“داعش”: أرقام خطيرة... وما خفي أعظم!
عادل الجبوري
تختلف المعلومات والروايات والارقام عن هوية تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، وتختلف كذلك بشأن مصادر تمويله، وسر تمدده وانتشاره الدراماتيكي السريع؟..
قد لا تتوافر معلومات ومعطيات واضحة ودقيقة بما فيه الكفاية، بيد ان احداث الاسابيع القلائل الماضية في العراق، اتاحت للاجهزة الامنية العراقية، وجهات اخرى وضع اليد على وثائق، ان لم تؤكد وتثبت نوعا من الحقائق حول تنظيم داعش، فإنها يمكن ان ترسم صورة اجمالية له.
أرقام لها دلالات
تؤكد تقارير لمصادر امنية واستخباراتية عراقية، ان ما تم الحصول عليه من معلومات، من اوكار ومخابئ الارهابيين بعد فرارهم منها، او من خلال ما ادلى به ارهابيون تم اسرهم، ان اغلب الارهابيين في تنظيم داعش يحملون جنسيات تونسية ومغربية وسعودية، الى جانب افغان وشيشان ويمنيين وصوماليين وجزائريين، فضلاً عن العشرات ممن يحملون جنسيات دول اوروبية مثل بريطانيا وفرنسان وبلجيكا، وجنسيات دول اخرى مثل استراليا، وقد اعترفت السلطات الرسمية في تلك الدول بذهاب عدد من مواطنيها الى سوريا والعراق للقتال تحت راية تنظيم داعش وتنظيمات ارهابية اخرى.
وتشير تلك التقارير الى ان البعض من ارهابيي داعش تسربوا من سوريا الى العراق بفعل الضربات القوية التي تعرض لها التنظيم من قبل الجيش السوري، والبعض الاخر جاؤوا اما عبر الحدود العراقية مع السعودية والاردن بطرق غير مشروعة، او بوثائق سفر مزورة، أو بمساعدة اجهزة مخابرات دول اقليمية ابرزها اجهزة المخابرات السعودية والتركية والقطرية.
المعلومات الاستخباراتية تؤكد ان من بين الذين لقوا حتفهم بعد اسبوعين من اندلاع المعارك في محافظة نينوى ومحافظات ومدن عراقية اخرى، مئتين وخمسين ارهابيا يعدون من القادة العسكريين والمسؤولين في تنظيم داعش بمستوى معين، سبعة وستون منهم يحملون الجنسية التونسية، وثمانية واربعون يحملون الجنسية السعودية، وسبعة وثلاثون من المغرب، وتسعة وثلاثون من الجزائر، وثلاثة وثلاثون من الشيشان ودول اخرى من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والبقية من الصومال وسوريا واليمن ودول اخرى.
ويبدو ان التضليل والخداع الذي تمارسه الكثير من الاوساط والمحافل السياسية والمؤسسات الدينية، ووسائل الاعلام الخارجية، هو الذي يدفع العشرات من الاشخاص للمجيء الى العراق-كما الى سوريا- بطرق مختلفة والتورط بعملية ارهابية لا تمت بصلة للقيم الدينية والاخلاقية والانسانية السليمة.
ومحور عمليات التضليل يقوم على حقيقة زائفة تتمثل في "ان الشيعة الذين يتحكمون بالسلطة يمارسون القمع والتنكيل والاستبداد والظلم ضد السنة، لذا فالواجب على ابناء السنة في كل مكان الوقوف الى جانب اخوانهم في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين، وقتل كل شيعي واستباحة اعراضهم وممتلكاتهم وتدنيس مقدساتهم والتعدي على رموزهم”.
ولعل ما حصل ويحصل من جرائم بشعة تثبت حقيقة وطبيعة النهج الارهابي الدموي لتنظيم داعش ومن يسانده ويدعمه ويقف خلفه، مع التأكيد والتذكير بأن تلك الجرائم لم تستهدف اتباع المذهب الشيعي فحسب، بل انها طالت الكثير من ابناء المكون السني، الذين تصفهم ادبيات الجماعات الارهابية بـ”المرتدين”، وابناء الاقليات الاخرى مثل المسيحيين والشبك والايزيديين، دون ان يستثنى الاكراد والتركمان من ذلك.
مصادر التمويل...
ومثلما يأتي الارهابيون من دول مختلفة وبنسب متفاوتة فان مصادر تمويلهم ودعمهم هي الاخرى تختلف وتتفاوت، ربما بنفس القدر من الدعم والاسناد السياسي والاعلامي والديني.
