تحالف “4 + 1” لمواجهة الإرهاب
ابراهيم الأمين
يوم الرابع والعشرين من تموز الفائت، حطت طائرة تجارية تابعة للخطوط الجوية الإيرانية في موسكو. نزل منها ضيف لم يكن في زيارة معلنة. نقلته سيارات خاصة على وجه السرعة إلى مكان مجهول في العاصمة الروسية. وفي اليوم التالي، نقل الضيف إلى مكتب الرئيس فلاديمير بوتين الذي استقبله في حضور وزير دفاعه سيرغي شويغو، أحد كبار المسؤولين الأمنيين الروس.
الضيف كان الجنرال قاسم سليماني، ومنصبه المعلن هو قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. أما بوتين، فكان يستقبل فعلياً، المبعوث العسكري الخاص للمرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي. وهو المسؤول الإيراني الأرفع عن ملفات المنطقة الساخنة، من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن والمغرب العربي.
لم تمض أيام قليلة على الزيارة، حتى أعلنت الولايات المتحدة عنها. لم تتحدث الصحافة العالمية الكثير عن خلفياتها أو أهدافها أو نتائجها. استمر الوضع على ما هو عليه لأسابيع، قبل أن تطلق إسرائيل نفسها، أكبر عملية تسريب إعلامية، عن تحول استراتيجي في الموقف الإقليمي والدولي من الأزمة السورية، أساسه، إرسال قوات خاصة إيرانية وروسية إلى مناطق سيطرة الرئيس بشار الأسد.
القرار والاتفاق
بعد مضي أسابيع على الزيارة والمناورات والتسريبات، تبين أن موسكو كانت قد شهدت تتويجاً لمشاورات واجتماعات سرية شاركت فيها وفود من الأطقم العسكرية الاستراتيجية في روسيا وإيران وسوريا والعراق، قبل أن تصل إلى خلاصة، هي عبارة عن "تحالف جديد” لمواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط. ولاحقاً، كشف مصدر واسع الاطلاع لـ”الأخبار”، أن الحديث هو عن حدث يُعَدّ الأبرز في الإقليم والعالم منذ سنوات عديدة، وعنوانه العملي "تحالف 4 + 1 لمواجهة الإرهاب”.
عملياً، يقول المصدر، إن الاتفاق على بناء التحالف يشمل آليات تنفيذية للتعاون السياسي والاستخباراتي والعسكري الميداني في عدة مناطق من الشرق الأوسط، تشمل بدرجة رئيسية سوريا والعراق. يضيف أن أطراف التحالف هي دول روسيا وإيران وسوريا والعراق، أما الطرف الخامس فهو حزب الله اللبناني. ويشتمل التحالف على مناقشة وإعداد الخطوات العملية لمواجهة الوضع المتفاقم في المنطقة إزاء الحرب القاسية التي تشن على سوريا والعراق من قبل المجموعات التكفيرية التابعة لتنظيم القاعدة بشقيها "داعش” و”النصرة”.
لماذا الآن؟
لم تكن التطورات الجارية على الأرض، كافية لشرح حجم التبدل الاستراتيجي في الموقف الروسي من الأزمة السورية. ظلت موسكو حاضنة للرئيس الأسد، لكنها أبقت جميع الأبواب مفتوحة أمام مستويات مختلفة من التنسيق مع الغرب ودول في المنطقة، بحثاً عن حل سياسي. طال الأمر بعض الوقت، قبل أن تدرك موسكو أن واشنطن وحلفاءها في المنطقة، وخصوصاً تركيا والسعودية، ليست في وارد التقدم خطوات جدية نحو الحل، وأنها تواصل المحاولات لقلب الوقائع الميدانية بحثاً عن مكاسب سياسية كبرى.
بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، كانت موسكو شاهد الإثبات الأول، على عدم شمول الاتفاق أي تفاهمات أو مناقشات حول المواضيع الساخنة في الإقليم. لا بل تأكدت روسيا من أن إيران تواصل العمل وفق خططها السابقة في العراق وسوريا. وتلقت القيادة الروسية تقارير مفصلة عن الأحداث اليومية في سوريا على وجه التحديد، ما كان كافياً لأجل إحداث تغيير جدي في النظرة والتعامل.
