’أحرار الشام’ والهوية الضائعة
محمد محمود مرتضى
تعتبر "احرار الشام” من أقدم الجماعات المسلحة التي عملت في سوريا منذ انطلاق الازمة فيها. حيث أُعلن عن تأسيسها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2011. وبغض النظر عن عدد مسلحيها الذين بلغوا منذ بدء انطلاقتها 25 ألف مسلح، فان وجود هذا العدد بعد أشهر قليلة من انطلاق الازمة (في 18 اذار/ مارس 2011)، يشير بشكل قاطع ان نوايا الاعتراضات كانت تتجه نحو العنف منذ البداية بعيدا عن الحراك السلمي.
وعلى الرغم من أن الحركة وجهت انتقادات متفرقة نحو تنظيم "القاعدة” إلا أنها تحالفت مع "جبهة النصرة” ذراع القاعدة المسلح في سوريا، كما انها انتقدت تنظيم "داعش” ودخلت في قتال معه في اكثر من مناسبة، إلا أن ذلك لم يمنعها من التعامل معه في إدارة المعابر التي كانت تسيطر عليها للحصول على المال، في إدلب، خاصة المشتركة مع تركيا.
حركة "أحرار الشام الإسلامية”، هي إحدى الفصائل العسكرية التي تتبنى "الفكر السلفي” كمرجعية لها، والتي نشأت إبان الازمة السورية عن طريق الاتحاد بين أربعة فصائل إسلامية سورية وهي:كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة. وعلى الرغم من أنها أكدت منذ تأسيسها استقلاليتها وبأنها لا تتبع أي تنظيم آخر من التنظيمات داخل سوريا وخارجها، فان الحركة لم تستطع اخفاء ارتباطاتها الاقليمية المتشعبة بين تركيا وقطر.
أسس الحركة حسان عبود، المُلقب بأبي عبد الله الحموي. وتشكلت في بدايتها من عناصر سلفية كانت تنشط في المجال الدعوي، ونشر الفكر السلفي قبل الازمة. وعرفت الحركة، عند انطلاقها، بعلاقاتها المميزة مع لواء "صقور الشام” الذي يقوده عيسى الشيخ، صديق حسان عبود، كما عُرف عن الحركة احتواؤها لعدد كبير من المسلحين.
عملت "أحرار الشام” على التوسّع تدريجيًّا، ما جعلها تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، إلا أنها ما لبثت ان تراجعت على حساب زيادة نفوذ تنظيم "داعش” في بعض المناطق، لكنها عادت الى الواجهة من جديد بعد التحالف مع قوى مسلحة أخرى، شكلت من خلاله ما عرف باسم "جيش الفتح الاسلامي”.
وعلى الرغم من انكار "أحرار الشام”، لوجودِ مسلحين أجانب في صفوفها، الا أن العديد من التقارير الميدانية أكدت وجود أعداد لا بأس بها في صفوف الحركة. إذ تشير التقارير إلى أن طبيعة الحركة، وانبثاقها من بعض المجتمعات السورية، لا سيما تلك التي تمثل حاضنة للفكر السلفي، جعلتها تحظى بدعم وتمويل عدد كبير من أثريائهم، كما اشتملت الاستراتيجية العسكريّة للحركة على مهاجمة القطع العسكرية الغنية واغتنام أسلحتها مستفيدة من خبرات بعض أعضائها.
كما مثل السطو على أماكن المخصصات المالية وبعض المصارف السورية استراتيجية للحركة استولت من خلالها على بعض مقرّات للبنك المركزي، والذي يقال أنه كان يحتوي لحظة الاستيلاء عليه على ما يتراوح بين 4 و6 مليارات ليرة سورية.
