفسه أيضاً واقعٌ تحت الضغط الخارجي من خلال الولايات المتحدة التي طالبته بوقف التصعيد في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأوفدت وزير خارجيتها جون كيري الى المنطقة لتهدئة الأوضاع وللقاء نتنياهو وعباس. كما أجرت حكومة نتنياهو اتصالات مع الأردن ومصر لإعادة الهدوء للداخل الفلسطيني ولاتخاذ إجراءات سريعة واحتواء الوضع المتفجر، كان أبرزها وقف كل الإجراءات والممارسات في المسجد الأقصى، والعودة الى طاولة المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
هذه التحركات جرت بالتوازي مع تقديم فرنسي لقرار مشروع في مجلس الأمن الدولي في موضوع المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وعلى إثرها توجه نتنياهو بعدة رسائل خلال الأسبوعين الأخيرين إلى الإدارة الأميركية وغيرها من القيادات الغربية يطلب مساعدتهم على لجم هذه المبادرة.
هذا القلق عند الإسرائيليين يتعاظم وهم يرون الأوروبيين يصعّدون ليس فقط اللهجة ، وإنما يقدمون على خطوات ملموسة ضد الاستيطان. بينما تتحسر جهات إسرائيلية مختلفة على فقدان أميركا لقدرتها على التأثير في الموقف الأوروبي .
في وقت صرحت مصادر مقربة من نتنياهو لصحيفة "إسرائيل اليوم عن إمكانية التصعيد الأمني والعسكري إذا استمر الفلسطينيون بانتفاضتهم: "إذا كان الفلسطينيون يريدون انتفاضة ثالثة فسيحصلون على عملية (الدرع الواقية 2). سيكون هناك كثير من الخطوات الميدانية، التي ستضر بالبنية التحتية لحماس". وسيتم تشديد الإجراءات الأمنية ضد الفلسطينيين دون استبعاد "حملة السور الواقي الثانية"، على غرار اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية عام 2002 والتي سميت بـ"السور الواقي". مع احتمال إطلاق اسم "أسوار أورشليم القدس" على العملية الجديدة المحتملة، وقد يتم بموجبها فرض حظر التجوال في الأحياء العربية في القدس، وحرمان العرب من حق العمل في الأحياء اليهودية.
وبالمقابل، ترى مصادر فلسطينية أن الوضع العربي شكل دفعا للفلسطينيين لكي يشعلوا هذه الانتفاضة، مما أفشل فرصة اعتقد نتنياهو أنه قادر على استغلالها في ظل انشغال العرب والمسلمين والعالم بما يحدث في سوريا واليمن.
فـ "انتفاضة السكاكين استطاعت أن " تنشر حالات من الذعر والهلع الذي يصل أحيانا الى حد "الهستيريا" ويتسبب باضطراب في المجتمع الإسرائيلي ودورة الحياة الاقتصادية، وازاء موجة الهلع والخوف التي لم يسبق لها مثيل، لجأت إسرائيل الى إغلاق شوارع كاملة بالمكعبات الإسمنتية الكبيرة وأخضعت السكان لإجراءات مشددة، فيما بدت شوارع يرتادها اليهود شبه فارغة، كما أقدمت السلطات الإسرائيلية على تشجيع الإسرائيليين على اقتناء السلاح الفردي، وأخذ تجار السلاح باستيراد مختلف أنواع السلاح لتلبية الطلب المتزايد وطلب نقلها بالطائرات رغم التكلفة العالية... وبدأت المصارف والمؤسسات والمطاعم والمجمعات التجارية والمدارس باستحداث حراسات خاصة...
ويمكن القول أن أبرز ما حققه الفلسطينيون من وراء هذه الانتفاضة بعد مرور ثلاثة أسابيع على انطلاقتها،، وعنوانها هذه المرة "انتفاضة السكاكين" بعدما كانت في السابق "انتفاضة الحجارة"، أنهم اكتشفوا سلاحا تقليديا فعالا يتيح لهم النيل من أمن الإسرائيليين ومعنوياتهم وتنغيض حياتهم أكثر من سلاح الصواريخ، وربما يتيح لهم أيضا فرض معادلة جديدة على الأرض هي معادلة "توازن الرعب." كما أنها أعادت القضية الفلسطينية الى الضوء وانتشلتها من غياهب النسيان والإهمال بعدما قذفت بها عواصف "الربيع العربي" الى أسفل سلم الأولويات والقضايا، مع أنها القضية المركزية في الشرق الأوسط.
انتفاضة السكاكين انطلقت لكن بعض العرب وبعض الفلسطينيين يعملون على اجهاضها لتبقى مجرد هبة عابرة . السكين والإرادة فضحت تقصير العرب وعجز إسرائيل .