kayhan.ir

رمز الخبر: 26834
تأريخ النشر : 2015September30 - 17:11

كلمة الحق التي..!

نبيل نايلي

"استمرار الحرب في سوريا، سيؤجّج حروباً أخرى جديدة، سببها رغبة بعض الدول في الحفاظ على نفوذها في سوريا..إنّ هذا الوضع سيحوّها إلى دولة المباني المحترقة والأزقة المهجورة، وسيدفع شعبها للعيش في بلدان أخرى، ويتحدّث أبناؤه لغات غير لغتهم الأم”. باولو سيرجيو بينهيرو.

في خطابه أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أعلن رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو، Paulo Sergio Pinheiro، بخصوص الدول المُورّدة للأسلحة إلى الفصائل المسلحة المعنية "بتحرير” سوريا و”دمقرطتها” من "معتدلين” "مشاريع معتدلين” ممن أسقطوا من لائحات "الإرهاب” متى أريد لهم ذلك، دون أن يجرؤ رئيس اللجنة عن مجرّد ذكرها بالإسم تحديدا، وهي المعلومة للقاصي والداني، بينيرو أعلن أنّ "مسؤولية هذه الجرائم تقع على عاتق الأشخاص الذين يحملون الأسلحة، والذين يُساعدون ويُحرّضون بوضع الأسلحة في أيديهم سواء كانوا عناصر تابعة لدول أو غير ذلك”!

عظيم ..ثم ماذا يا رئيس لجنة التحقيق الدولية "المستقلة”؟ أم هو مجرّد تصريح لرفع العتب! أ ليس الذي يحصل في أكثر من رقعة شطرنج قرّرت الأمم خوض حروب نفوذها عليها؟ دون أن تتعرّض إحداها لمساءلة أو محاكمة أو مجرّد إدانة، وهي من ساهمت ولا تزال في تأجيج لهب الفتنة وتعمّق الفجوة وتعزّز حالة التشظيّ والتفتيت الممنهجة والمنظمة؟!

يستطرد باولو سيرجيو بينيرو، مصرّحا: "إذا استمرّت الحرب في سوريا في المستقبل القريب، فذلك يعني أنّ الدول سوف تؤجّج حربا للإبقاء على نفوذها على دولة ستكون بالكاد موجودة ". سوف.. تؤجّج؟؟ أ ليس لهيب الحرب مُستعر منذ ما يزيد عن 4 سنوات، بدعم وتمويل وتخطيط وإصرار من هذه الدول التي لم يسمّها السيد بينيرو؟ أما أن الدولة السورية التي ينعاها وينعاها هؤلاء الذين يسعون في خرابها، لا يزال بإمكانها احتمال استمرار مضاعفات استراتيجيات "المآزق المستدامة” وتعاليم "النفور من الجانبين” و”صبر الجنرال دمبسي الإستراتيجي”، طوال هذه السنوات؟ أ ليس "أصدقاء الشعب السوري”، وكلّ هؤلاء الذين يبكونه ويرثونه في منافيه وعلى طريق الإذلال أو الموت، هم ذاتهم من يُهندسون "خرائط الدم” في المنطقة تفتيتا وتشكيلا وتطهيرا على المستويات جميعها، من الإثني إلى الديمغرافي إلى الديني؟ هل كفوّا عن تدريب "المعتدلين” ومدّهم بأفتك الأسلحة الذين يلتحقون بمجرد وصولهم إلى ببقية "المعتدلين السابقين” من نصرة وفتح وغيرها لتدمير سوريا التي "ستكون بالكاد موجودة”، بانتظار مجيء دور هؤلاء الحمقى الذين انطلت عليهم خديعة العراق "المحرّر” وفرية "التدخّل الإنساني” في ليبيا ومزحة "محاربة تنظيم داعش” السمجة في سوريا والعراق، وغض الطرف عنه، إلى حين، في ليبيا ومصر واليمن ولبنان! إذ كان ولا يزال لهم فيه المآرب الأخرى!

سنعيدها ونكرّرها إن مؤتمرات طحن الماء هذه، وكل هذا اللّغو من الحديث عن الإستراتيجيات وعن تعديلها أو استبدالها وهذه التعهّدات التي تتبخّر بمجرّد انتهاء المؤتمر، ليست إلاّ تفعيل وتنفيذ ممنهج لإستراتيجية عرّابها هنري كيسينجر، Henry Kissinger، تقضي بهزيمة الطرفين! إستراتيجية كان قد أوصى بها خيارا أمريكيا أيام الحرب الإيرانيّة العراقيّة! ليست إلاّ تمرينا تطبيقيّا لما يسمّيه المؤلّف العسكري والإستراتيجي، إدوارد لتفاك، Edward N. Luttwak، ب”النّفور من الطرفين” أو”المأزق المستـدام، Prolonged Stalemate”، وعليه فالمبتغى لن يكون إلاّ إدارة الحرب واستطالتها لا حسمها! فالمطلوب هو بالذات ما نصح به بوب كوركر، Bob Corker، السيناتور الجمهوري بألاّ "يهدف إلى تغيير ديناميكيّة الحرب الأهليّة الكبرى”، ما دامت تؤمّن الأغراض جميعها كضرورة استراتيجية بكلّ الوجوه: المشرط المناسب لرسم الخرائط الجديدة والأداة المناسبة لإحداث ما استوجب من دمار لإفشال الدول المحورية وإرهاق الجيوش أو تفكيكها وتنصيب أنفسهم”الإطفائي” لحرائق هم من يشعلها!