واضافة الى السطو على المصارف، عمدت الحركة على سياسة السيطرة على المعابر الحدودية، كمصدر أساسي من مصادر التمويل. ويضاف الى ذلك التبرعات التي تقدمها لها بعض الهيئات، حيث تشير المصادرُ إلى أن حركة أحرار الشام حظيت بتمويل الهيئة الشعبية الكويتية التي يتزعمها الشيخ الكويتي حجاج العجمي. اضافة الى دعم قطري وتركي كبير في الجوانب العسكرية فضلا عن الحصول على دعم "صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية” وهي منظمة "مجتمعٍ مدنيٍّ” مرتبطة بالحكومة التركية، و”جمعية قطر الخيرية”، وهي منظمة "مجتمعٍ مدنيٍّ” أخرى مرتبطة بالحكومة القطرية.
خاضت الحركة العديد من المعارك العسكرية كالمعركة التي أطلقوا عليها اسم "معركة القادسية الثانية”، والتي استهدفت مطار تفتناز العسكري في 29 آب /أغسطس 2012.
وفي كانون الثاني/ يناير 2013، تمكنت الحركة بمشاركة عناصر من "جبهة النصرة”، ولواء "صقور الشام” من السيطرة على مطار تفتناز العسكري بشكل الكامل.
امتازت حركة احرار الشام بعلاقاتها المميزة مع "النصرة” على الصعيد العسكري، رغم محاولتها الابتعاد عن تنظيم القاعدة والادعاء انها لا تحمل الفكر نفسه، على ان أغلب عملياتها العسكريّة الكبرى جرت بالتنسيق مع الجبهة. وكان أبوعبد الله الحموي (حسان عبود) يرى أن "النصرة” هي ككلِّ المكونات الموجودة في سوريا، يتم تعامل الحركة معها على أساس الهدف المرحلي وهو الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وعلى الرغم من اعلانها ان التعاون مع "النصرة” هو تعاون مرحلي، ورغم وصف منظري الحركة لداعش بانهم "خوارج”/ الا ان الحركة تعلن صراحة تبنيها للفكر السلفي وانها تسعى لاقامة دولة اسلامية، وان اسلوبها للتغيير في سوريا هو السلاح والقوة حصرا ولا تعترف بجدوى التغيير بغير القوة وهو عين ما يتبناه "الفكر السلفي”، وان حاولت فذلكة طرحها عبر التمييز انها حركةٌ إسلاميّةٌ مجاهدة لا حركة جهادية. لكن هذه الفذلكات تتعثر عندما تعتبر الحركة ان مرجعيتها الفكرية تتمثل في شخصيات مثل أبو مصعب السوري، أحد أبرز منظّري وإعلاميّي تنظيم القاعدة، وأبو بصير الطرطوسي، الذي عاد من منفاه في بريطانيا إلى الأراضي السورية وأخذ ينشط في المجال الدعوي، اضافة عن عبد الله عزام. على ان من ابرز ما كشف عن خلفية احرار الشام "القاعدية” هو انضمام ابو خالد السوري اليها. ( والذي قتل بتفجير انتحاري في حلب في شباط/ فبراير 2014).
ورغم التفجير الذي استهدف اجتماعا لمجلس شورى الحركة في بلدة رم حمدان بريف إدلب، في شهر ايلول من العام الماضي والذي ادى الى مقتل معظم قيادات الحركة، من بينهم القائد العام للحركة حسان عبود، فان الحركة استطاعت تجاوز الازمة.
من الواضح ان استراتيجية "احرار الشام” تعتمد بشكل اساس على تقديم نفسها على انها حركة سورية بحتة في محاولة لتسويق نفسها اقليميا، الا ان العارفين بالفكر السلفي يعلمون تماما "حرمة” تقييد اي "حركة اسلامية” بالجغرافيا غير المعترف بها اصلا.
فما بين "القاعدة” و”داعش”، تظهر حركة "احرار الشام” كحاطب ليل يسعى لتحديد هوية ضائعة بين ضرورات الحرب، ومحددات "الفكر السلفي”.