ايران تواجه على جبهة الحرب الناعمة
علي عوباني
لم يعد خافياً ان القيادة الايرانية العليا تتعامل بحذر مع الاتفاق النووي وتبعاته السياسية والاقتصادية، فهي من جهة تضع واشنطن تحت اختبار اثبات صدق نواياها، فلا ثقة يبنى عليها قبل الالتزام الحرفي ببنود الاتفاق ولا بحث في ملفات اخرى قبل اتمام تنفيذه الكامل، ومن جهة اخرى تحذر باستمرار من محاولة الانقلاب على الاتفاق، عبر تحويره، او استغلاله لمآرب وآلاعيب ومؤامرات جديدة. من هنا تحذيرات آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي المستمرة للاميركيين، باننا واعون لمخططاتكم واننا لن نفتح الحدود أمام تطبيع واسع مع الغرب خاصة ان الاتفاق لم يسلك طريقه بعد.
لقد ادركت القيادة الايرانية مبكراً المخطط الاميركي الجديد، حتى قبل الانفتاح الغربي الجامح تجاهها بعد الاتفاق النووي، وايقنت ان فشل اميركا في اختراق بلادها بالقوى الصلبة، الحروب، الضغوطات، والعقوبات، قد يدفعها للجوء الى مؤامرة جديدة، الى القوى الناعمة، ومحاولة استخدام الاتفاق النووي كحصان طروادة للتغلغل الاقتصادي والسياسي والثقافي، من هنا تعاملت القيادة الايرانية بحزم مطلق مع هذا المعطى المبني على تجارب تاريخية مع "الشيطان الاكبر” وبرز ذلك في خطابات الامام الخامنئي في أكثر من محطة مفصلية، حاولت تثبيت الخطوط الحمر، وآخرها خطاب الامام امام قادة وكوادر الحرس الثوري.
في اعتقاد القيادة الايرانية، ان اميركا ما بعد الاتفاق كما قبله، لم تتغير، وانها ستبقى تحيك المؤامرات، كانت الشيطان الاكبر وستبقى، وهو الوصف الذي تكرر على لسان الامام الخامنئي مؤخراً في اكثر من خطاب، برأي طهران ان ما تسعى اميركا اليه اليوم هو استنساخ تجربة "الربيع العربي” في ايران، عبر السعي لتحقيق عدة أمور:
1-محو الهوية الثقافية وتغيير معتقدات الشعب الايراني عبر مسح ذاكرته التاريخية الثورية من قاموسه تمهيداً لخلخلة نظامه
2- السعي لتقزيم دور رجال الدين في ادارة البلد وجعل كلمة القائد غير مسموعة خصوصاً في اوساط الشباب الايراني
3-السعي لقتل الروح الملحمية والثورية لدى الشباب الايراني وجعله لامبالياً وغير مكترثاً بقضايا شعبه
4-إبقاء الاقتصاد ضعيفاً واعاقة اي تقدم لايران يضمن الحفاظ على استقلاليتها وسيادتها الكاملة
5- منع ايران من امتلاك قدرات تسليحية متطورة تجعلها قادرة على الدفاع عن حدودها بمعزل عن اي دور دولي
6-اختراق الساحة الايرانية بفتح السفارات والزيارات والوفود والاستثمارات من قبل الشركات الاوروبية المخترقة اميركياً
يرى الايرانيون ان الادارة الاميركية انتقلت الى الخطة "ب”، في التعامل مع بلادهم، ويبرز ذلك من خلال هجمة ثقافية واقتصادية ودبلوماسية شرسة، ومحاولات لاختراق الطوق المجتمعي الحديدي في ايران، والتأثير على قيمه، من خلال نشر القيم الغربية والفساد الاخلاقي بشتى اشكاله، وتمهيد الارضية لمحاولة التغلغل ومن ثم التوغل في المجتمع لشق صفه واحداث الشرخ بين ابنائه، وصدم فئاته ببعضها، لتفجيره من الداخل بعدما فشلت كل الآلاعيب من الخارج في تفتيت عضده، او توهينه، لامتلاكه مناعة صلبة مبنية على اسس ثورية اسلامية عميقة، متجذرة في الكيان والهوية والتاريخ، ومتأصلة في الاجنة، وعزم وزخم شبابه، وعراقة كهوله. وتتمظهر الهجمة الجديدة بعدة اوجه:
