هل بدأت مناورة استعادة السيطرة على الشمال السوري؟
شارل أبي نادر
كان من الطبيعي ان نشهد مع هذا التسارع الدبلوماسي الروسي في التحضير للتدخل العسكري في سوريا، تسارعاً اعلامياً لشرح اهداف وحدود وآفاق خطوة التدخل هذه، ليترافق وبوتيرة اسرع مع نقل القوى والوحدات والامكانيات والاسلحة الروسية الى الشمال السوري عبر جسرين جوي وبحري ، تكلم الكثيرون عن غرابتهما في السرعة وفي نوع الاسلحة والمعدات.
كانت المؤشرات خلال الاسبوع الماضي من خلال الحملة الجوية الروسية المركّزة والتي اشترك في تنفيذها الطيران السوري (الروسي المنشأ والتسليح، تدل مما لا يقبل الشك أن عملية برية واسعة سوف تنطلق، وان مسرحها سيكون الشمال السوري انطلاقا من مناطق سيطرة الجيش السوري في اللاذقية وتخومها على مداخل سهل الغاب الشمالية والشمالية الشرقية، وفي ريف حماه الشمالي وامتدادا شمال وشمال شرق باتجاه ريف ادلب الجنوبي.
انطلقت هذه الحملة البرية في مرحلتها الاولى بعد أن تم تنفيذ المرحلة التمهيدية الاساسية من خلال قصف جوي مركّز وعنيف طال كافة مراكز السيطرة والقيادة وغرف عمليات المسلحين الارهابيين ومراكز تجمعهم العملانية واللوجستية، وتمحورت مناورتها الظاهرة حول تنفيذ هجومين بريين صاعقين بالتزامن مع بعضهما وذلك على الشكل التالي:
-تنفيذ هجوم بري واسع في شمال وشمال شرق محافظة اللاذقية على محور تل واسط -قرقور، ترافق مع هجوم آخر على محور جورين -جب الاحمر، وقد نجحت الوحدات المهاجمة على المحورين في إحراز تقدم واضح على الارض تمثل عبر محور تل واسط بالسيطرة بالنار على بلدة قرقور الاستراتيجية والتي تعتبر نقطة ارتكاز للمسلحين في شمال غرب سهل الغاب لحماية مدينة جسر الشغور ، وتمثل هذا التقدم ايضا عبر محور جورين بالسيطرة على بلدة البحصة والتي تؤمن حماية مهمة لبلدة السرمانية الحيوية على محور جورين -جسر الشغور، وتم ايضا من خلال هذا التقدم على المحور الاخير السيطرة على احدى التلال الاربع من سلسلة تلال جب الاحمر والمسيطرة على الثلاث الباقية وعلى أغلب محاور وطرق ومواقع المسلحين في شمال وشمال شرق سهل الغاب باتجاه الحدود التركية .
-تنفيذ هجوم بري واسع في ريف حماه الشمالي انطلاقا من بلدة مورك وهي آخر موقع كان يتمركز فيه الجيش السوري على طريق حماه -حلب عبر ريف ادلب الجنوبي ، وذلك على محور شمال غرب باتجاه كفرنبودة حيث تمت السيطرة على الاخيرة مع بعض التلال الحيوية في محيطها ، وعلى محور جنوب غرب عبر بلدة لطمين وباتجاه بلدة اللطامنة والتي تشكل تجمعا قويا للمسلحين الارهابيين ، وتتابع العمليات العسكرية على هذا المحور مع تحقيق تقدم ضاغط باتجاه البلدة الاخيرة، كما تمت السيطرة بالنار على بلدة معان وبعض التلال المحيطة جنوب شرق مورك .
ومن خلال تحليل ميداني وعسكري لاهمية المعركتين اعلاه، في ريف اللاذقية الشمالي والشمالي الشرقي او في ريف حماه الشمالي الشرقي وما يمكن ان يتحقق عبرهما لصالح المعركة الاساس والتي تتمثل باستعادة السيطرة على الشمال السوري كمرحلة اساسية اولى على طريق استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، نستطيع ان نستنتج ما يلي :
-يهدف الهجوم البري اعتبارا من ريف اللاذقية الى استعادة السيطرة على كامل شمال وشمال شرق المحافظة امتدادًا حتى مدينة ومعبر جسر الشغور والفريكة على طريق ادلب وبالتالي يؤمن حماية كاملة للمحافظة وللساحل السوري ومدنه بشكل عام من ضمنها القواعد العسكرية الروسية الجوية والبحرية .
-يهدف الهجوم البري اعتبارا من ريف حماه الشمالي الى استعادة السيطرة على كامل الريف المذكور وتحضير نقطة ارتكاز اساسية سوف تلعب دورا حيويا كقاعدة انطلاق استراتيجية لاستعادة السيطرة على ريف ادلب الجنوبي وامتدادا الى المدينة، وللتقدم البري الواسع شمالا وشمال شرق نحو حلب واريافها لاستعادة السيطرة على المحافظة الشمالية الكبرى بالكامل.
من هنا، تكتسب هذه المعركة المزدوجة في شمال حماه وشمال شرق اللاذقية الاهمية الاستراتيجية والبعد الحيوي ضمن المعركة البرية الكبرى لاستعادة السيطرة على كامل الشمال السوري، والتي بدأت طلائعها تظهر من خلال الحشود العسكرية الكبيرة في اللاذقية وفي حماه المدينة والريف الشمالي، ومن خلال التحضيرات اللوجستية للوحدات البرية والجوية وخصوصا ما يتم تداوله عن اكتمال الجهوزية العملانية والعسكرية للطوافات الاستراتيجية الروسية من انواع مي 24 ومي 29 للتدخل في المعركة والتي يؤشر تدخلّها عادة الى التحضير لعمليات خاصة من إنزالات خلف خطوط العدو ومن تنفيذ اقتحامات عمودية لمراكز امامية عدوة، ومن خلال ظهور مؤشرات حساسة تأكدت من خلال تصريحات الرئيس الروسي بوتين حول الاستعداد الكامل لكافة الوحدات الروسية المناسبة لدعم ومساندة الجيش السوري في هذه العملية.