kayhan.ir

رمز الخبر: 25844
تأريخ النشر : 2015September12 - 21:08

جون كيري...فوضى الخيارات

د. طارق عبود

غالبًا ما كان تصريح المسؤولين في الإدارات الأميركية مؤشرًا إلى مرحلة جديدة قادمة، أو مناورة كلامية لهدف سياسي. هذا ما فعله وزير الخارجية الأميركي جون كيري بدعوته دول المنطقة إلى الانخراط المباشر في الحرب السورية لمحاربة "داعش"، وذلك في ذروة التعقيد الذي يعيشه المشهد الإقليمي، في ظل تداخل الأزمات وتقاطعها، وكلام كثير يُحكى عن مبادرات روسية وإيرانية لحلّ الأزمة السورية، وعن ارتفاع منسوب الدعم الروسي للدولة السورية، سياسيًا وعسكريًا، والحديث عن بناء أكبر القواعد الروسية في شرق المتوسط، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول الـ 5+1.

إنه "مقتنع" بأنّ دولاً في الشرق الأوسط سترسل "في الوقت المناسب" قوات برية إلى سوريا لقتال تنظيم "داعش"، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيناقش في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية الشهر الجاري. ولكنه جدّد نفيه إمكانية أن تشارك قوات برية أميركية في قتال "داعش" في سوريا.

كيري يدعو ضيوفه إلى منزل جاره

عامٌ ونيِّف مرَّ على إنشاء التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في أعقاب سيطرة التنظيم على محافظة الموصل العراقية، وتمدّده نحو المحافظات الأخرى في حزيران/يونيو من العام 2014، "وإخفاق التحالف" أو تعاميه، للحدّ من "انفلاش" هذا التنظيم على مساحات واسعة من العراق وسوريا ودول المنطقة، ولا سيّما في مصر واليمن وليبيا وتونس وغيرها؛ ها هو وزير الخارجية الأميركي يبشّر العالم بدنو تدخل "جيوش المنطقة" في سوريا لقتال التنظيم على أراضيها.

وبناءً على ذلك، مَن هي الدول التي عناها كيري لتدخل بريًّا الأراضي السورية، وتحت أي عنوان؟

البداية من السعودية ودول الخليج الفارسي.

هل تستجيب السعودية وأتباعها لدعوة كيري، وترسل جنودها لمحاربة "داعش"، وهي التي تعدّ الداعم الأبرز له على الصعيدين المادي والمعنوي، وعلى صعيد المرجعية العقائدية والفقهية التي تربى في أحضانها، على الرغم من نفيها الدائم وادعائها محاربة التنظيم؟

إن سلمنا جدلًا بتلبية المملكة وحلفائها الدعوة، فهل انتهت السعودية من حربها على الشعب اليمني محققةً الانتصار الحاسم، بسحقِ كلّ من جعلتهم أعداءً لها هناك، وهل أعادت الرئيس الفار منصور هادي إلى الحكم؛ حتى تصيبها نشوة الانتصار بعمى الخيارات؟ وهل باستطاعة المملكة -ومن معها- أن تحارب على غير جبهة، وهي ترى معسكراتها في جيزان وعسير وغيرها من المدن والقرى على الحدود اليمنية مستباحة للجان الشعبية والقبائل اليمنية، وهي عاجزة عن الدفاع عن نفسها؟

إن المستنقع اليمني الذي ذهبت إليه السعودية بإيحاء وتشجيع ودعم أميركي، مصطحبة معها، عنوةً، دولًا عربية وخليجية وإسلامية، قاربت وحُولُه من الوصول إلى رأس هذه الدول وأنوفها، وما الضربة الأخيرة التي وجهها الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى معسكر "صافر" في مأرب وتدميره، ومقتل أكثر من مئة من جنود التحالف على أرضه، إلا مؤشرٌ لما ينتظر تلك الدول من هزيمة واضحة.

