من الاهرامات الى تدمر: الوهابية الداعشية
محمد محمود مرتضى
بعد أن هدم "داعش” بعض معالم آثار مدينة تدمر التاريخية، أعيد تسليط الأضواء على المنهج الفكري التكفيري لهذا التنظيم؛ فبعيدا عن مشاهد القتل التي تطال البشر أظهرت هذه الجماعات ميولات عنفية تجاه المعالم التاريخية والتراثية، ما يعيد إلى الواجهة البحث عن الأصول الفكرية التي تنطلق منها هذه الفئات. وهي سلوكيات لا تنحصر بـ”داعش” فحسب بل هو منهج يطال فئات عدة وإن حملت تسميات مختلفة.
يعيدنا هذا الامر الى مواقف ليست بعيدة، ففي مصر كانت مصادر أمنية في وزارة الداخلية قد ذكرت إن القيادي مرجان سالم الجوهري، المسجون في سجن العقرب في منطقة سجون طرة، قد لفظ أنفاسه الأخيرة داخل سجنه، يوم الأربعاء في الخامس من آب/ أغسطس الماضي، بعد هبوط مفاجئ في الدورة الدموية. وللتذكير، فإن الجوهري هو أحد المتهمين في القضية التي تحمل رقم 318 المعروفة بـ”تنظيم الجهاد”، حيث ألقت أجهزة الأمن القبض عليه في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2013، عقب فض الاعتصام في ميدان رابعة بتهمة تشكيل تنظيم إرهابي مع نبيل المغربي الذي توفي منذ أشهر قليلة ومحمد الظواهري القيادي، الذين وضعوا في سجن العقرب.
هدم الاثار
ويعرف الجوهري بصاحب فتوى هدم الأهرامات التي أطلقها في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، والتي أثارت جدلاً كبيرًا، وهو الشهير بعبد الحكيم حسان، أبو عمرو، سافر إلى الجزيرة واليمن، وجالس بعض المشايخ هناك، ودرس عليهم بعض الكتب والمسائل، ثم أكمل الطب واشتغل فيها إلى أن قرر الهجرة إلى أفغانستان، حيث شارك في دورات شرعية كانت تقام لخدمة المسلحين وتأهيلهم، وخالط أمثال عبد الله عزام وعبد القادر بن عبد العزيز.
ورغم سفره الى اليمن، إلا أنه عاد إلى أفغانستان مع بداية حكم الطالبان، وبعد أن تنقل بين عدة دول، محاضرا ومدرسا، إلى أن غزت أمريكا أفغانستان .
في نوفمبر 2012، دعا الجوهري إلى تحطيم الأصنام والتماثيل التي تمتلئ بها مصر، حسب قوله، معتبرًا أن المسلمين مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع الحكيم. كما دعا إلى تحطيم تمثال أبو الهول والأهرامات والتماثيل في مصر، ما يعيدنا أيضًا إلى ما حصل في افغانستان قبل ذلك بسنوات، ابان حكم طالبان حيث قامت بتدمير تماثيل في أفغانستان.
كلام الجوهري كان قد أثار كذلك نائب رئيس "حركة النهضة التونسية” الإسلامية انذاك الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي خاطب الجوهري قائلا "من أنتم حتى تقومون بذلك؟ فهل قام عمرو بن العاص بذلك حينما جاء إلى مصر ؟”.
وأضاف مورو: أن "النبي حطم التماثيل في عهده؛ لأنهم كانوا يعبدونها، أما أبو الهول والأهرامات فليس هناك من يعبدها، وبالتالي فأنت مخطئ وفكرك خطأ ومخالف للشرع”.
وموقف الجوهري لم يكن فريدا ايضا فقد دعا الداعية السلفي محمد حسان في وقت سابق إلى "طمس وجوه التماثيل وتغطيتها بالشمع”.
على ان ميول الجوهري التكفيرية ظاهرة للعيان ايضا، ففي أيار/مايو 2013، أقر بالتوقيع على بيان يطالب بـ”الجهاد” ضد حكومات البلاد التي يسيطر عليها الشيعة كإيران وسوريا ولبنان، وتنفيذ عمليات مسلحة ضد هذه الحكومات؛ بحسب قوله. كما وحذَّر من الذهاب إلى الكاتدرائية لتهنئة الأقباط بعيد القيامة؛ لأن هذا يتنافى مع العقيدة الإسلامية.
ولم يسلم الازهر من هجمات الجوهري، فقد وصفه بانه لا يمثل الإسلام في شيء، وان القائمين عليه قاموا بتبديل دين الإسلام منذ 100 سنة.
هذه السياسة المعتمدة من قبل هؤلاء هي السياسة المعتمدة نفسها في المملكة العربية السعودية حيث العقيدة الوهابية، التي لم تترك اثرا اسلاميا فضلا عن غير الاسلامي الا وهدمته، ولم يبق الا اليسير من آثار النبي، التي لم تستطع الوهابية هدمه خوفا من غضب اسلامي عالمي، الا ان ما عجزت عن هدمه تسعى لطمس معالمه، ومنع زيارته ما استطاعت الى ذلك سبيلا. فهل يصح السؤال بعد ذلك من اين تأتي داعش بفتواها في تدمير الاثار؟