إيران -السعودية: ماذا بعد اللعب على حافة الهاوية؟
حمزة الخنسا
أضافت كارثة منى، التي أودت بحيات المئات من الحجاج الإيرانيين، سبباً جديداً لزيادة حدّة التوتّر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية. العدد الكبير للضحايا الإيرانيين لم يكن السبب الحصري لغضب طهران على السلطات السعودية. الأداء السعودي الهزيل والمتعجرف، دفع بالعلاقات بين البلدين الى حافة الهاوية. لم تكن الهاوية يوماً أقرب مما هي عليه اليوم.
وقد حذّر آية الله العظمى سماحة الإمام السيّد علي الخامنئي، شخصياً، المملكة من مغبة الاستمرار في الإهمال واللامبالاة. وقال إن المسؤولين السعوديين لايقومون بواجباتهم و"يتخابثون"، محذّراً من أنه "إذا قررت إيران الرّد عليهم فإن أحوالهم تصبح غير محمودة". أفاضت هذه الكارثة، الكأس الممتلئة غضباً وتوتراً بين الطرفين، على خلفية الأزمات التي تشهدها سوريا والعراق واليمن والبحرين.
ردّ الفعل الإيراني الحازم الذي أتى على لسان رأس الهرم في الجمهورية الإسلامية، تبعته ردود أفعال متمِّمة له من مسؤوليين إيرانيين، مدنيين وعسكريين. التصريح الأكثر صرامة بينهم، ورد على لسان مستشار ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري العميد محمد علي آسودي، الذي قال إن "ردّة الفعل العنيفة والقاسية للحرس الثوري على السعودية لها أساليب مختلفة وستكون ضربة سريعة وصاعقة، وأن هذا الردّ سيكون متناسباً مع الأوضاع والظروف السائدة". لامس العميد آسودي في تصريحه هذا، الإجابة على سؤال راود الكثيرين منذ اندلاع الأزمة بين البلدين: كيف سيكون الردّ الإيراني على السعودية؟
اسعودياً، ساد صمت مريب. المسؤولون السعوديون فضّلوا عدم الردّ على التهديدات الإيرانية المتلاحقة. لم تتجاوز الردود السعودية عتبة موقع "تويتر" الشعبي الأول في المملكة. أكثر من ذلك، انقلب التعنّت الذي رافق كارثة منى، الى تجاوب وتسهيل، بعد الإنذار الواضح للسيّد الخامنئي. سُمح لوفود رسمية إيرانية بالدخول الى المملكة لمتابعة الأوضاع عن كثب، وأُفرج عن مئات الجثامين وسُمح بنقلها الى إيران.
تقول مصادر مقرّبة من دوائر القرار في السعودية، إن المملكة لا تسعى الى مواجهة مع إيران على خلفية كارثة منى. في الأصل، تحصر السعودية أسباب الكارثة بـ"القضاء والقدر"، وتنفي أية خلفيات سياسية أو عقائدية وراء الأمر. لكن الأمراء وأصحاب القرار في السعودية، يتشدّدون حيال مسألة "السيادة". هم يعتقدون بأن المسؤولية الشرعية على بلاد الحرمين بما فيها من مقدّسات، تقع على عاتقهم، وبالتالي فإن أية دعوة لإشراك أطراف دولية أخرى في الإشراف على المقدّسات هناك مرفوضة، بل تصل الى حدّ الإهانة وفق ما يعتقد العقل السعودي.
يبرّر السعوديون حجم التخبّط والإرباك الذي وسم تصرّفهم إثر كارثة منى، بالحجم الهائل للخسائر البشرية، فيما كان المسؤولون يتصرّفون تحت تأثير الصدمة. لا ينكر السعوديون التقصير في تنظيم الحج لناحية فشل خطة "قطار منى"، وإنْ كانوا يكابرون في العلن. ثمة في مركز القرار السعودي مَن بدأ يشعر بالإحراج الكبير الذي سبّبته كارثة منى للعائلة السعودية الحاكمة. لكن العائلة الحاكمة التي تستعرض قوتها في اليمن، تشعر بفائض قوة في الحديث عن الاستعداد والجهوزية لردّ الهجمات الإيرانية على البلاد.. إنْ حصلت.
في إيران الوضع مختلف.. لا يأخذ الإيرانيون بالحجج السعودية. سوء الظن بالسعوديين موجود تاريخياً، عزّزه التعجرف والفوقية السعودية الممزوجة بالفشل، وغياب رواية رسمية سعودية واضحة وشفّافة تفسّر ما جرى وأسبابه. بالطبع، لا يُعطي أي من المسؤولين الإيرانيين توضيحات بشأن طبيعة الردّ الإيراني. المهم لديهم أن التحذيرات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم الإمام الخامنئي، حوّلت التهديد الذي تعرّضت له إيران بفعل كارثة منى، الى فرصة متاحة لـ"تهذيب السلوك السعودي".
يرى الإيرانيون أن ما كان يتم غض النظر عنه قبل مرحلة الاتفاق النووي، لا محل له في مرحلة الاعتراف بإيران دولة فاعلة إقليمياً ودولياً. وعلى خلفية التفكير الإيراني، فإن الردّ على السعودية ليس بالضرورة أن يكون عملاً عسكرياً مباشرة ضد الأراضي السعودية. يعتقدون بأن مجال التحرّك ضد "أدوات" السعودية المنتشرين في اليمن والعراق وسوريا، واسع وحيوي.
العقل الإيراني يرى اليوم أن "الجمهورية الإسلامية النووية" مقتدرة، قادرة على إلحاق الضرر بأي جهة تتجاوز الخطوط الحمر الإيرانية، فكيف إذا كانت هذه الجهة غارقة في وحول اليمن ومتراجعة في سوريا وغير قادرة على النجاح حتى في تنظيم مناسك الحج؟