1-تعديل اللهجة تجاه طهران ومحاولة اظهار الطبقة السياسية فيها بانها منقسمة بين محافظين واصلاحيين
2-انفتاح لامحدود للاستثمار الغربي في السوق الايرانية
3-فتح السفارات واعادة التبادل الدبلوماسي
4-تسليط من اكثر 25 قناة فضائية مدبلجة باللغة الفارسية موجهة للشعب الايراني
من هنا، دأب السيد الخامنئي على التحذير في خطبه الاخيرة من مخطط اميركي جديد يندرج في سياق الحرب الناعمة وفحواه محاولة تغلغل الغرب سياسياً وثقافيا في ايران عبر الاستفادة من الاجواء التي اوجدها الاتفاق النووي، وذلك بعد فشل كل الضغوطات والعقوبات والمحاولات الاميركية السابقة في زحزحة ايران عن مواقفها الداعمة للمقاومة.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، انما رسم الامام في خطبه الاخيرة معالم مجابهة الاعداء على هذه الجبهة وسبل تحصين الساحة الايرانية الداخلية منعاً لولوج الشيطان من الشباك بعدما اخرجه الشعب من الباب. ففي خطبته الاخيرة امام قادة وكوادر الحرس الثوري قالها الامام بصراحة ان "امل العدو الخاوي بوصول الثورة الى نهايتها، دفعه للتفكير بالتغلغل السياسي– الثقافي في ايران”. وأضاف سماحته:”النفوذ الاقتصادي والأمني خطير، لكن النفوذ السياسي والثقافي للعدو خطر أكبر بكثير وينبغي الحذر منه”. وتحدث سماحته عن محاولة النفوذ إلى مراكز اتخاذ القرار، وإلى مراكز صناعة القرار لتغيير التوجهات والقرارات والممارسات الايرانية بما يتناسب مع مصاالح الغرب.
اما طريق مواجهة مثل هذا النفوذ، التي ظهرت معالمها في اكثر من خطبة للامام فهي :
1- التسلح بمنطق الثورة القوي عن طريق رفع قدرة الإقناع والمنطق والبيان بشأن الثورة الإسلامية
2-ايضاح خلفية العداء الاميركي اللامتناهي لايران وان سببه خسران مصالحها في هذا البلد
3-ان السبيل الوحيد لنهاية مؤامرات الأمريكان اقتدار الإيرانيين الوطني وان ركائز هذا الاقتدار تتحقق عبر الصمود، و”الاقتصاد القوي المقاوم” و”العلم المتقدم باطراد” و”تعزيز وترسيخ الروح الثورية، خصوصاً لدى الشباب، والتحرك المستمر نحو تحقيق الاهداف الرسالية.
وفي لقاء لسماحته مع رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للأجواء الإفتراضية، لفت الى التأثير الواسع للأجواء الافتراضية باعتبارها قوة ناعمة متميزة في مختلف الصعد، وشدد على ضرورة التخطيط المناسب والدقيق لصيانة الحدود الامنية والفكرية والاخلاقية للمجتمع على هذا الصعيد.
تحذيرات الامام المتكررة تزامنت مع جملة اجراءات اتخذتها القيادة الايرانية عبر مجلس الشورى، سعت من خلالها الى ترتيب البيت الايراني للحد من اندفاعة الغرب وغربلة و”فلترة” الشركات والمستثمرين الغربيين الطامحين لدخول السوق الايرانية. من ضمنها ما اعلنه وزير التجارة والاقتصاد الايراني مؤخرا من انه لن يسمح لجميع الشركات بالدخول الى السوق الايرانية انما سيتم اختيار عدد معين منها بما يحمي السوق الايرانية والصناعات الايرانية من المنافسة على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن اعطاء الاولوية والحصة الاستثمارية الاكبر بعد الاتفاق للشركات الروسية التي وقفت بجانب ايران قبل الاتفاق.