واشنطن تنقل الفوضى الى أوروبا عبر المهاجرين والإرهاب
سركيس ابو زيد
الخراب والدمار الذي حلّ بالعراق وسوريا وليبيا واليمن، والذي أنتجه الإرهاب المتصهين، دفع بالآلاف إلى النزوح وترك ديارهم باتجاه المجهول. ركبوا موجة الهجرة غير الشرعية التي تزايدت في الفترة الأخيرة طارقة باب أوروبا الغربية، حيث يتأمل سالكو طريقها - حسب ما سمعوه عن الامتيازات للاجئين فيها - الوصول الى جنّة الفردوس المفقودة في بلادهم. لكن أي جنة فردوس يبحثون عنها؟ وهل سيقبل الأوربيون باستقبال اللاجئين الذين تخطوا أرقاماً قياسية للمسموح به على أراضيهم؟ وسط انقسام أوروبا نفسها بين مستقبل ورافضٍ لاستقبالهم. وظهور أصوات يمينية متشددة للحفاظ على القوميات الأوربية من الأغلبية المسلمة المهاجرة إليهم، خشية تنامي الارهاب مع هؤلاء القادمين من الشرق، وسعي الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول تضبط قضية اللجوء ضمن المسموح والمعقول وبما لا يمس قومياتهم وهويتهم الأوروبية.
فمع استمرار الأزمة السورية للعام الخامس على التوالي، يتدفق ألاف السوريين الذين يواصلون البحث عن ملاذات آمنة، مخاطرين بحياتهم وأموالهم عبر اللجوء إلى طرق غير شرعية للهجرة الى أوروبا، يهربون من الموت المباشر في جحيم سوريا المستعرة إلى احتمالات موت لا يُعرف مكانه ولا زمانه. لكنه غالبا في عرض البحر أو مجاهل الغابات، يبتزهم فيها النافذون، ومن بينهم موظفون حكوميون في النهار ، ومهربون في الليل البهيم وصولاً إلى أوروبا، ولكن ليست أوروبا التي يبتغون. إنما دول تبدو كأن مهمتها حجز اللاجئين بعيداً عن الوجهة النهائية المرادة، وهي غالبا شمال أوروبا وتحديداً السويد وألمانيا.
لاجئون سوريون
اوروبا واللاجئون ...قبول ورفض
وقدرت "المنظمة الدولية للهجرة” عدد المهاجرين الذين يصلون الى الشواطئ اليونانية بأكثر من 5 آلاف مهاجر يومياً. وأوضحت في بيان لها أن العدد الأكبر من المهاجرين ھم من السوريين يليهم الأفغان، بالإضافة الى عدد من الجنسيات الأخرى. مما دفع الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى إطلاق مهمة بحرية لمكافحة سفن المهربين ولمواجهة التهريب العشوائي للاجئين. لكن مهمتها انحصرت فقط بأعمال المراقبة وتبادل المعلومات. من دون أن يكون لديها تفويض باعتراض السفن وتدميرها.
ومع انتشار صور مروعة لأطفال غرقى، وسوق اللاجئين كالقطعان لركوب القطارات أو النزول منها و تعرضهم للضرب على أيدي رجال الشرطة، وخصوصاً الشرطة المجرية. دفع هذا الأمر منظمة هيومن رايتس إلى اعتبار ذلك يتخطى الحدود الإنسانية في تعاملها مع اللاجئين :”كالحيوانات والماشية تعامل السلطات المجرية اللاجئين”. لكن هذا لم يمنع سلطات البلاد المجرية من سن قوانين صارمة لمحاربة اللجوء، ومن بين تلك القوانين مواصلة تشييد سياج بارتفاع 4 أمتار على الحدود مع صربيا، وإشراك الجيش في مراقبة الحدود.
وللمرة الأولى في عشر سنوات منذ انضمت عشر من دول أوروبا الوسطى للاتحاد الأوروبي، فتحت الأزمة صدعاً بين الشرق والغرب. فعلى المستوى السياسي حذرت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل من أنه إذا لم يجرِ توزيع عادل للمهاجرين فإن مصير منطقة شنغن سيصير مطروحاً على بساط البحث. لكن محاولاتها باءت بالفشل في إقناع زعماء أوروبا بالمشاركة بتحمل عبء استقبال اللاجئين، حيث قوبلت بمزيد من الحذر من حلفاء مثل فرنسا وبالرفض المباشر من دول مثل المجر وبريطانيا. ورفضت معظم الدول قبول حصص من اللاجئين بل إن بعضها استند صراحة لأسباب دينية. الأمر الذي يفرض تساؤلات حول تحول أزمة الهجرة للاجئين الى معادل أخلاقي لأزمة منطقة اليورو.