وتشير التقارير حول هذا الجانب الى ثلاثة مصادر للحصول على الاموال التي تتيح لتنظيم داعش التحرك والتمدد بطريقة اخطبوطية:
-المصدر الاول: عمليات السلب والنهب والاتاوات، اذ انه من المعروف ان الجماعات الارهابية في محافظة نينوى ومناطق اخرى تتواجد فيها، تفرض منذ فترة غير قصيرة اتاوات مالية على التجار واصحاب المحلات والحرف المختلفة، ومن يرفض الدفع يتعرض لاجراءات قمعية قاسية.
وفي الاونة الاخيرة، وبعد هيمنة تنظيم داعش على نينوى فانه قام بنهب اموال طائلة من المصارف والمؤسسات الحكومية المختلفة، اضافة الى الاسلحة والممتلكات الاخرى.
إرهابيو "داعش”
-المصدر الثاني: الدعم الخارجي من بعض الدول وفي مقدمتها السعودية وقطر، وهذا الامر لم يعد خافيا على الكثيرين.
فمحطة (CNN) الاميركية تناولت في تقرير مفصل لها قبل عدة ايام الدعم القطري الهائل الذي يقدر بملايين الدولارات للجماعات الارهابية في سوريا والعراق ولبنان واماكن اخرى. وتبنيها الجماعات الارهابية سياسيا واعلاميا، وتوسطها لدى الولايات المتحدة ودول اخرى لابرام صفقات يتم بموجبها اطلاق سراح سجناء ارهابيين بعضهم من حركة طالبان الافغانية، وبعضهم ينتمون الى تنظيمات ارهابية ممثلة اخرى.
وفي نفس السياق يورد تقرير اميركي مفصل اسماء مئة واحدى وثلاثين شخصية سياسية واكاديمية ودينية واقتصادية من دول مختلفة بينها السعودية والامارات وقطر والبحرين وتركيا، توفر الدعم السياسي والاعلامي والمالي والديني لتنظيم داعش الارهابي في العراق، ويتحدث التقرير عن ميزانية داعش الهائلة التي تتجاوز مليار ونصف المليار دولار، ويلاحظ ان للسعودية حصة الاسد من قائمة الاسماء المئة والواحد والثلاثين.
اضف الى ذلك فإن هناك وثائق تداولتها بعض وسائل الاعلام العراقية مؤخرا تؤكد قيام قطر بتسليح الف وثمانمئة ارهابي من دول المغرب العربي وتجهيزهم لارسالهم الى العراق للقتال في صفوف داعش.
وتشير تلك الوثائق الصادرة من السفارة القطرية في العاصمة المغربية طرابلس الى أن السفارة استطاعت تجهيز نحو 1800 متطوع من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا للقتال في العراق في صفوف تنظيم داعش الإرهابي. وحملت الوثيقة توقيع القائم بأعمال السفارة القطرية في المغرب "نايف عبد الله العمادي” الذي أكد فيها أن العناصر المتطوعة أنهت تدريباتها العسكرية والقتالية والتعامل مع الأسلحة الثقيلة، خصوصاً في معسكرات”الزنتان وبني غازي والزاوية ومصراته” في ليبيا. واقترح القائم بالأعمال القطري في المغرب على حكومة بلاده إرسال هؤلاء الإرهابيين على شكل ثلاث دفعات عبر الموانئ الليبية إلى تركيا ومن ثم الدخول الى العراق عبر اقليم كردستان. لافتا الى أن هذه المجموعات ستكون جاهزة بحلول الأسبوع المقبل، وشدد على ضرورة الإسراع للتنسيق مع الجانب التركي لاستقبال المقاتلين في الميناء المناسب”.
-المصدر الثالث: عمليات الاتجار غير المشروع، وغسيل الاموال بالتعاون مع مؤسسات اقتصادية ومصرفية تعمل وفق اجندات سياسية معينة توجهها مراكز قرار سياسي واجهزة مخابرات.
وبما ان الضخ السياسي والاعلامي والمالي لداعش متواصل من عدة اطراف فإنه من الصعب بمكان اغلاق ملفه وانهاء هذا التنظيم الخطير خلال وقت قصير وبيسر وسهولة. بيد ان توحد الشعب العراقي في موقفه سلب "داعش” الكثير من نقاط قوته، وفضح المساندين له والواقفين خلفه.