منطقي أن يقول البعض إن التفاهم الروسي ــ الإيراني لا يقتصر على هذا الجانب، بل يتعداه إلى تفاهمات على علاقات اقتصادية وتجارية لمرحلة ما بعد رفع العقوبات على إيران، وسط حديث عن ملف الغاز بصورة رئيسية. لكن، يمكن القول، إن ما حسم الموقف الروسي، هو الإهمال الكبير الذي لاقته مبادرة الفرصة الأخيرة الروسية، التي تمثلت في الدعوة إلى تعاون سوري ـ تركي ـ سعودي لمواجهة الإرهاب التكفيري. وبين 17 حزيران و 15 تموز الماضيين، أجرت موسكو تواصلاً مباشراً ومكثفاً مع القيادة السعودية ثم مع دمشق وأنقرة، ولمست روسيا استعداداً سورياً للتعاون، وكانت لقاءات مسؤول الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك مع القيادات السعودية والإماراتية والمصرية، التي انتهت إلى رفض سعودي ــ تركي، والإصرار على معادلة إطاحة الأسد.
إحباط أعداء سوريا
في هذه الأثناء، كان التحالف السعودي ـ التركي ـ القطري ـ الأردني، برعاية أميركية وفرنسية وبريطانية، يجرب حظه مرة أخرى. وأقدم على عمليات عسكرية كبيرة جنوب ووسط وشمال وشرق سوريا بغية تحقيق نجاحات تقود إلى تنازلات سياسية من جانب دمشق وطهران. كانت النتائج الفشل للمرة السابعة جنوب سوريا، قبل تعطيل غرفة "الموك” الموجودة في الأردن، ثم عدم القدرة على أي استثمار سياسي لتقدم الأترك ومجموعات "القاعدة” في مناطق إدلب، ونجاح الجيش السوري في وقف التقدم الذي بدأه تنظيم "داعش” من الناحية الشرقية لخط دمشق مع حمص. وفي كل الحالات، كان محور الإرهاب يحصد الخيبة السياسية، حتى وصل الأمر بالأميركيين إلى حد إعلان العجز عن تحقيق إنجازات كبيرة.
عند هذا الحد، لمس الأميركيون، كما الروس، أن المحاولات الجديدة قد تقود إلى استسهال دعم وصول "داعش” إلى خط حمص ـ دمشق، وفتح الطريق أمام "النصرة” نحو الساحل السوري. وهي خطوة ستكون نتيجتها، لو نجحت، خسارة الغرب والسعودية أي نفوذ أو قدرة على السيطرة على التنظيمات الإرهابية.
لكنها خطوة كانت ستحتم تدخلاً إيرانياً من نوع مختلف جذرياً، وهو ما كان يترافق مع إعلان حزب الله استعداده لإرسال قوات كبيرة إلى سوريا لمنع حصول ما يهدد النظام في دمشق.
عراقياً، لا يبدو الأمر شديد التعقيد كما هي الحال في سوريا. إذ تشكل الوقائع السياسية والميدانية العراقية، مدخلاً أكثر سهولة. إذ لا توجد هناك عملية عزل دولية للنظام الموجود، ويوجد الأميركيون سياسياً وعسكرياً وأمنياً. كذلك، الوجود الإيراني أكثر وضوحاً وكثافة، وهو تعزز في الفترة الأخيرة من خلال دعم مجموعات "الحشد الشعبي”. ولا تجد روسيا هناك حاجة لتدخل خاص ومباشر وكثيف كما هي الحال في سوريا. علماً أن القوات العراقية بدأت تحصل على دعم عسكري روسي خاص، وعلى أسلحة ليست موجودة إلى الآن في سوريا، لجهة سلاح الجو، سواء على صعيد المقاتلات والمروحيات أو القاذفات، وكذلك بالنسبة إلى بعض الذخائر والأسلحة الميدانية النوعية.
لكن البند الأكثر حساسية عراقياً، هو المتعلق بمنظومة المجموعات التكفيرية التي لديها تواصل جغرافي وأمني وسياسي وبشري وعقائدي مع المجموعات التي تقاتل في سوريا. بالإضافة إلى مراقبة التجارب العسكرية القائمة الآن في مواجهة "داعش” عراقياً، والاستفادة منها لأجل خوض معارك خاصة في سوريا.