طبخة قطرية مريبة للعراق
عادل الجبوري
يثير الدخول القطري المعلن والصريح على خط الأزمة العراقية، وفي هذا الوقت بالذات، الى جانب ردود الأفعال الغاضبة والرافضة والمستهجنة، جملة تساؤلات واستفهامات عمَّا تفكر به وتخطط له الدوحة، ومن يفكر ويخطط معها، ومن دفعها الى التحرك علنا، بعد ان كانت كل تحركاتها تجري بعيدا عن الاضواء وفي الغرف والكواليس المظلمة، رغم انها باتت مكشوفة منذ وقت طويل لكل من يراقب ويتابع ويتأمل ويحلل؟؟؟...
وبعد ان كانت قطر تستضيف وتستقطب ساسة وناشطين عراقيين من خلال مراكز بحوث ودراسات وتحت لافتات وموضوعات استراتيجية، قررت هذه المرة تنظيم مؤتمر موسع تجمع فيه قوى وشخصيات عراقية مختلفة قد يكون ما يفرق ويبعد بينها اكثر مما يجمع ويقرب.
ولا شك ان التوقف قليلا عند الظروف والمناخات المحيطة بتوقيت عقد مؤتمر الدوحة، وطبيعة الأطراف التي دعيت له والتي شاركت به، فضلا عن ما قيل عنه من قبل الآخرين، يمكن ان يساهم في صياغة تصور عام يعكس ويعبر في مجمله عن جانب من حقيقة الاجندة القطرية واجندات من كان له دور في تنظيم المؤتمر.
امير قطر
ومن الواضح جدًّا ان ترتيب المؤتمر وعقده تزامن مع حراك جماهيري واسع في مختلف المدن العراقية طرحت فيه مطالب مختلفة، ابتدأت بتحسين الخدمات، لا سيما الطاقة الكهربائية، ولم تتوقف عند إقالة المحافظين وحل المجالس المحلية والغاء البرلمان واسقاط الحكومة، ناهيك عن الشعارات المسيئة للدين والرموز والقوى الاسلامية بطريقة تبدو منظمة ومخططا لها بشكل مدروس بعناية.
ولا يخلو المشهد العام في بعض زواياه البعيدة من وجود مؤشرات غير قليلة على ان هناك دورا لأطراف خارجية -من بينها قطر- لخلط الأوراق وتأزيم الأمور، لا سيما في مدن الجنوب والفرات الأوسط ذات الغالبية الشيعية، والتي تتمتع بقدر كبير من الهدوء والاستقرار السياسي والامني اذا ما قارنّاها بمدن المناطق الغربية ذات الغالبية السنية، مثل نينوى والانبار واجزاء من صلاح الدين وديالى وكركوك.
الدوحة واللعب بورقة التظاهرات العراقية
وتزامن التحرك القطري المريب مع خطوات عملية من قبل الولايات المتحدة الأميركية لإعادة نشر قوات برية في العراق، تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، هذا في الوقت الذي تشير فيه تقارير عديدة الى ان الأخير استعاد زمام المبادرة بعض الشيء وسط انشغال الشارع العراقي والقوى السياسية ووسائل الاعلام بالاصلاحات والتظاهرات، وإهمالها موضوع الحرب ضد "داعش"، وهذا ما حذرت منه ونبهت اليه المرجعية الدينية في النجف الأشرف خلال الأسبوعين الماضيين عبر معتمديها في منابر صلاة الجمعة.
وتزامن التحرك القطري أيضا مع موجة عالمية من الاهتمام والتعاطف الإنساني مع المهاجرين غير الشرعيين- وجلهم من السوريين والعراقيين- الى أوروبا وما تعرضوا ويتعرضون له من أوضاع صعبة وحرجة للغاية، علما ان المبرر الرئيس لهجرة هؤلاء هو ما تعيشه بلدانهم من ظروف أمنية وسياسية وحياتية واقتصادية سيئة.
وقد تقاطع ذلك التحرك مع تصاعد الخلافات والتقاطعات بين قوى وشخصيات المكون السني، بسبب سيطرة تنظيم "داعش" على مدنهم من جانب، وطغيان المصالح والحسابات الخاصة لكل طرف ، من جانب اخر، ناهيك عن الاحتكام والخضوع للأجندات الخارجية المختلفة في ظل غياب المرجعيات الدينية والسياسية والاجتماعية التي يمكن ان تحظى بالقبول الجماهيري المطلوب، والذي يتيح لها ان تكون محورا أساسيا لصياغة الحلول والمعالجات المناسبة والانفتاح والتواصل مع الشركاء الآخرين.
