هل يبقى لبنان عصياً على الفاصل الجنوني الصحرواي وتداعياته؟
حمزة الخنسا
منذ أن استعملت السعودية ملف المنطقة العربية الملتبهة، بعد تنحي قطر وأميرها، بسبب الفشل الكبير على الساحة السورية، وهي تحصد الفشل تلو الآخر. لم يستطع بندر بن سلطان، فخر الصناعة السعودية، انتشال المملكة الهرِمة من مستنقع الفشل، رغم إحاطته بهالة برّاقة من الأسطورية. خسر المعركة في سوريا. فشل في إعادة هيكلة الدولة في لبنان وفقاً لرؤيتها. فشل أيضاً في خنق الثورة البحرينية رغم قيادة بلاده قوات "درع الجزيرة" وممارستها القتل بحق الشعب الأعزل هناك.
في المقابل، برز مشهد آخر اعتبره السعوديون مستفزاً حد الحَنَق. تقدّم الحوار الإيراني ـ الأميركي بشكل جدّي حتى تجاوز الملف النووي الإيراني الى البحث في نفوذ إيران ودورها في المنطقة. يتمسّك الأميركيون بالحوار مع إيران، ولا يضعون العودة فيه الى الوراء على جدول أعمالهم. هم قاوموا ضغوطات إسرائيلية وسعودية في سبيل الحوار مع إيران، في حين، حصدت إيران المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية، ومن المنتظر تظهير المزيد من نتائج الحوار تباعاً.
أمام هذا الواقع، لم تجد السعودية سوى الهروب الى الأمام، فضربت في النقطة الأكثر ضعفاً: العراق. في الأساس، أعلنت السعودية رأيها بمسار العملية السياسية في العراق منذ ما قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أعادت رسم خارطة التحالفات هناك لكنها لم تغيّر موازين القوى القائمة.
لبنانياً، كانت أزمة اختيار رئيس جديد للبلاد سبقت تشكيل حكومة تمّام سلام، وألقت بثقلها على مجمل الحركة السياسية فيها. فرض الأمر "تمرير" حكومة جامعة برئاسة سلام، بالشكل الذي أُخرجت فيه. فمَن وافق على صيغة الحكومة "السلامية" وصياغتها كان يعلم مسبقاً أنه ليس بالإمكان التوصّل الى توافق على رئيس للجمهورية في المدى المنظور، من دون بروز ملامح لتوافق إقليمي حول الأزمات الممتدة في المنطقة، والتي يعتبر لبنان جزءاً أساسياً منها. فقد تخطّت قوة حزب الله حدوده من خلال أمرين: الأول قوة الردع في مواجهة إسرائيل، والثاني دور الحزب المستجد في الأزمة السورية، الممتد وفق تطور الأزمات في المنطقة.
من هنا، تقول مصادر سياسية معنية، إنه لا إمكانية لاستغلال الوضع المتأزّم في العراق، للقيام بعمل أمني كبير في لبنان تُصرَف نتائجه في حساب الاستحقاق الرئاسي المتعثّر، وتشدّد على أن الأمن في لبنان مستهدف بخلايا نائمة كثيرة، تتبع تنظيمات أصولية متشدّدة، قد تنجح في إحداث خرق هنا وآخر هناك، لكن تأثيرها سيقتصر على هذا النحو، ولا يُتوقّع لها النجاح في "قلب الطاولة" كما حصل في العراق، فهي تحت النظر والمتابعة.
من هذا المنطلق، تؤكد المصادر على أن المساومة والتنازل في السياسة بعد كل ما صُرف عسكرياً وأمنياً، أمر لم تعد المقاومة وحلفاؤها يعترفون به. أكثر من ذلك، تتساءل عمّا تملكه السعودية من أوراق. تقول إن أقصى ما يمكن للسعوديين فعله تمثّل في إرسال قوة "درع الجزيرة" الى البحرين. هناك، بقيت الثورة مستمرة، ولا يزال البحرينيون ينزلون الى الشوارع والساحات معلنين رفضهم لظلم آل خليفة. إذاً، في الحالة الوحيدة التي تدخّل فيها السعوديون مباشرة، واستخدموا "مفخرتهم"، لم ينجزوا شيئاً.
يبقى للسعوديين عُنصرا قوة آخران: الاقتصاد والحرب الأهلية. في العنصر الأول يلعب البترول والمال دوراً أساسياً في تحقيق الأجندة السعودية في العراق وسوريا ولبنان. لكن، هل يمكن مواجهة العبوة الناسفة أو قذيقة الهاون بالريال السعودي؟ فيما يتعلّق بالعنصر الثاني، فقد خاضت السعودية، بالفعل، حرباً أمنية عبر عصابات مسلّحة في سوريا، لكنها لم تنجح في فرض أجندتها السعودية هناك. لم تنجح في ترجمة طلبها الملحّ، من الرئيس بشّار الأسد، بعدم إجراء الانتخابات، وولم ينجح إغراؤه بإبقاء "شعرة معاوية" مع الخليجيين عبر طرف ثالث. حاولت السعودية، عبر عصاباتها، تخريب الوضع الأمني في لبنان، ولا تزال، لكن مكافحتها تجري على قدم وساق. واليوم، تحاول لعب اللعبة الأمنية والعسكرية نفسها في العراق.
بالنتيجة، يمكن ملاحظة عدم تغيير في الخطة السعودية لتحقيق أهدافها في المنطقة. في المقابل، لا تغيير أيضاً، بل هناك إصرار على مواجهة المغامرات السعودية كما في سوريا ولبنان، كذلك في العراق. تقول المصادر إن هذا ما ننتظر نتائجه في المرحلة الزمنية المقبلة في بغداد ودمشق، وفي بيروت أيضاً حيث سيكون الرئيس السوري بشّار الأسد، ناخباً أساسياً في الاستحقاق الرئاسي.