’إسرائيل’ وآل سعود.. ودٌّ ومصالحٌ وعار
ميساء مقدم
أسقطت الأزمة السورية بأعوامها التي تجاوزت الأربعة الكثير من الأقنعة. أمراء النفط العربي اللاهثون وراء سيّدهم الأبيض، الراقصون على دماء العروبة التي تراق في بلاد الشام كانوا أوّل العابثين بالنار. واليوم، تتكشف بالحقائق خيوط المؤامرات وأطرافها. لم تعد التصريحات تطلق خلف الكواليس بل أمام الاعلام. على الملأ تعلن المملكة العربية السعودية وحدة "المسار والمصير” مع كيان العدو الصهيوني فيما يخص مستقبل سوريا، وتحديداً الرئيس بشار الأسد.
ليس التنسيق الاسرائيلي – السعودي في المنطقة بأمر جديد. في العام 1954 وخلال الاجتماع الشهير بين الرئيس الأميركي "فرانكلين ديلانو روزفلت” والملك السعودي "عبد العزيز آل سعود”، حيث عقدت الصفقة الشهيرة "النفط لاميركا والأمن للسعودية”، تقول الوثائق انه في هذا اللقاء طرح روزفلت أمام الملك السعودي نية انشاء كيان صهويني في المنطقة، وضرورة رعاية السعودية له. وقد أوضح مسار التطورات اللاحقة التي شهدتها المنطقة ترابط المصالح الوثيق بين الكيان الصهيوني ومملكة الرمال الى حد أن الباحثين يعتبرون أن أكبر الخدمات التي قدمت لبقاء "اسرائيل” وازدهارها كان مصدرها أنظمة عربية على رأسها نظام آل سعود. هؤلاء حاربوا الفكر والفعل المقاوم وروّجوا للفكر الاستسلامي في المنطقة، واعتبروا القضاء على مشروع الزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر أولوية، (وما قضية تنازل الملك فيصل عن جزر مضيق تيران لاسرائيل وما يتضمنه من ضرب للأمن المصري الا أحد الأدلة الكثيرة على هذا المنحى) وقد عملوا جاهدين لاخراج مصر من الصراع العربي – الاسرائيلي في العام 1978 عندما قاموا بتشجيع انور السادات على توقيع اتفاقية كامب دايفيد. وها هم اليوم يعودون ضمن المخطط نفسه لاخراج سوريا المقاومة والممانعة من خط المواجهة مع "اسرائيل” والداعمة للمقاومات في المنطقة. لكن هذه المرّة بطريقة سافرة بعيدة عن التحفظ.
لم يتردد وزير خارجية آل سعود عادل الجبير من اطلاق سلسلة مواقف تتماهى بشكل كلّي مع المصالح والمواقف الاسرائيلية. موقف لصحيفة "معاريف” يعلن فيه أن القضية الفلسطينية ليست اولوية سعودي، أمام الأزمة السورية، موقف آخر أمام نظير الألماني يقول فيه "يجب العمل وفق مبادئ جنيف 1 بسوريا وانشاء هيئة انتقالية ودستور جديد حيث أن دور الهيئة الانتقالية المرتقبة في سوريا ينتهي برحيل الأسد الذي لا دور له مستقبلا”. هكذا قرر الجبير نيابة عن الشعب السوري مستقبل رئيسه. لا عجب في ذلك، فهذه هي الاستراتيجية السعودية في التعاطي مع شعوب المنطقة، واليمن خير دليل على ذلك. موقف الجبير الذي أطلقه من الرياض لاقى صداه لدى حليفته "تل أبيب”.
فأصدر مركز أبحاث الأمن القومي في "تل أبيب” تقريراً قدّر من خلاله نتيجة التدخل الروسي وسيناريوهاته المتعددة، وموقف "إسرائيل” من كل منها، وخلص الى التوصية بضرورة الانخراط مع الجهات الإقليمية والدولية في السعي نحو إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
الحدّة السعودية والتطابق مع اسرائيل في الموقف من سوريا سبقته حالة مماثلة تجاه ايران توّجها الجبير بقوله أمام نظيره الألماني إن "إيران الآن دولة مقاتلة ودولة محتلة لأرض عربية هي سوريا”، يلاقيه من الجانب الصهيوني التقرير الاسرائيلي عينه، ليعتبر أن "أخطر التحديات في الساحة السورية يتمثل في حزب الله وإيران”، وأن مواجهة هذه التحديات "تعزيز الشراكة الاسرائيلية مع الدول السنية وعلى رأسها السعودية وتركيا، بشراكة وقيادة اميركية”.
الا أن اللافت أن التقرير الإسارائيلي يصف السعودية بالدولة المصابة بـ”الاحباط”، وهو ما يأتي عادة نتيجة لتراكم الفشل والرهانات الخاطئة في المنطقة، وهو حتماً ما ستلاقيه هذه الدولة في تحدياتها أمام محور المقاومة في سوريا.