إشكالية تقدير نشوب الحرب على لبنان
جهاد حيدر
عُقد في اسرائيل العديد من المؤتمرات تم خلالها مناقشة سيناريو حرب لبنان الثالثة؛ وتم اجراء العديد من المحاكاة على أساس هذا السيناريو؛ وأطلق العديد من القادة العسكريين والسياسيين في تل ابيب، مواقف تهويلية بشن حرب تدميرية على لبنان؛ وكتب الكثير من المعلقين والخبراء مقالات وتحليلات حول القضية نفسها...
توحي هذه المعطيات وغيرها بالكثير، كما لو أن الحرب على لبنان ستندلع ، وكما لو أن نشوبها أمر حتمي.. وما يُعزِّز هذه الانطباعات التقارير عن الاستعدادات التي يجريها الطرفان الاسرائيلي وحزب الله. الاول يجري المناورات تلو الاخرى، والاخير لا يخفي أنه يواصل استعداداته لكن تفاصيلها تبقى سرية كما هو نهج حزب الله..
وينسحب هذا الانطباع على بعض التقارير والتحليلات العربية التي يرى العديد منها ايضا، كما لو أن الحرب على الابواب. في مقابل ذلك، ينبغي التوقف عند بعض الملاحظات والتقديرات ذات الصلة:
- كل تقدير يستبعد أو يرجح، أو حتى يقطع بنشوب الحرب من عدمها، لا بد من أن يكون مشروطا بأفق زمني محدد. ولا يصح الاستبعاد او الترجيح بالمطلق. كأن يتم الحديث عن ارجحية نشوب الحرب بين اسرائيل وحزب الله، ثم تنشب هذه الحرب بعد سنوات. في هذه الحالة قد لا يكون هناك علاقة بين سياقات واسباب نشوبها وتوقيتها، وبين ما انطلق منه التقدير في حينه.
-ليس المقصود بالافق الزمني، تحديد فاصل زمني حاد باليوم والشهر. وانما يكفي في هذا المجال التقدير العام، كأن يكون خلال سنة من الان.. أو خلال اشهر معدودة..
-إن سرعة التغيرات السياسية والميدانية في المنطقة، تصعِّب على أجهزة التقدير والتحليل الركون الى أي نتيجة يتم استخلاصها. وهو أمر أقرت به الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عندما رأت أنه بات من المتعذر اجراء تقدير استخباري سنوي. ونتيجة ذلك بات مفعول الخلاصات التي تتناوله التقديرات ذي صلة لمدة ستة اشهر، فقط. وبحسب رئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية العميد ايلي بن مائير، بات احتمال الوقوع في الخطأ اكثر مما كان في الماضي.
المقاومة في حالة ترصد وتوثب
-المفارقة أن اسرائيل تؤكد مراراً وتكراراً بأنه ليس من مصلحة حزب الله فتح جبهة اضافية مع اسرائيل، في الوقت الذي يخوض معركة وجود ضد الخطر التكفيري. ورغم ذلك، نجد أن الجهات نفسها تتحدث عن حرب لبنان الثالثة والتعامل معها كما لو أنه أمر واقع.
-للوهلة الاولى يبدو كما لو أن هناك تضاربا بين هذين التقديرين. لكن الواقع هو أن اسرائيل ترى في خوض حزب الله معركة وجود، فرصة كامنة يمكن أن تسمح لها بتنفيذ ضربات محدَّدة ضد مكامن القدرات الاستراتيجية لحزب الله، مع ضمان عدم رده بما يتناسب.
-بنظرة خاطفة الى السنوات التي مضت ثبت أن تشخيص الاسرائيلي لهذه الفرصة لم يكن نظريا فقط، بل عمل ايضا على استنفاذها. لكن النتيجة التي اكتشفها أن حزب الله في حالة توثب لمواجهة أي مغامرة اسرائيلية واسعة. الامر الذي أدى الى انكفاء الاسرائيلي حتى الان عن مغامرة بهذا الحجم.
مع ذلك، ترى اسرائيل أن مجمل التطورات الاقليمية، تنطوي، الى جانب التهديدات، على فرص ايضا، وبفعل ذلك، هي دائما في حالة ترصد وتوثب. وفي المقابل، يقف حزب الله ايضا في حالة ترصد وتوثب. يواجه الطرفان، وخاصة الاسرائيلي كونه في موقع المعتدي والمبادر، تحدي التقدير السليم لمعادلة الكلفة والجدوى ازاء أي عدوان تقرره.