وبوضوح اكثر، جاء عقد مؤتمر الدوحة بعد فترة زمنية قصيرة من انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية في بغداد برعاية رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وانتهى بمعارك بين بعض المشاركين استخدمت فيها الكراسي والطاولات وقوارير المياه المعدنية، فضلا عن الايدي والارجل، الى جانب تبادل السباب والشتائم المخجلة.
ويبدو ان الصورة الاولية لمؤتمر الدوحة لم تكن افضل حالا من الصورة التي خرج بها اجتماع بغداد برعاية الجبوري.
فقبل ان تلتئم الاطراف المدعوة تحت سقف واحد، وحول طاولة واحدة اختلفت فيما بينها، وتبادلت التهم، ليقاطع البعض منها، ويأتي الآخر على مضض، فيما أصر ثالث على المجيء والحضور، لانه لا بد ان يقوم بذلك بحكم الادوار والمهام المناطة به، ولأنه ربما ينتظر قبض الثمن.
طبيعة الأطراف المدعوة لمؤتمر الدوحة، سواء شاركت ام لم تشارك، تبدو توليفة غريبة، لا يجمعها مع بعضها البعض، ومع قطر وأطراف خارجية أخرى ساهمت في التحضير والاعداد والتمويل للمؤتمر، وحتى المشاركة فيه، إلا هدف واحد، وهو الحاق اكبر الضرر بالعراق والعراقيين، وافشال ما تحقق من نجاح، وتعزيز ما وُجِد من فشل واخفاق، والا كيف التقت قطر مع السعودية والكويت والامارات والبحرين، ومع ما يسمى بهيئة علماء المسلمين، وحزب البعث المنحل، وفصائل مسلحة تطلقها على نفسها صفة المقاومة!.. بيد ان وصف "الارهابية" هو الاقرب اليها، وشخصيات مطلوبة للقضاء العراقي، مثل نائب رئيس الجمهورية الاسبق طارق الهاشمي، ووزير المالية الاسبق رافع العيساوي، واحد ابرز ممولي اجندات التخريب خميس الخنجر، وشخصيات اخرى سياسية وعسكرية وعشائرية، التقت في الدوحة، وماكان لها ان تلتقي مع بعضها البعض في مكان وزمان اخر، وفي اطار المصالح الوطنية الخالصة وبعيدا عن تأثيرات وضغوطات ومصالح هذا الطرف او ذاك.
وربما تكفي الاشارة والتوضيح الذي تضمنه البيان الصادر مؤخرا من قيادة حزب البعث المنحل لمعرفة الاطار العام لمؤتمر الدوحة، ولفهم خلفية المواقف والتوجهات الرافضة له من قبل طيف سياسي واسع في العراق، وفي مقدمته الحكومة العراقية التي عبرت بوضوح عن موقفها الرافض للتحركات القطرية.
وقد جاء في بيان حزب البعث المنحل "ان لقاء قد عقد بين وفد من حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ومعه عدد من الشخصيات الوطنية العراقية المعارضة للعملية السياسية والتدخل والنفوذ الايراني من جهة، وبين السيد وزير خارجية قطر وسفراء عدد من دول مجلس التعاون الخليجي لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ومساعده من جهة أخرى"، وبحسب البيان "يعد هذا المؤتمر تمهيدا لمؤتمر عراقي وطني عام في خطوة لاحقة تحضره جميع الاطراف العراقية برعاية الامين العام للأمم المتحدة وبضمانات عربية ودولية ملزمة".
واللافت ان انعقاد المؤتمر وبيان حزب البعث، ترافق مع اعترافات أدلى بها مسؤول بارز في الحزب اعتقلته الاجهزة الامنية العراقية مؤخرا ، واعترف خلال التحقيقات بقيام عناصر الحزب بأعمال عنف في البلاد بالتعاون مع تنظيم "داعش" وباقي المجموعات الإرهابية، واعترف ايضا بتلقي الحزب وتنظيم "داعش" الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي والاعلامي من دول عربية خليجية.
ليس ظنا ولا تخمينا، ان قطر اختارت التوقيت الخطأ للدخول على خط الازمة العراقية علنا، وهي التي لم تترك مناسبة الا وحاولت فيها ان تصب المزيد من الزيت على النار، ومعها بعض شقيقاتها الخليجيات، وهي بمؤتمرها كشفت عن عقم سياستها، وعن حجم المأزق الذي تعيشه القوى والشخصيات التي راهنت وما زالت تراهن عليها، وهي ذاتها التي تقاتلت فيما بينها في فندق الرشيد قبل اسابيع بدلا من ان تقاتل تنظيم "داعش" في مدنها ومناطقها، وذاتها التي تبادلت الشتائم والاتهامات قبل التئام مؤتمر الدوحة.