بدء المرحلة الأولى للحل السياسي في سوريا
ناهض حتر
أعلنت الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ميليسا فليمنغ، أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها، كالتالي: (1950000) في تركيا، (1113000) في لبنان، و(630000) في الأردن، (250000) في العراق، وأعداد أخرى، أقل، في مصر وشمال أفريقيا، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يزيد على أربعة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار.
الأرقام أعلاه لا تشمل، بالطبع، المقيمين غير المسجلين كلاجئين. وتقول الحكومة الأردنية ان عددهم في المملكة يزيد على المليون. وإذا كان من الصعب التحقق من هذا الرقم، فإن المرء يستطيع أن يلمس كثافة سورية في استثمارات جديدة، وخصوصا المطاعم وقطاع الغذاء وقطاع المنسوجات، بالإضافة إلى العاملين الفنيين في قطاعي الإنشاءات والتجارة. والغالبية العظمى من غير المسجلين لاجئين، ليسوا معادين للدولة السورية. وأظن أن هذا الوضع ينطبق على لبنان. وكان الإقبال اللافت للنظر، في عمان وخصوصا في بيروت، على الانتخابات الرئاسية السورية، عام 2014، دليلا على أن اللجوء ـ المسجّل، وبدرجة أكبر بكثير، غير المسجّل ـ ليس لجوءا "معارضا”، أو هاربا من بطش النظام...الخ، وإنما هو لجوء للبحث عن الأمان، هربا من مناطق سيطرة الإرهابيين، أو للبحث عن فرص استثمار وعمل ودراسة الخ.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية، دفعت باللاجئين السوريين، من النوعين أعلاه، للبحث عن مهجر دائم في وطن ثان في أوروبا؛ العامل الأول يتعلق بالفرص التي تمنحها الدول الصناعية في مجالات التعليم والعمل والترقي ومستوى الحياة الخ. وهذه عناصر جذب بحدّ ذاتها؛ فلو كان الباب مفتوحا للمواطنين العرب، كما هو مفتوح، الآن، للسوريين، لتدفق عشرات الملايين منهم، هربا من فقر أو تعلقا بأهداب أمل يكشف الهيمنة الثقافية الغربية على شعوبنا، بما فيها الفئات الأشدّ تدينا.
العامل الثاني يتعلق باليأس الناجم عن استمرار الحرب للسنة الخامسة، من دون نتيجة حاسمة. هذا اليأس، يدفع بجمهوري الصراع في سوريا، إلى طلب الهجرة، لكن جمهور ما كان يسمى " الثورة” هو الأكبر بين اللاجئين إلى الدول الغربية، ومن بينهم هاربون من المسلحين والإرهابيين، كانوا، حتى الأمس القريب، على الجبهات. ويأتي هؤلاء، خصوصا، من تركيا. ونُشرَتْ، في هذا الصدد، تقارير تتحدث عن تسرّب ما يزيد على أربعة آلاف داعشي بين اللاجئين إلى أوروبا، بل إن " وكالة أوقات الشام”، نشرت صورا لإرهابيين، قبل وبعد اللجوء إلى ألمانيا.
العامل الثالث يتعلّق، ويا للمفارقة، باقتراب التوصّل إلى حل سياسي في سوريا، والشروع في حرب إقليمية ضد الإرهاب؛ حفّزت تركيا أردوغان، وسهّلت موجات الهجرة السورية إلى أوروبا، سعيا لتحقيق عدّة أهداف في وقت واحد هي (1) ممارسة الضغط الإعلامي والسياسي على الولايات المتحدة للسماح لها بإقامة منطقة عازلة في شمال تركيا، (2) التخلّص من إقامة قسم كبير من اللاجئين السوريين لديها، (3) التخلّص من الآلاف من عملائها الإرهابيين، ومنحهم فرصة للفرار وبدء حياة جديدة في الغرب.
على رغم التهويل، بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى أوروبا منذ 2011 وحتى الآن، أقل من 400000 مهاجر؛ حوالي 25000 منهم اتوا من تركيا، عبر اليونان. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بمعدلات كبيرة في الأشهر المقبلة، بعدما تبنت دول عديدة، ولأسباب مختلفة، سياسة استقبال اللاجئين السوريين. وفي طليعة هذه الدول، ألمانيا. وهي أغنى الدول الأوروبية، من جهة، وتحتاج، من جهة أخرى، إلى سدّ ثغرة تناقص الأيدي العاملة الشابة لديها. وتبدي برلين استعدادها لاستقبال نصف مليون لاجئ. ومما يدلّ على أن هذه السياسة لها طابع استراتيجي، بالنسبة لأوروبا، فقد انضمت كل من ايطاليا واسبانيا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا والنرويج والسويد وتشيكيا وصربيا، إلى ألمانيا، في فتح باب هجرة السوريين إليها. وفي سياق انساني مختلف، أعلنت دولتان حليفتان لدمشق، هما البرازيل وفنزويلا، انضمامهما إلى الركب.
انتهت فترة التهريب والابحار اللاقانوني المرعب، بالنسبة للاجئين السوريين؛ فاليوم، تقوم الأمم المتحدة، بالإشراف على نقل حوالي عشرة آلاف لاجئ سوري، يوميا، إلى أوروبا، برحلات جوية وبحرية منظمة ـ ومخفّضة الكلفة ـ انطلاقا من تركيا والأردن ولبنان. وهكذا، يبدو واضحا ـ خلافا للتصريحات التركية الحامية والدموع الألمانية ـ أن عملية ترحيل اللاجئين السوريين إلى أوروبا، تهدف إلى تصفية ظاهرة اللجوء السوري، واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية، في دول الجوار، ونقل القسم الأكبر من اللاجئين إلى دول تحتاج إلى قوة عمل الملايين من العبيد الجدد للرأسمالية، ووسط هؤلاء، سينتقل القسم الأعظم من "المجاهدين السوريين”، للعيش في ديار الكفّار، مستعدين، دائما، للانخراط في التجييش الأميركي في حرب جديدة، "دفاعا عن الإسلام”!
كان الانفجار السكاني في سوريا، أحد أهم عوامل الانفجار السياسي والأمني فيها. وقد كانت الهجرة منها، تحدث، وستحدث ـ بغض النظر عن الحرب ـ بصورة تلقائية، وأقل مأساوية وكثافة. كذلك، فإذا استثنينا المضامين فعلا من الاضطهاد الإرهابي لأبناء المكونات السورية غير الوهابية، فإنه يمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزفا ديموغرافيا، فيما ينبغي إيقاف نزف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس.