kayhan.ir

رمز الخبر: 26113
تأريخ النشر : 2015September16 - 22:01

واشنطن بين التسويات والانخراط المزدوج

ناصر قنديل

-في زمن سابق منذ عقدين ابتكر الأميركيون استراتيجية سياسية عسكرية أسموها الاحتواء المزدوج، وهي تقوم على التعاون مع فريق في مجال ومقاتلته في مجال، والتعاون في جغرافيا ومقاتلته في جغرافيا، وطبّقوها على علاقاتهم مع خصوم يقاتلون خصوماً آخرين. فعل الأميركيون هذا مع تنظيم "القاعدة” فقاتلوه واستعملوه لقتال السوفيات، وفعلوا هذا مع الحكم العراقي السابق والرئيس صدام قاتلوه وشجعوا ودعموا حربه على إيران، وتحوّلت استراتيجية الاحتواء المزدوج إلى أبرز الاستراتيجيات المعتمدة في عالم يشكل فيه الحلفاء الخالصون والأعداء النهائيون أقلّ من النصف، ويتوزع الباقي بين أصدقاء خصوم وخصوم أصدقاء.

-مع تطورات المنطقة وخصوصاً ما يجري في المساحة السورية، يبرز السؤال حول الطريقة التي ستتصرّف من خلالها الإدارة الأميركية بعد انتهاء شهري المرحلة الانتقالية وما تشهده من تحضير لمنصات متعاكسة الاتجاه في رسم التطورات المقبلة، بين التصعيد المفتوح وفتح باب التسويات، فأن تكون الإدارة الأميركية في ضياع استراتيجي انتقالي أمر مفهوم ومؤشراته واضحة، حيث تتفرّغ منذ توقيع التفاهم النووي مع إيران لضمان الفوز بحق الرئيس باراك أوباما بالتنفيذ مهما كان قرار غالبية الكونغرس، ومن ثم ممارسة هذا الحق والمرحلة هذه تمتدّ إلى منتصف تشرين الأول المقبل وتليها مرحلة استكشاف موقع ومكانة تركيا في المرحلة المقبلة بعد الانتخابات النيابية المبكرة، وتبلور نتائجها السياسية والحكومية حتى النصف الثاني من تشرين الثاني المقبل، وفي المقابل خلال هذين الشهرين ستكون المنصات المتعاكسة في المنطقة قد تبلورت قدراتها وملامحها وفرص نجاحها، المنصة التي ترمي روسيا وإيران لتوفيرها بثقليهما، ومقابلها المنصة التي تتهيأ لها السعودية و”إسرائيل” ومن حولهما "الإخوان المسلمون” في قطر وتركيا وتنظيم "القاعدة”، وحصيلة تنافس أصحاب المنصتين على موقع أوروبا وحكوماتها منهما.

-من الواضح أنّ روسيا ترمي بثقلها لتعزيز رسائل عسكرية معززة ومواكبة سياسياً وإعلامياً لمنع أيّ تفكير بالتصعيد ضدّ سورية، وهذا مغزى الإشارة التي ربط بها الرئيس فلاديمير بوتين شحنات السلاح إلى سورية باتفاقيات عام 2010 التي يعلم الجميع أن في صدارتها صواريخ دفاع جوي من طراز "أس أس 300”، ومن ثم الإعلان عن صواريخ دفاع جوي "أس أي 22” المتطورة، بما يوحي أن الرسائل الردعية تستهدف دولاً تملك سلاح جو وهي "إسرائيل” بداية والسعودية التي لا تزال على سقوف عالية في موقفها من سورية في ظلّ الحديث عن تحالف سعودي "إسرائيلي” تتبلور ملامح خططه المستقبلية، وكذلك مناورة الصواريخ التي أعلنت قبرص أنها تبلغت تفاصيلها من القوات الروسية المتواجدة في سورية، رسالة قوة لا تستهدف مجموعات تنظيم "القاعدة” بقدر ما هي رسائل إلى دول مجهّزة بسلاح صواريخ ومدفعية ثقيلة، وبمواكبة هذا قصف إعلامي روسي مركز عنوانه لا حلّ سياسياً من دون الرئيس السوري بشار الأسد، ولا حرب على الإرهاب لا تكون الدولة السورية بمؤسساتها قاعدة الانطلاق لها ومحور التحالفات حولها.

-تضع إيران كلّ قدراتها السياسية والديبلوماسية لفتح الثغرات في جدار التصعيد وتسهيل انخراط المزيد من دول المنطقة والعالم في مساعي حلّ سياسي سوري، يشكل نقطة انطلاق لتراجع الدول القريبة والبعيدة التي تورّطت بمواقف وإجراءات عدائية ضدّ سورية عن هذه الإجراءات بعدما بات الجرح السوري النازف سبباً لأزمات تتخطى أضرارها حدود سورية باعتراف كلّ العالم، وتضع إيران من جهة مقابلة ثقلها المادي البشري والاقتصادي والعسكري لتوصل رسالة إلى المعنيين بأنّ سقوط سورية وإسقاطها ممنوعات وخطوط أمن قومي إيراني، وتتصرف إيران على رغم كلّ ذلك بعد التفاهم النووي كدولة عظمى تتحمّل مسؤولياتها في بناء الاستقرار الإقليمي، وتؤكد انفتاحها على كلّ الأطراف الفاعلة في المنطقة باستثناء "إسرائيل”، ولا تتردّد في منح تركيا والسعودية الفرص المناسبة للنزول عن شجرة التصعيد والحرب وسقوفها العالية.

-فيما تذهب تركيا إلى انتخاباتها التي تبدو نتائجها واضحة مسبقاً بعجز حزب "الإخوان المسلمين” عن رسم السياسة الخارجية التركية وخصوصاً مواصلة سياسة الحرب على سورية، تتهيأ كلّ من السعودية و”إسرائيل” لملاقاة الاستحقاق السوري بالمزيد من القلق والاستعداد لمواجهة من نوع آخر، بدلاً من التأقلم مع المتغيّرات التي افتتح عهدها التفاهم حول الملف النووي الإيراني، فالسعودية المتأرجحة بين السعي للإمساك باليمن، إذا تمكنت من ذلك، وبين الدخول في تسوية لا تتعدّى كونها هدنة طويلة، تضع أولويتها مواصلة الحرب في وجه إيران عبر سورية، وتتحدّث عن التفرّغ لفرض ما تسمّيه عاصفة حزم تستهدفها، وتحشد الجماعات المسلحة من كلّ أنحاء العالم لهذا الغرض، وتعتبر الخروج من الاستحقاق اليمني كلياً عبر خطة السيطرة أو جزئياً عبر مخرج التسوية والهدنة، فرصة للتفرّغ نحو سورية، وتنظر إلى الرسائل الروسية والإيرانية باعتبارها استباقاً لهذا التفرّغ.