14 اذار: استراتيجية انتظار عقيمة
جهاد حيدر
أحد أهم العناوين التي وسمت سياسة واداء قوى 14 اذار خلال السنوات الماضية، كان الانتظار ثم الانتظار.. مع كل تقدم تحرزه الجماعات الارهابية والتكفيرية في سوريا، كان يرتفع رصيد رهانات تلك القوى، وبفعل ذلك، كانت تتصلب مواقفها وتسكر بوهم اقتراب النصر في الساحة السورية بما يسمح بفرض صيغة للمعادلة السياسية في لبنان وفق خيارات 14 اذار الاقليمية والدولية.. وتحديدا ما يتعلق بالصراع مع اسرائيل.
على خط موازٍ ومع كل تقدم كان يحرزه الجيش العربي السوري في مواجهة الجماعات التكفيرية، ايضا كانت قوى 14 اذار تتصلب وترفض الدخول في حوار مُنتج بانتظار تبدل المجريات.. لأنها كانت ترى أن أي حوار في ظل رجحان كفة النظام السوري، على المستوى الميداني كان يعني تسليمهم بمعادلة الشراكة الفعلية التي يطرحها حزب الله وشركائه.. والامر نفسه ينسحب على المراوحة الاستراتيجية التي وسمت الساحة السورية لفترات متفاوتة..
الى ما قبل التدخل الروسي، شهدنا في لبنان رهانات اذارية بلغت الذروة، وتحديداً عندما راهنت جهات وشخصيات، على ان المسار النووي لا بد أن ينتهي إما بضربة عسكرية او تراجع واستسلام ايران.. ومع المفاوضات النووية، راهن هؤلاء ايضا على اثمان تقدمها ايران تتصل بالساحة السورية واللبنانية ودعم المقاومة مقابل الحصول على انجازات نووية.. والامر نفسه، ينطبق على ازمة الكيميائي.. والنتيجة كما هي العادة الخيبة تلو الخيبة، يعقبه انتظار تلو انتظار.
14 اذار تنتظر نتائج عاصفة السوخوي
اما الان ومع الحضور العسكري الروسي المباشر على خط الصراع في سوريا، تتجدد المعزوفة الاذارية التي عادت تكابر من جديد ولكن هذه المرة وفق اجتهادات من نوع اخر، تارة يبرز من يقول أو يكتب بأن روسيا اغرقت نفسها في المستنقع السوري، واخر يضع امانيه بصيغة تحليلات وتقديرات بأن الروسي اتى ليعدل موازين القوى لصالح النظام على أن يفرض بعدها صيغة تسوية تستثني الرئيس الاسد.. وبفعل ذلك، تتبع قوى 14 اذار، وتحديدا تيار المستقبل، استراتيجية الانتظار وترحيل قضايا لبنان الى ما بعد اتضاح مفاعيل التدخل العسكري الروسي.
لكن هؤلاء يتجاهلون حقيقة انه عندما كانت الجماعات الارهابية تتقدم، وكانت المفاوضات على اشدها، رفضت كل من ايران وروسيا شرط تنحي الاسد . فلماذا يتم القبول بهذا الشرط بعد تحسن الشروط الميدانية لصالح النظام. اضف انه ما دام هذا هو الافق السياسي للتدخل الروسي فلماذا الاعتراض الخليجي والاميركي والتركي على ذلك، وما دام الروسي قد اتى الى سوريا من اجل يحقق لهم الهدف الذي عجزوا هم عن تحقيقه، لماذا يعترضون ويتوعدون!.
مع ذلك، من الصعب ختم المقالة من دون التطرق الى ما لا يمكن تفسيره إلا بكونه يندرج ضمن إطار الغباء أو التحريف المتعمد بهدف التضليل. وتحديدا ما اعتبره رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل فيه "كيف يتم الجمع بين الممانعة والتنسيق مع اسرائيل لابقاء النظام السوري، فيما هي تنتهك الأقصى وتدوس كرامة فلسطين واهلها والعرب كلهم؟".
رغم المغالطة الصريحة الكامنة في هذه المقولة ينبغي التذكير بحقيقة أن روسيا لا ولم تكن، جزءاً من محور المقاومة في المنطقة، وهي لم تقرر التدخل الجوي في سوريا باعتبارها جزءاً من هذا المحور، بل لتحقيق مصالح روسية، تتقاطع مع محور المقاومة في هذه المرحلة.
لم تكن روسيا برئاسة بوتين، في موقع العداء لاسرائيل، بل ان العلاقات البينية تطورت على اكثر من صعيد سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا.. اضف الى ان الهدف الروسي من التدخل لا يهدف – كهدف روسي – الإضرار باسرائيل.. لكنه على مستوى النتائج المترتبة سوف يؤدي الى تعزيز محور المقاومة في سوريا وهو ما سينعكس قهرا لصالحه في المعادلات القائمة مع اسرائيل.
وعلى ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن أي موقف يصدر عن موسكو ازاء تل ابيب، لا يلزم، ولا يعبر عن توجهات محور المقاومة، وتحديدا ما يتعلق بالتنسيق الامني والياته. مع ذلك مما ينبغي معرفته أن اسرائيل هي التي بادرت الى محاولة بلورة صيغة تنسيق مع الروسي بهدف ضمان حرية جيشها في استهداف نقاط الجيش السوري الى جانب الجولان، او اهداف تابعة لحزب الله. وفي ضوء ذلك فان المقصود بالتنسيق الامني هو ضمان عدم اصطدام اسرائيل بسلاح الجو الروسي لدى استهداف الاسرائيلي لحزب الله والجيش السوري..
وعلى ذلك، أين هي دعوى الجمع بين الممانعة والتنسيق مع العدو ... حقا إن لم تستحِ فقل ما شئت..