أما على المستوى الشعبي فقد انقسم الشعب الأوروبي نفسه بين مرحب باللاجئين ورافض له. فقد خرجت في عدة دول أوروبية مظاهرات مرحبة باللاجئين ومنها لندن التي هتف المتظاهرون فيها "كاميرون إلى الخارج واللاجئون إلى الداخل”، كذلك شهدت حوالي 20 مدينة إسبانية، بينها مدريد وبرشلونة وإشبيلية، مظاهرات نظمتها الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني، مرحبة باللاجئين، وداعية الاتحاد الأوروبي والحكومة الإسبانية، لفتح الأبواب أمام اللاجئين، وتظاهرأيضاً حوالي 5 آلاف شخص في العاصمة النمساوية فيينا تضامنا مع اللاجئين، ورفعوا لافتات مكتوب عليها "أهلا بالمسلمين واللاجئين”، و”أزيلوا الحدود”، و”أوقفوا الحروب لا البشر”..
وعلى عكس هذا المشهد سارت في عدة مدن أوروبية، مظاهرات أكبرها كان في مدن بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا، التي تجمع فيها نحو 1500 متظاهر طالبوا بعدم استقبال المهاجرين. جاء ذلك تلبية لنداء حركة مناهضة للإسلام ومدعومة من الحزب الوطني "سلوفاكيتنا”. وقد كتبت في إحدى اللافتات عبارة تقول: نحن ضد أسلمة أوروبا، وسلوفاكيا ليست أفريقيا. بينما جاءت أضخم هذه التظاهرات المعارضة للاجئين في العاصمة البولندية وارسو حيث خرج أكثر من 5 آلاف شخص ورفعوا لافتات تحذر من تنامي الإسلام في أوروبا.
ومما لا شك فيه أن العنصرية والعداء للغرباء ليسا محصورين بأوروبا الشرقية، ففي فرنسا يتواجد أكبر حزب معاد للمهاجرين. و هناك أيضاً تكتل يمتد من بولونيا إلى بلغاريا ضد سياسة الانفتاح على المهاجرين الذين يُنظر اليهم كارهابين يجب إبعادھم.
قدر اللاجئين إلى أوروبا أنھم يحتمون بها في لحظة حرجة جداً من تاريخها. والواضح أيضاً أن قضيتهم صارت أداة سياسية في صراع أكبر بكثير. صراع حول ھوية المشروع الأوروبي:
- فالطرف الأول يريد "أوروبا أكثر”، ويضم الأحزاب التقليدية الكبيرة التي تقود دولاً، على رأسها ألمانيا، وتشكل محركاً أساسياً للمشروع الأوروبي.
- والطرف الثاني يريد "أوروبا أقل” عبر جبهة تضم أحزاب اليمين المتشدد. وسط تصاعد أصوات قلقة من تغيير ديموغرافي محتمل قد تولده هذه الأزمة في القارة العجوز على المدى البعيد، إذ رأى رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان:” أن تدفق اللاجئين إلى أوروبا و معظمهم من المسلمين يهدد الهوية المسيحية للقارة”.
نمط آخر لأجواء القلق والتطرف عكسه الصحفي الشهير روبرت فيسك في "الإندبندنت” الذي تساءل عن سبب حرص المهاجرين على "التوجه إلينا،نحن الكفار، طلبا للمساعدة بدلاً من الذھاب إلى دول الخليج الثرية مثل السعودية. "
وعلى الرغم من انقسام الأوروبيين بين مؤيد ومعارض لقضية اللاجئين، واتخاذ معظم الدول الاوروبية اجراءات احترازية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، إلا أنها لن تبدو فعالة في المدى القريب، وسط احتدام المعارك وتصاعدها في منطقة الشرق الأوسط تبعاً للمتغيرات الاقليمية المتسارعة. واشتداد الازمات الاقتصادية في بعض الدول العربية التي استضافت على أرضها لاجئين وخصوصاً لبنان. مما ينذر بلاجئين جدد على طريق الهجرة غير الشرعية، والوجهة للخلاص هي.....أوروبا.
باختصار الولايات المتحدة تزرع الفوضى الخلاقة في دول " الربيع العربي " كما تنشر الاضطرابات واللااستقرار في دول الجوار " لثوراتها " والان تشجع نقل الفوضى الى أوروبا من خلال تشجيع الصراع على الهويات والحضارات .
للأسف أوروبا تستسلم لقدرها بدلا من دعم سوريا والمقاومة اللذين يقاتلان الإرهاب دفاعا عن أوروبا أيضا . هل تنخرط أوروبا في الجبهة التي دعت اليها ايران وروسيا ام تبقى تابعة لواشنطن التي تنقل اليها الفوضى بدلا من العمل من اجل حلول سياسية جدية وتجفيف مصادر الإرهاب .