جدل في تونس حول مسار العدالة الإنتقالية
روعة قاسم
سعادة الغالبية العظمى من أبناء الشعب التونسي بالتحديد النهائي لمواعيد الإنتخابات لم تكتمل وذلك بعد الإعلان عن تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة التي ستتولى ملف العدالة الإنتقالية. فرئيسة هذه الهيئة، الحقوقية سهام بن سدرين التي كانت من معارضي زين العابدين بن علي ليست محل إجماع من قبل مختلف الفرقاء السياسيين وهو ما سيمس من مصداقية أعمال هذه الهيئة.
وتتهم سهام بن سدرين بقربها من حركة النهضة التي مازالت تتمتع ببعض النفوذ من خلال المجلس التأسيسي الذي يعتبر كثير من التونسيين بأنه من مخلفات المرحلة السابقة ولم يعد يعبر عن التوازنات داخل الساحة السياسية ولا حتى على الوضع الإقليمي. وبالتالي فقد اعتبر البعض منح صلاحية اختيار تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة للمجلس الوطني التأسيسي غلطة من قبل معارضي حركة النهضة في الحكم وقد كان من المفروض أن يكون الأمر من أنظار الحوار الوطني.
إفراغ المؤسسة الأمنية
ويتهم البعض الرئيسة الجديدة لهيئة الحقيقة والكرامة بقيامها في وقت سابق بالضغط على وزير الداخلية الأسبق فرحات الراجحي في حكومة محمد الغنوشي الثانية التي تلت سقوط نظام بن علي، من أجل إقالة عدد من الكوادر الأمنية التي تم تحميلها المسؤولية عن الإستبداد خلال العهد السابق. لكن هذه الإقالات، وبحسب كثير من الخبراء، ساهمت في إضعاف المؤسسة الأمنية التونسية وفي اختراقها من قبل الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية.
فتونس وخلال حقبة الإستبداد كانت عصية على هذه الجماعات التي اخترقت دول المنطقة المجاورة وعجزت عن ولوج الخضراء، وذلك بفعل مؤسسة أمنية قوية كانت تعتمد بالأساس على الأمن الوقائي والإستخباراتي الذي يسعى إلى وأد الأخطار في المهد وقبل وقوعها. لكن إقالة هذه الكوادر واستبدالها بأخرى، قيل أن بعضها موال للتكفيريين، وحل جهاز أمن الدولة، جعلا تونس مستباحة ممن هب ودب وباتت المؤسسة العسكرية تتحمل أعباء إخفاقات المؤسسة الأمنية وتم إثقال كاهلها بحروب كان بالإمكان تلافيها مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجماعات السائرة على نهجه.
تصفية حسابات
كما يتهم البعض حركة النهضة ومن ورائها المجلس الوطني التأسيسي بتصفية الحساب مع دولة الإستقلال ومؤسسها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من خلال العدالة الإنتقالية. حيث جاء في قانون العدالة الإنتقالية بأن فترة المحاسبة عن الإنتهاكات وعن الفساد والإستبداد تبدأ من تاريخ عودة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى تونس من المنفى قبيل إستقلال تونس، أي أن الجماعة ترغب في محاسبة المرحوم حتى قبل تسلمه للحكم أي في سنوات كفاحه ضد المستعمر، وهو الذي ناضل وأودع بغياهب السجون ونفي من أجل حرية بلاده ونيل سيادتها.
كما أن فترة حكم حركة النهضة خلال السنتين الماضيتين، ورغم ما حصل فيها من انتهاكات، غير معنية بالمحاسبة وتتوقف مرحلة الفساد والإستبداد وفق هذا القانون يوم رحيل بن علي عن تونس أي 14 يناير/ كانون ثاني 2011. وبالتالي فإن جهات حقوقية ومنظمات ومؤرخين يتهمون هذا القانون بأنه صيغ على مقاس حركة النهضة لتزييف التاريخ والإنتقام مع من تختلف معهم الحركة إيديولوجيا. ولعل ما يدعم هذا القول هو تضمن هذا القانون لجرائم لا يعاقب عليها القانون الجزائي التونسي ومن ذلك "تزوير الإنتخابات” وهو ما يتعرض مع مبدأ أنه "لا تجريم ولا عقوبة بدون نص قانوني سابق الوضع.
وبالتالي فإن تحركات ستشهدها الخضراء خلال الأيام القادمة من قبل جهات عديدة لإسقاط هذا القانون ولإعادة النظر في تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة، وبالتالي فإن صيفا ساخنا ينتظر التونسيين شبيها بالصائفة الماضية التي شهدت اغتيالا سياسيا واعتصامات لإسقاط حكومة العريض. كما أن هناك أنباء يتم تداولها من بعض الأمنيين مفادها تلقي المؤسسة الأمنية لمعلومات تفيد بأن الجماعات التكفيرية تخطط لهجوم كبير على تونس خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان وهو ما يتفق مع تحذيرات سابقة أطلقها اللواء الليبي خليفة حفتر مفادها بأن الجماعات التي كانت تقاتله فرت باتجاه الأراضي التونسية.