يقظة العالم في مواجهة الإرهاب
د. طراد حمادة
حين دعونا إلى جبهة عالمية لمواجهة الإرهاب التكفيري، استندنا إلى طبيعة هذا الإرهاب، والخطر الذي يشكله على الإنسان والحضارة في هذا العصر، وإلى أن سنخية هذا الإرهاب ليست جبلة معينة واحدة، بقدر ما هي خليط من عناصر الشر وأصنافه، قرعت جرس الإنذار على أبواب العالم وكان لا بدّ من مواجهة هذا التحدي. وعليه، فإننا نكتفي بالإشارة إلى مسألتين تجعلان من المعركة الدولية ضدّ الإرهاب أمراً مشروعاً، حاصلاً على عناصر مشروعيته من طبيعة عدوه وما يمثله من مخاطر على النظام الإنساني العام.
وفيه أن:
-ليس الإرهاب التكفيري صناعة محلية، وطنية أو إقليمية ولا يرتبط نشوءه بنظام سياسي معين، ولا بعقائد دينيّة أو وضعيَّة محددة، بل نجد فيه عناصر تجمعت من انبثاث كثرة الشر في جسم العالم وهذا يعني أن ظاهرته ذات الطابع الشمولي، تكونت من مواد عدّة من أبرزها:
1-الانحراف الفكري عن العقائد الدينيّة المعتبرة، الأمر المشار إليه في مصطلح التكفير، إنه المصطلح المناقض للتفكير. إن عقل العالم يواجه بمحاولة عنيفة لسيطرة الجهل وإقصاء العقل. هذا هو العنوان الموفى لظاهرة التكفير وخطورته إن من يخالفك يموت.
2-ظاهرة العنف، والتي تجمع كل الميول العنفيّة، المغذاة بثقافة العنف ذات البعد العالمي، لا يختص بفعل عنف شعب ولا بلد وإنما هو من المشكلات التي تعصف بالنفس الإنسانية لتجعل منها قوّة مدمرة، تقدم على قتل النفوس الأخرى بدم بارد، لا يمنعها خلق ولا يردها وازع من قوّة أو نظام القتل يصبح غاية النفس المشبعة بالروح العنفيّة، تمارس العنف باعتباره تحققاً لذاتها، وتجد فيه متعة ولذة، نجد أمثلتها في مظاهر القتل البشعة الفردية والجماعية. القتل من أجل القتل، صورة العنف التكفيري.
الارهاب
3-المال عنصر أساسي في لعبة العنف التكفيري، هو في الوقت ذاته وسيلة وغاية يجمع المال لتنظيم العنف والقتل وإقصاء الآخر، وتكفيره، ويكون المال غاية، تعبر عن نفسها بالجشع والارتزاق بعض الإرهابيين من التكفيريين مرتزقة حقيقيين يسعون وراء النهب والسيطرة وجمع الثروات وينظمون من أجل ذلك كل أسباب السلطة.
4-الجنس، هو العنصر الرابع في تغذية الحركات التكفيرية بالعديد البشري، يسعى كثيرون إلى ممارسة حياة جنسية تقوم على عناصر الإغراء والكبت وتعنيف المرأة واستغلالها. يكون بدوره الجنس وسيلة وغاية. يأتي النساء والرجال إلى عالم مشبع في الحياة الدنيا بالزواج من القاصرات وسبي النساء واستعبادهن وفي العالم الآخر بالحور العين الجميلات. عالم تعيش فيه المرأة على هامش الحياة، لأنه عالم يسكنه العنف والقسوة والقتل والتلهي يصبح فيه الرجل، العنصر الأقوى، إنه عالم ذكوري بامتياز وهو من أجل ذلك يجذب الرجال في سن معينة، كما أنه يحمل كثير من الفتيات إلى تجربة هذه الحياة المجنونة..
5-الموت، يملأ حياة هذا العالم، يأخذ أسماء عديدة تجتمع كلها تحت معنى القتل لأن الموت هو أخذ الروح من الجسد وإذا حصل بفعل المتولي يكون قتلاً. فيما لو ذهبت الروح بفساد الحياة عن الجسد يكون موتاً. لا يعرف الإرهابيون الموت الطبيعي الذي تذهب فيه الروح وترجع إلى خالقها بعدما فسد الجسد بشكل طبيعي ولكنهم ينتزعون الروح من الجسد، بالقتل، وهذا هو السلطان القاتل. الحرابة القتلة المفسدون في الأرض، هم الإرهابيون، التكفيريون...
لو نظرنا إلى هذه العناصر الخمسة، الانحراف، العنف، المال، الجنس، القتل لوجدنا أنها مشكلات عالمية بامتياز لا تخص شعب من الشعوب ولا بلداً من البلدان، وليست ابتلاء نظام سياسي واحد وإنما هي موجودة في أعماق الأنظمة السياسية على اختلاف اتجاهاتها، إنها ظاهرة مرضية حقيقية، تصيب بعض النفوس في العالم المعاصر. وتجمع فيما بينها، لتشكل جماعة خطرة على حياة هذا العالم ومستقبله.
-إذا كانت المشكلات واحدة في هذا العالم فإن مواجهة الحلول لها تكون واحدة بدورها. وعليه فإن صناعة الإرهاب عالمية ومواجهة الإرهاب مسؤولية عالمية مشروعة. وهذا مفاد ما ذهبنا إليه من الدعوة إلى جبهة عالمية لمواجهة الإرهاب.
إن دخول دولة كبرى مثل روسيا في الحرب على الإرهاب مسألة مشروعة وتعني فيما تعنيه لأن يقظة العالم تتحصل ولكن بعدما واجهنا بمفردنا ولعدة سنوات إرهاب هذا العالم.