ألمانيا.. أُمّ السوريّين الحنون؟!
حمزة الخنسا
منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، لم تبرز أزمة اللجوء السوري الى أوروبا بالشكل الذي برزت فيه في الآونة الأخيرة. استقبلت معظم البلدان العربية أعداداً متزايدة من السوريين الهاربين من جحيم "الثورة"، إلا الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، لم تستقبل موجات من المواطنين السوريين الهاربين من إرهاب "الثوار" المدعومين خليجياً. فجأة اقتحمت المشهد، المزدحم أصلاً بمعاناة السوريين، صورة الطفل إيلان الكردي مرمياً على الشاطئ، مفتتحة باب الهجرة نحو أوروبا، وألمانيا تحديداً.
بعد صورة إيلان، أصبحت رحلة السوريين الهاربين من جحيم "الثورة" في بلادهم، إلى دول الاتحاد الأوروبي الغنية، مرصودة بكاميرات الإعلام وبيانات وزارات خارجية الدول المعنية، على رأسها ألمانيا. صارت المسيرة من اليونان الى مقدونيا فصربيا والمجر وصولاً الى دول الاتحاد الأوروبي، محطّ عناية منظمّات حقوق الإنسان العالمية واهتمامها. والأهم، أن ألمانيا، وخلافاً لرغبة معظم الدول الأوروبية الأخرى، الغنية منها والفقيرة، قرّرت تجميد العمل باتفاقية دبلن التي يُمنع بموجبها لطالبي اللجوء التقدّم بطلب لجوء إلا في دولة واحدة فقط من دول الاتحاد الأوروبي، ما يعني ضمناً، السماح باستيعاب مزيد من اللاجئين، وخاصة السوريون منهم، بغض النظر عن البلد الذي دخلوه أولاً.
انقسام أوروبي: أين دول الخليج؟
عزّزت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، جهود بلادها المبذولة لمحاولة إقناع الأوروبيين تقاسم أعباء اللاجئين المحتشدين في اليونان وهنغاريا وإيطاليا. لكن الجهود الألمانية غير مرحّب بها في دول أوروبا الشرقية، وعلى الخصوص في تلك الدول التي دخلت حديثاً الى "جنّة" الاتحاد الاوروبي، والتي تعتبر نفسها غير معنية بأزمة المهاجرين، لأنها لم تكن سبباً في اندلاع النزاعات التي أدّت الى نشوب هذه الأزمة، خصوصاً في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي تعتبر اليوم المصدّر الأول لأفواج اللاجئين الى أوروبا. ترى هذه الدول، أن على الأطراف الأوروبية الفاعلة على خطّ إشعال أزمات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مثل بريطانيا وفرنسا، وألمانيا بشكل أقل، تحمّل تداعيات تدخّلاتها تلك. تماماً كما أن على الأطراف العربية المتدخّلة تمويلاً وتسليحاً لأطراف النزاع خصوصاً في سوريا، احتضان مواطنيها، بدل إقفال حدودها في وجوههم.
اللاجئون السوريون
محت "الحنيّة" الألمانية المتزايدة تجاه موجات المهاجرين الى أوروبا، قسوة مشاهد مراسلة تلفزيون "ان1تي في" المجري وهي تعرقل بقدمها رجلاً يحمل طفلاً ويركض به محاولاً الفرار من شرطة الحدود، لكنها لم تخفّف من حدّة الانتقادات الأوروبية لألمانيا ومستشارتها، والاتهامات باستغلال المهاجرين لأسباب اقتصادية وبنيوية تتعلّق بمستقبل البلاد الاجتماعي والاقتصادي.
في هذا السياق، وفي أوضح اتهام أوروبي لألمانيا، اتهمت رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني الفرنسي، مارين لوبان، ألمانيا باستغلال اللاجئين و"استعبادهم" من خلال فتح الحدود أمامهم ودخولهم بالآلاف ليكونوا أيدي عاملة رخيصة في بلد يتطلع للاستمرار أن يكون صاحب أكبر اقتصاد في أوروبا. قالت لوبان إن ألمانيا التي تعاني إنكماشاً في نموها السكاني وتتطلع لأيدٍ عاملة رخيصة للاستمرار في ازدهارها الاقتصادي تعيد العبودية من خلال استغلال اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط هرباً من الحروب والاضطهاد.
وبدبلوماسية، شجّع وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، على عدم فتح أبواب أوروبا أمام الهاربين من العنف في سوريا والعراق. علّل الوزير الفرنسي موقفه هذا بـ"حرصه" على إبقاء منطقة الشرق الأوسط منطقة تنوّع طائفي، ولعدم إفراغها من سكّانها ما يشكّل انتصاراً لـ"داعش".
ألمانيا تخشى الشيخوخة!
هذه الاتهامات لم تبقَ يتيمة، فقد نشرت وكالة (RT) الروسية، تقريراً أوضحت فيه أن ألمانيا تعاني فعلاً من أعراض "الشيخوخة"، وهي الأكثر سكاناً في الاتحاد الأوروبي بنحو 82 مليون نسمة. قالت إن السبب الرئيس في استجابة برلين للتعاطف الكبير لدى الألمان تجاه اللاجئين السوريين، يتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات.
كما هو معروف، فإن ألمانيا تمتلك أقوى اقتصاد في أوروبا ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورغ وهولندا. وقد انخفضت النسبة العام الحالي إلى 2.77 مليون عاطل عن العمل، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية إن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى مليون ونصف المليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة، خصوصاً وأن تقارير ألمانية تشير الى أن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة في عام 2013، مرشّح للتراجع إلى 67.6 مليوناً في عام 2020. مع انتشار ظاهرة الإحجام عن الإنجاب في المجتمع الألماني، حيث تفيد التقارير بأن عدد الأطفال الجدد الذي يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنوياً، وفي الوقت نفسه يحال على التقاعد 850 ألف شخص.
إيلان.. توظيف الصورة
بالعودة الى الطفل إيلان، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر الموقع الأول لجثة الطفل إيلان بعدما لفظها البحر على الشواطئ التركية. استقر الجثمان الصغير بين الصخور، ما لبث أن انتشلها عمّال الإنقاذ ووضعاها في موقع ظاهر عند نقطة انسحاب الموج بعد عملية المدّ. ولوحظ أن أحد عمّال الإنقاذ كان يحمل كاميرا لتصوير الجثة، ما يثير التساؤلات حول الهدف من تغيير مكان الجثة، ثم تصويرها ونشرها على نطاق واسع، وحشد التعاطف العارم مع قضية اللجوء، في حين أن الأهداف الإنسانية لا تستلزم حملات دعائية من هذا النوع.
في المحصّلة، دخل المواطن السوري الهارب من نيران "ثورة" مموّلة خليجياً، ومحاطة برعاية أوروبية ـ أميركية سياسياً، في بازار الاستغلال الأممي، بعدما دمّرت لعبة الأمم بلده العريق. غير أن الدولة السورية تشدّد على لسان أكثر من مسؤول فيها على استعدادها استقبال أبنائها في المناطق المحرّرة من الإرهاب داخل حدود الجغرافيا السورية، وبعيداً عن الترهيب والترغيب الأوروبي ـ الأميركي ـ العربي.