البناء الديمقراطي في تونس والأزمة الليبية
روعة قاسم
قديما ردد الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة مقولته الشهيرة إبان استقلال بلاده بأنه "لا معنى لاستقلال تونس مادامت الجزائر مستعمرة” وسعى بكل ما أوتي من جهد إلى مساعدة الجزائريين على نيل استقلالهم. واليوم يتفق جل التونسيين على أن جميع توافقاتهم التي حصلت ونجاحاتهم السياسية في عملية البناء الديمقراطي لا معنى لها مادامت الفوضى مهيمنة على الجارة الجنوبية الشرقية ليبيا.
فانفجار الأوضاع في ليبيا وتدفق اللاجئين والمقاتلين على تونس كما حصل إبان معارك القذافي و معارضيه، قد ينسف ما تم تحقيقه في الخضراء، بحسب أغلب الخبراء والمحللين. فالبناء الديمقراطي بحاجة إلى الإستقرار والأمن والبلدان المغاربية التي تفصل بينها حدود وهمية خطها الإستعمار على مقاس مصالحه شديدة الإرتباط والتأثر ببعضها البعض.
تحذيرات
وتثير التحذيرات الأخيرة التي أطلقها أحد المقربين من اللواء الليبي خليفة حفتر للتونسيين عبر صحيفة المغرب التونسية، والتي مفادها أن عناصر إرهابية خطيرة فرت من ساحة الوغى في ليبيا باتجاه الأراضي التونسية، قلق الجهات الرسمية في أرض الخضراء. حيث كثف الجيش التونسي من تواجده على الحدود بين البلدين أسوة بنظيره الجزائري، كما يبدو من تصريحات بعض القادة الأمنيين بأن أجهزة الإستخبارات تأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد وتعمل على الوقاية من الأخطار المحتملة.
ليبيا وتونس
علما ليبيا وتونس
كما تثير مسألة عودة التكفيريين من حاملي الجنسية التونسية من سوريا قلق الجهات الرسمية حيث يتوقع عديد الخبراء أن يعلن هؤلاء الحرب على شعبهم أسوة بأولئك الجزائريين الذين عادوا إلى بلد المليون شهيد بداية التسعينيات من أفغانستان وتسببوا في عشرية سوداء دموية لبلادهم لم يتخلص الجزائريون من مخلفاتها بعد. وما يدعم هذه التهديدات هو الإعلان الذي صدر عما يسمى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” والذي تبنى فيه الهجوم الذي استهدف منذ أسابيع قليلة منزل وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو بمدينة القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر.
سلاح ثقيل
ويشار إلى أن ليبيا وبعد الإطاحة بالقذافي باتت معبرا رئيسيا للشباب التونسي المغرر به للسفر عبرها إلى تركيا ومنها إلى سوريا للقتال هناك، خاصة وأن السلطات التونسية الرسمية تدقق في هويات المسافرين من أراضيها باتجاه تركيا وتمنع من تشتبه في أن لديه ميولا نحو التطرف. كما أن الخضراء، التي تمنح فيها بنادق الصيد بترخيص من وزارة الداخلية، أغرقت بالسلاح الليبي الثقيل من تركة القذافي وكشفت في هذا الإطار الأجهزة الأمنية التونسية عديد مخازن السلاح الذي كان الهدف من تجميعه القضاء على الدولة التونسية وتأسيس ما يسميه التكفيريون "دولة الخلافة”.
ونتيجة لهذا الترابط بين البلدين فقد استشعر الساسة التونسيون الخطر وقام بعضهم بمبادرات وساطة من أجل إيجاد أرضية للتوافق بين الفرقاء أسوة بما حصل في تونس. وتحرك في هذا الإطار رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي وكذا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بحكم الثقل الإقليمي الذي يتمتعان به وعلاقاتهما الوطيدة بأطراف ليبية فاعلة في المشهد السياسي.
تجربتان
فأمام الليبيين تجربتان للخروج من حالة الفوضى والمستنقع السياسي الذي وجدوا أنفسهم فيه، التجربة التونسية القائمة على الوفاق والحوار بين الفرقاء والإلتقاء عند الحلول الوسطى على أساس قاعدة لا غالب ولا مغلوب، والتجربة المصرية القائمة على العودة إلى زمن الرئيس العسكري القوي القادر على فرض الإنضباط وإزاحة الحركات الإخوانية عن المشهد السياسي.
ويبدو من خلال المستجدات والأحداث الميدانية أنهم يقتبسون من كلا التجربتين. فمن جهة يقوم اللواء خليفة حفتر بمحاربة التكفيريين ويسعى الموالون له في المجلس الوطني وخارجه إلى الحد من نفوذ الإخوان على غرار ما أنجزه السيسي في مصر. ومن جهة أخرى يتفق أغلب ساسة ليبيا على إجراء إنتخابات برلمانية تؤسس لشرعية جديدة بعد انتهاء شرعية المجلس الوطني بانتهاء مدته. ومهما يكن من أمر فإن أمن ليبيا مسألة حيوية لليبيين ولجيرانهم التونسيين على وجه الخصوص.