لماذا لا يلجأ المسلمون الى "دولة الخلافة"؟
جمال كامل
لم يتعرض الاسلام ، ومنذ قرون ، لحملة منظمة تستهدف تشويهه ، واظهاره بمظهر الدين "الدموي” و "المتخلف” و "المتناقض مع الفطرة الانسانية” ، كما يتعرض لها اليوم على يد الصهيونية العالمية ، عبر ادواتها ، من الجماعات الوهابية ، وفي مقدمتها "داعش” والقاعدة وباقي الزمر التكفيرية الاخرى.
صحيح ان الصهيونية العالمية تقف وراء ما يحدث الان في منطقتنا من مآسي وويلات ، الا انها ليست الجهة التي اوجدت الفكر الوهابي التكفيري الطائفي الاقصائي ، فهذا الفكر وليد البيئة النجدية الجدباء ، الا انه تمكن ان يخرج من صحراء نجد بقوة الدولار النفطي ، وينتشر في العالم العربي والاسلامي كالسرطان ، وهذا الخروج كانت تقف وراءه الصهيونية العالمية ، لمعرفتها ان هذا الفكر السقيم والعقيم ، هو السم الزعاف ، الذي يمكن من خلاله شل الجسد الاسلامي واضعافه وحرمانه من اي قدرة على التحرك.
ما كانت المملكة الوهابية ، الوليد المشوه ، ان تكبر وتتحول الى مسخ يفتك بالمسلمين دون رحمة ، لولا مباركة الصهيونية العالمية ، هذه الولادة ورعايتها والسهر عليها ، فكانت اكبر خطرا على الاسلام والمسلمين من الصهيونية العالمية نفسها ، لسبب بسيط ، وهو انها تحمل راية الاسلام كذبا وزورا ، وتكفر الاخرين وتطعن بدينهم واسلامهم ، فكان من الصعب الوقوف على خطرها ، لاسيما في بداية انتشارها ، كما وقف المسلمون على خطر الصهيونية مثلا.
من اكثر المشاهد ايلاما على النفس هي مشاهد الهروب الجماعي للمسلمين في العراق وسوريا ، من الجماعات الوهابية وعلى راسها "داعش” والقاعدة ، والكوارث التي يتعرضون لها في رحلة الهروب ، فهذه المشاهد تاتي لتؤكد الرواية الصهيونية التي تقول : ان "الاسلام دين دموي” و”انه يتعارض مع الفطرة والحياة” ، وهذه الصور والمشاهد خير دليل على ذلك ، فهؤلاء الناس يهربون من "دولة الخلافة الاسلامية” ، و "من الاسلام”.
الشيء الاخر المؤلم في هذه المشاهد ، اصرار الصهيونية العالمية على ايصال رسالة اخرى اكبر خطورة وتاثيرا من الاولى ومضمونها ، ان المسلمين يجازفون بانفسهم ، حتى انهم لا يهابون الغرق في المحيطات ، من اجل الوصول الى "بلاد الكفار” و "المشركين” ، فمن بين الملايين الهاربة ، لم تسجل حالة لجوء واحدة الى مكة والمدينة ، مهد الاسلام والرسالة المحمدية.
كل هذه الفتن والصراعات والدماء والدمار والفوضى ، تعللها الوهابية ، في بداية تاسيس المملكة الوهابية السعودية ، وفي تجلياتها المتأخرة ، كما في "دولة الخلافة الداعشية” الوهابية ، بالعمل ب”السنة النبوية الصحيحة” و "تطهير الاسلام من الشرك والبدع” ، للوصول الى اقامة مجتمع اسلامي "توحيدي خالص” يسوده "الايمان” و "العدل”.
التعليل الوهابي لكل ما يجري في المنطقة الان من مآسي ، يعني ان هذه الكوارث والفوضى والدمار والمذابح والقتل والسبي والهروب الجماعي ، هي نتيجة طبيعية لتطبيق الاسلام "الحقيقي” ، فمن اراد ان يطبق ما جاء في القران والسنة النبوية ، ما عليه الا ان يفعل ما تفعل "داعش” الوهابية ، وليس خافيا مدى الحقد الذي يستبطنه هذا التعليل المبني على الفكر الوهابي ، على الاسلام المحمدي الاصيل ، وعلى التعاليم والقيم السماوية السمحاء للاسلام العظيم الذي جاء به خير البشر محمد بن عبدالله للانسانية جمعاء.
في هذه الايام سمعنا مرارا وتكرارا ، الحديث عن الاسباب التي يفضل فيها المسلمون "الغرب الكافر” على "الشرق المسلم” ، وسمعنا ايضا لماذا تفتح بعض الدول الاوروبية ابوابها امام اللاجئين رغم انه هذه الدول ليست باغنى من السعودية وقطر والامارات وسمعنا وسمعنا ، وكل الذي سمعناه ، كان لاقناعنا ان المسلمين يهربون من اسلامهم.
ما كان بامكان الصهيونية العالمية ان تكتب مثل هذه الرسائل المشوهة لنا وللعالم اجمع ، عبر اللاجئين المسلمين الهائمين على وجوههم في ربوع اوروبا ، لولا الوهابية ، القراءة الشاذة والمنحرفة والمتخلفة للاسلام ، وهي القراءة التي قدمتها السعودية ، بقوة اموالها وبدفع صهيوني واضح ، للعالم ، على انها الاسلام الحقيقي ، وان كل من يعارض هذه القراءة المزيفة للاسلام ، يتهم بالشرك والارتداد والكفر والبدع والاهواء.
اخيرا ورغم كل خبث الصهيونية والوهابية ، سيبقى الاسلام عصيا ، باذن الله ، عن التشويه ، فالشمس لا يمكن ان تحجب بغربال ، والا فالجميع يعلم علم اليقين ان لا "داعش” و "ابو بكر البغدادي” و "الوهابية” تمثل الاسلام ، بل ان الاسلام منهم براء ، وان ما نشهده اليوم من صور الهروب الجماعي ، هي في الحقيقة هروب من "الوهابية” التي نفخ فيها الغرب وضخمها ، وليس من الاسلام ، فاذا كانت "دولة الخلافة الداعشية” هي الاسلام حقا للجأ اليها المسلمون ، وسيأتي اليوم الذي يعيش فيه المسلمون جنبا الى جنب بسلام ووئام في اوطانهم كما كانوا منذ اكثر من 1400 عام ، بعد ان يتخلصوا من الوهابية والصهيونية.