وتتهيأ مصر لتأدية دور مهمٍّ في التسوية السياسية التي تعمل روسيا عليها لحل الأزمة السورية، وهي مكتفية بمشكلاتها مع "الإخوان المسلمين"، وأزمتها الاقتصادية الخانقة، وحربها مع أنصار "بيت المقدس"، فرع "داعش" على أرض الكنانة.

الجزائر، موقفها واضح منذ البداية مما يحصل في سوريا، ولها تجربتها المريرة في العشريَّة السوداء. وتونس تعاني مشكلة كبيرة مع مشوِّهي الإسلام، وعلى رأس قائمتهم "داعش"، لدرجة أنَّ العملية الأخيرة في "سوسا" سببت إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وذلك بعد أن تجاوز عدد التونسيين المشاركين في الحرب السورية ثمانية آلاف مقاتل، وهي بانتظار امتحان الهجرة المعاكسة لهم. أما العراق فهو منغمس في الحرب على "داعش"، وهو أكثر المستهدفين من إرهاب هذا التنظيم.

ناهيك عن أن الأردن لها دور واضح من خلال غرفة الـ"موك"، وما تضمه من أجهزة مخابراتية دولية وإقليمية تعمل في الجبهة الجنوبية ضد الدولة السورية... واللائحة تطول.

نستطيع أن نستنتج من دعوة كيري ما يلي:

- يأس الأميركي من إمكانية تغيير موازين القوى العسكرية من خلال حلفائه وأذنابه من الفصائل المسلحة، التي سهرت أميركا على تدريبها وتسليحها، وفي مقدمتهم فصائل غرفة الـ"موك". ودعوته أتباعه من الأنظمة العربية إلى التدخل البري في سوريا، بعد ما يقارب الخمس سنوات من الحرب الكونية عليها، وكأنّ دخول هذه الدول الحرب سيقلب الميمنة على الميسرة، ويلحق بـ"داعش" هزيمة تستحق الثناء والتصفيق. وكيف ستقاتل هذه الدول من تستخدمه، ويحظى بدعمها لتدمير الدولة السورية ومعاقبتها؟

- من الواضح أنّ الأميركي يعيش تخبطًا وانعدام توازن في مقاربته الملف السوري. فهو تارة يعدُّ "النصرة" تنظيمًا إرهابيًا يجب مقاتلته وتجفيف مصادر تمويله ومعاقبة كل من يدعمه، وتسييل ذلك قانونيًا بقرار أممي.

وأخرى، يروّج لإمكانية تطويع "النصرة"، ودعوتها إلى التبرؤ من "القاعدة" وفك الارتباط بها، كي يستطيع إعادة تدويرها، وتقديمها كحليف معتدل يحمل مبادئ الثورة وأهدافها، فيوعز لها للابتعاد من محاكاة "داعش"، والخروج من عقدة المزايدة عليها في التطرّف، في الممارسة، أو في خطابها السياسي العام.

فإلامَ يرمي الأميركي من هذا التلميح، أوهل يريد تحويله قرارًا أمميًا في هذا التوقيت بالذات؟

الأرجح أنها مائدة سمٍّ يعدّها الأميركي لتوريط بعض الدول في الحرب السورية مباشرةً، بعد فشل خياراته كلّها. إلا أن توجهًا آخر يعدُّها مناورة فاشلة من أجل تحسين شروط التفاوض مع محور المقاومة.

وفي الحالتين، كان حريٌّ بالأميركي، إذا كان جادًا في محاربة "داعش" في العراق وسوريا، أن يستخدم تحالفه الدولي المزعوم للحرب على الإرهاب، فلا يسمح لمليارات الدولارات والأسلحة والصواريخ الأميركية المتطورة، والأفراد من عبور المحيطات والمطارات للوصول إلى سوريا، وحريٌّ به أيضّا عدم ترك قوافل "داعش" تتبختر من الرقة ودير الزّور الى الأنبار والموصل والرمادي ذهابًا وإيابًا على امتداد الصحراء المكشوفة بآلياتهم وعناصرهم تحت مرمى طائراته التي تستطيع أن تحدّد أنواع عقارب البادية وأفاعيها.