ألا تجدر، وقد صرّح بينيرو بالذي صرّح، على علات وهنات التصريحات، مقاضاة هذه الدول وصنّاع قرارها كمجرمي حروب؟ أو في الحد الأدنى منعهم من مواصلة النهج، وقفا لنزيف .. لم يوفر حتى الذاكرة والتاريخ!

أم تراه التصريح الذي يُراد به فقط توجيه أصابع الإتهام فقط وضمنا للعتاد الروسي الذي أربك الحسابات؟ وهذا التدحرج الروسي نحو العسكري والإستخباراتي والعملياتي المباشر من خلال تدفق الأسلحة والجنود والمعدات الروسية الحديثة الى سوريا بهذه الكثافة، فهمّش أدوار "القوى” الإقليمية وأربك الحسابات وقلب طاولات عدة وعصف بسيناريوهات اللاعبين الكبار، وكلاء وأجراء!!

بعد كل ما عانته سوريا طوال هذه السنوات الدامية، وبعد مسالخ حروب الوكالة المتواصل والدمار الممنهج، استفاق محقّقو الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ليخلصوا في تقريرهم إلى "أن الدول لتي تزود الأطراف المتصارعة في سوريا بالسلاح مسؤولة عن انتهاكات حقوق الانسان الخطيرة التي ترتكب في هذا الصراع”! فأي مصداقية لهكذا مؤسسات وهيئات دولية تُصاب بخرس طوال سنوات وسنوات، ثم تفكّ عقدة ألسنتها بقدرة قادر؟!

لقاء القمة الروسي ـ الأميركي المزمع عقده اليوم وسط احتمالات "تفاهمات على الملف السوري والمقايضة مع باقي الملفات الأخرى، أو التصعيد في سوريا وأوكرانيا وجوار روسيا الجغرافي، لا نظنّه حمل تصريحات السيد بينيرو محمل الجد، فرهانات الأمم الكبرى كانت وستظلّ لا تعير مثل هكذا منظمات اهتماما.

وأمة العرب بين كل هذا؟ تنتظر وقد أعادت غزاتها، حاكما أو وصيا أو مرشدا، أو ـ أقله ـ خبيرا يدلهم على الطريق إلى غدهم، أعادتهم "لحمايتها” وهي تنتظر قاصرة فتاوى "قرار الأمم الكبرى في شأن بلادهم ومن يبقى من دولهم "قابل للحياة” ومن صار واجبا تقسيمها، وعلى أية قاعدة، الدين أم الطائفة أم العرق أم المذهب السائد، أم جميعهم..!!

كلاّ ، لا يكفي يا سيد باولو سيرجيو بينيرو، مجرّد التصريح بالقول "إن القوى ذات النفوذ مسؤولة عن التوسّط في مفاوضات سلام”، لأنّ القوى ذات النفوذ التي تعني موغلة، حتى هذه الساعة، في الدم العربي أين وليت وجهتك! والعربي "سورياً بالذات، عراقياً بالاستطراد، يمنياً بالالتحاق، ليبياً بالإصرار”، أضحى نزيل المسالخ المؤمنة أمميا .. من فلسطين إلى العراق إلى لبنان مرورا بمصر وباقي الأواني المستطرقة. مثل هذه الجرائم تماما كجرائم فلسطين والعراق وو التي يُقايضها أصحابها بقسمات ضيزى في المحافل الدولية، لا تسقط بالتقادم لمن أراد من الحقوقيين الشرفاء القبض على جمر السعي إلى مقاضاة الجناة لا تشريفهم في هيئات ومنظمات دولية. فهل يضيع حق ..وراءه مطالب؟!!

يا سادة، حين تُخيّر أمة بأسرها بين الإنتداب أو الفوضى مع وقف التنفيذ، ويصبح الإحتلال مطلباً "ثوريا”، نكون فعلا على حافة الهاوية بلا قرار! شعب يتلظّى ووطن يتشظّى!

أما آن بعد موعد الصحوة من هذا التيه الذي يعصف بنا؟