فشل أميركي يُمهد لبدائل المراوحة والتقسيم
جهاد حيدر
ليس بالأمر القليل الدلالة أن يعلن قائد القوات الأميركية في الشرق الاوسط، الجنرال لويد اوستن، في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أن "اربعة او خمسة معارضين سوريين” فقط دربتهم الولايات المتحدة وجهزتهم، يقاتلون على الارض في مواجهة داعش. للوهلة الاولى يبدو كما لو أن التقرير مجرد "مزحة” أو خطأ في التعبير، لكن وروده على لسان الجنرال الأميركي، يعكس ويؤكد حجم الفشل الذي واجهته الولايات المتحدة في سوريا، على هذا الصعيد. مع ذلك، ينبغي التمييز بين الفشل كحقيقة فعلية واجهته الولايات المتحدة، وبين الاعلان عن هذه النتيجة وبشكل رسمي. وما ينطوي على كل منهما من ابعاد.
لم تبادر الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار بانشاء قوى "معتدلة” تتحرك حصرا وفق الايقاع الأميركي، إلا بعد مراحل مرت بها التطورات السورية فشلت خلالها كافة الرهانات على اسقاط الرئيس الاسد. ثم وجدت الولايات المتحدة أنها باتت أمام واقع مركب بشكل أساس من قوات الجيش العربي السوري، وحلفائه، ومن داعش والنصرة وملحقاتهما.
في ظل هذه الثنائية الحادة، تتقن الولايات المتحدة استخدام الجماعات التكفيرية كجزء من ادواتها لاسقاط الرئيس الاسد، ومن خلاله محور المقاومة في سوريا وعبرها. مع ذلك، تعمل الولايات المتحدة على أن لا تكون هذه الجماعات هي النظام البديل. وعلى هذه الخلفية عملت الولايات المتحدة على اعداد قوة ثالثة كي تكون الجهة البديلة الحاكمة أو المسيطرة.
ومن أبرز مصاديق الفشل الأميركي أن القوات التي تديرها الولايات المتحدة لم تستطع أن تحجز حيزا جغرافيا سواء على حساب النظام أو الجماعات الارهابية. ينطوي على هذا الفشل الكثير من التفاصيل المعروفة وغير المعروفة... وهو قضية قائمة بذاتها.
ومن أبرز مفاعيل هذا الفشل ان الخيارات الأميركية باتت محدودة ومحددة بين النظام والجماعات الارهابية. اما بخصوص الاعلان الأميركي المباشر والصريح عن هذا الفشل، فهو ليس سوى تهيئة الارضية للخيارات البديلة أياً كانت.
التسليم الأميركي والغربي بفشل محاولة صنع خيار ثالث، يجسد الطموح الأميركي الابتدائي، في ظل الحرص على عدم السماح لأي من المعسكرين المسيطرين تحقيق نصر ساحق يتوجه حاكما على الاراضي السورية. فالمصلحة الأميركية والغربية والإسرائيلية تقتضي بالضرورة عدم اعادة سيطرة النظام على الاراضي السورية لما يترتب على ذلك من نتائج استراتيجية اقليمية تتصل بتعزيز محور المقاومة. كما تقتضي المصالح الأميركية عدم تحول سوريا إلى دولة تحكمها جماعات من الصعب ضبطها وتتحول إلى ساحة وقاعدة خلفية لكافة الجماعات الارهابية في الشرق الاوسط.
وعليه، تتراوح الخيارات البديلة بين: استمرار الصراع والحفاظ على التوازن القائم. أو العمل على تقسيم سوريا بين كيانات سياسية متعددة، في ظل مسعى أميركي لعدم انتصار الدولة السورية ومعها محور المقاومة.
وفيما يتعلق بالسيناريو الاول، وهو القائم حاليًّا. وإن كان يحصل تقدم لهذا الفريق أو ذاك، فهو يجري تحت سقف توازن استراتيجي، دون اسقاط النظام والرئيس الاسد، ودون الحسم العسكري مع الجماعات الارهابية. وتحرص الدول الكبرى والاقليمية على استمرار هذه الحالة بانتظار تبلور ظروف بديلة تسمح لها بتحقيق اهدافها في سوريا وعبرها.
وحول السيناريو الثاني، فما زالت الدول تتجنب الاعلان الرسمي بتبني هذا المخطط. لكن المسار العملي يكشف بأنها تبيت مخططا من هذا النوع يصدر من حين لآخر على لسان مسؤول هنا أو هناك. وبانتظار تبلور الظروف التي تراها الدول التي تتآمر على سوريا والمنطقة.. عادة ما يتم في البداية طرح المشروع نظريا ويتم بحثه والتأصيل له والدفع باتجاه انضاجه.
وضمن هذا الاطار، يأتي ما صدر في مقاربة اوردها الباحثان في معهد ابحاث الامن القومي، غدعون ساعر وغابي سيفوني، وشددا فيها على ان الحل الملائم في سوريا هو تقسيمها. مع الاشارة إلى أن الاول كان المنافس الاول لنتنياهو على قيادة حزب الليكود،.والثاني كان مقربا جدا من رئيس اركان الجيش الإسرائيلي الحالي، غادي ايزنكوت.
ومما ذكره الباحثان في دراستهما، "في ظل هذه الظروف يبدو أن تقسيم سورية إلى عدد من الكيانات السياسية المستقلة على أساس إثني - ديني هو الخطوة المطلوبة والطبيعية التي قد تشكل فرصة لا بأس بها للمساهمة في استقرار الساحة السورية ووقف الحرب المستمرة”. ووصفا هذا الحل على انه يتلاءم مع مصالح أغلبية اللاعبين الدوليين والاقليميين المهتمين باعادة الهدوء إلى سورية ولجم "داعش”. وشدد الباحثان ايضا على أنه بالرغم من أن تقسيم سوريا يتلاءم مع مصالح إسرائيلية، فمن غير الصائب أن تطرح "إسرائيل” الموضوع على المنظومة الدولية.