kayhan.ir

رمز الخبر: 25559
تأريخ النشر : 2015September07 - 20:18

الأدوار الخفية للمنظمات غير الحكومية

هادي قبيسي

"إن الكثير مما نقوم به اليوم كانت تقوم به وكالة الإستخبارات المركزية قبل خمس وعشرين عاماً

آلان وينستاين 1991 / مؤسس الوقفية الوطنية للديموقراطية

تأسست الوقفية الوطنية للديموقراطية بعد مرحلة ريغان مباشرةً بعد انكشاف عدد كبير من أنشطة السي آي إي، فتم إنشاء لجنة متخصصة للإشراف على عمل الإستخبارات، رسمت توجهاً جديداً للعمل تحت غطاء المنظمات غير الحكومية التي ترفع الشعارات الديموقراطية في مختلف أصقاع العالم، فكان إنشاء الوقفية في هذا السياق. ويوضح لنا الرئيس الأول للمؤسسة كارل غيرشمان في تصريح له عام 1986 طبيعة الوقفية والحاجة الكامنة خلف تأسيسها بالقول :”لم يعد ممكناً للمجموعات الديموقراطية حول العالم أن تنظر لنفسها على أنها عميلة للسي آي إي”. ويعتبر الكاتب ديفون دوغلاس بوير تعليقاً على حالة الوقفية ومؤسسات أخرى مشابهة من حيث الدور والغطاء أنه و”في حين أن للمنظمات غير الحكومية تأثيراً إيجابياً على المجتمع ككل، ينبغي الإلتفات إلى خلفيتها، من المسؤول عنها، ومن أين تحصل على تمويلها، لأن طبيعة هذه المنظمات في تغير، وهي تنخرط أكثر فأكثر في المنظومة الإمبريالية للسيطرة والإستغلال، وأصبحت تمثل بعثات امبريالية” (للمزيد أنظر : NGOs: Missionaries of Empire).

أخذنا هذا المثال للإضاءة على قضية من قضايا الآن، البالغة الحساسية، وهي تمويل الدول الإستعمارية الغربية القديمة والجديدة، لمنظمات غير حكومية وفق برامج "ديموقراطية” محددة، في البلدان التي كانت سابقاً، في الأمس البعيد أو القريب، هدفاً للإحتلال الإستعماري المباشر، وهي الآن هدف للإستعمار الحديث.

ترى هل بدأت هذه الأنشطة بعد ريغان فقط؟ أم أن لها سوابق تاريخية؟ يؤكد الباحث المتخصص وليام ديمارس في دراسة له نشرت في الفصلية المتخصصة للإستخبارات أن :” التعاون بين المنظمات غير الحكومية والأجهزة الإستخباراتية الأمريكية له تاريخ طويل من التطور، فمنذ تأسيس وكالة الإستخبارات المركزية عام 1947 قامت ببناء خطوط اتصال مع عدد كبير من المؤسسات الأمريكية خارج البلاد، من ضمنها المؤسسات التجارية، الكنائس، المؤسسات الإعلامية، والمؤسسات الرعائية والخدماتية.

بعض تلك الخطوط تمت الإستفادة منها لتمويل بعض المؤسسات بشكل سري. وتلك المؤسسات كانت تدعم وتمول المنظمات غير الحكومية. حركة هذه المؤسسات تمت الإستفادة منها في جمع المعلومات الإستخبارية، وكذلك شكلت جزءاً من البنية التحتية للأفراد الذين يمكن تجنيدهم للعمل السري”.

إذن هي جزء من عملية تهيئة بيئة سياسية واجتماعية لنقلها من حالة العداء مع المستعمر إلى حالة التعاون "الديموقراطي” معه مروراً بحالة انكسار الحواجز النفسية المختلفة بالتدريج. ويؤكد الباحث في نفس الدراسة أن ” المنظمات غير الحكومية المتنوعة ومختلف الأجهزة الإستخباراتية الأمريكية تجد نفسها بشكل متزايد جنباً إلى جنب على خطوط الجبهات في مواجهة الحروب الصغيرة وحركات التمرد في العالم الثالث والدول السوفياتية السابقة”، مرجعاً تعويل أجهزة الإستخبارات الأمريكية على المنظمات غير الحكومية إلى أن” المنظمات غير الحكومية والعاملين فيها يحصلون على معلومات لا تستطيع أجهزة الإستخبارات الحصول عليها من طرق أخرى”، حيث ” تشكل الشبكة العالمية من المنظمات غير الحكومية مصدراً هاماً للمعلومات بالنسبة لأجهزة الإستخبارات الأمريكية” وفي كثير من الأحيان "يتم إرسال المعلومات التي تحصل عليها المنظمات غير الحكومية بشكل مباشر إلى قيادة وكالة الإستخبارات المركزية لتحليلها” (للمزيد أنظر : NGOs and United States Intelligence in Small Wars).

منظومة تعاون متكاملة وراسخة بين الإستخبارات والمنظمات دعت جامعة هانلي بوتنام المتخصصة في المجال الأمني إلى تقديم برنامج تعليمي خاص حول الدور الإستخباراتي للمنظمات غير الحكومية، وتوضح الجامعة على موقعها على الإنترنت مبررات إنشاء هذا البرنامج بالقول إن ” ثمة أعمالاً استخباراتية عديدة جداً في دائرة نشاط المنظمات غير الحكومية، وهي تستفيد من باحثين ومحللين يمتلكون مجموعة مهارات استخباراتية خاصة”.

يهتم موقع وكالة الإستخبارات المركزية بهذا الموضوع أيضاً فينشر دراسة حول ضرورة تطوير التعاون مع المنظمات غير الحكومية يؤكد فيها الباحث ألن ليبسون أن "أجهزة الإستخبارات الأمريكية تعمل في مناطق النزاعات جنباً إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية” معتبراً أن ” المعلومات التي توفرها المنظمات غير الحكومية تعد حيوية في عملية اتخاذ القرار السياسي” (للمزيد أنظر : Can the USG and NGOs Do More ).

دول عديدة واجهت هذه الظاهرة الشديدة الخطورة، المتمثلة بغزو المنظمات غير الحكومية لكل جوانب الحياة السياسية والإعلامية والإقتصادية والأمنية بتمويل وتوجيه من دولة أجنبية معادية بغطاء "ديموقراطي”، مصر ما بعد الثورة هي إحدى تلك الدول فبتاريخ 27 كانون أول 2011 داهمت قوات الأمن المصرية 17 مركزاً لمنظمات غير حكومية في القاهرة، كانت تعمل كغطاء لوكالة الإستخبارات المركزية، ولاحقاً وضعت أكثر من 400 منظمة غير حكومية تحت التحقيق، وكانت تلك العملية ذات تأثير سلبي كبير على نشاط الإستخبارات الأمريكية في الشرق الأوسط، ويؤكد الباحث باتريك هانينغسن أنه و” في العقود الخمس السابقة، عملت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية بشكل غير مكشوف تقريباً في حين أنها كانت تتحرك تحت غطاء المنظمات غير الحكومية مثل USAID ” (للمزيد أنظر : The CIA Operating behind a Web of "Pro-Demcracy” NGOs ).

في بوليفيا كذلك، تمت مواجهة زحف المنظمات العميلة، ويعتبر الرئيس البوليفي أن المنظمات غير الحكومية عملت بشكل سري متعاونةً مع أعداء بوليفيا للتآمر ضد البلاد، وهي تعتبر كمنظومة تجسسية. روسيا هي الأخرى أقرت قانوناً تعتبر فيه المنظمات الأجنبية جواسيس، و يقول الكسندر سيدياكين الذي اقترح القانون في مجلس الدوما بأن ثمة شبكة كاملة من المنظمات غير الحكومية التي تقع تحت نظر الشك لناحية تمويلها. (للمزيد أنظر : For Russian Government NGOs are Like spies).

إيران واجهت نفس المشكلة خلال الثورة الملونة التي جرت هناك عام 2009، ويشير موقع قناة برس تي في الإيراني باللغة الإنجليزية إلى الدور البريطاني الكبير في هذا المجال حيث تشعر بريطانيا بالحاجة إلى الحضور في الدول المعادية للقيام بالتغيير من الداخل على الرغم من استفادتها من كافة الوسائل الإستخباراتية المعاصرة المختلفة، مع التذكير بأن هذا المسار له تاريخ طويل، فبريطانيا استعملت المستكشفين والرحالة والكتاب وعلماء الآثار للتجسس على البلدان المختلفة (للمزيد أنظر : British govt. exploits NGOs to spy other countries ).

لبنان هو إحدى ساحات نشاط تلك المنظمات التي تعمل ضمن شبكات مرتبطة بالسفارات الأجنبية، واللافت للنظر عددها وانتشارها وتنوع نشاطاتها، ويمكن العودة إلى موقع يو أس إيد فرع لبنان لإلقاء نظرة واستكشاف طبيعة الإجتياح الأمريكي الذي يجري بصمت مستهدفاً العقول والقلوب في بلد المقاومة العربية الأول.

لا يمكن وضع كل المنظمات غير الحكومية في سلة واحدة وتصنيفها في خانة العمل الواعي لخدمة الأهداف الأمريكية لكن الأكيد أن المنظمات التي تتعاطى الشأن السياسي والإعلامي والتي شهدت طفرة في التمويل بعد حرب عام 2006 هي تخدم المشروع الأمريكي، الذي يحدد المصلحة الأمريكية في الشرق الأوسط بحماية اسرائيل. الدولة اللبنانية المنقسمة على نفسها في غاية العجز والضعف، تاركةً الحبل ملقىً على غاربه، فيما تجتاح مئات المنظمات البلاد ليجمع بعضها المعلومات عن المقاومة وتقوم أخرى بتحضير شرائح مختلفة للتعاون والتواصل مع وكر التجسس في السفارة الأمريكية.