مظاهرات بيروت ، رائحة الخيانة .
أحمد الحباسى
ينظر كثير من المتابعين لمظاهرات بيروت بكثير من التوجس و الريبة ، و لا يصدق الكثيرون أن "رائحة ” النفايات هي أصل البلاء و موطن الداء ، فلبنان طلعت رائحته منذ عقود من الزمن دون أن يتحرك جماعة ” حملات النظافة ” ، لم يتحرك هــــؤلاء ” المنظفون ” حين أزكمت رائحة الجثث بيروت في مجزرة صبرا و شاتيلا ، و حين تاجر البعض بالمخدرات ، و حين سقط البعض في خانة الخيانة للمقاومة ، و حين تعامل سعد حداد و أنطوان لحد مع الصهاينة ، و حين ارتكب القاتل سمير جعجع مجزرة فردان الشهيرة ، و حين اعتدى بعض وزراء تيار المستقبل على بعض المناطق الممنوعة المخصصة للملك العام ، و حين عاشر تيار الحريري المجموعات الإرهابية التي تدمر سوريا ، و حين امسك فرع المعلومات بالباخرة لطف الله 1 و 2 المحملة بالأسلحة المهربة من تيار الحريري إلى الجماعات الإرهابية في الشام ، و حين بكى فؤاد السنيورة بين أحضان كوندليزا رايس متمنيا على جيش ” الدفاع” الصهيوني أن ينجز مهمة كسر عظم المقاومة سنة 2006 ، و حين …و حين …
لم تتحرك هذه المجموعات المشبوهة التي تحتل الشارع البيروتى اليوم تحت عناوين و يافطات تحتاج إلى خبير في البحث و الرصد و التدقيق لفك شفرتها و اكتشاف خفاياها ، لم تتحرك هكذا لوجه الله و من أجل هذا الهدف النبيل المعلن ، و لم تتحرك لان هناك روائح كريهة ، أو هناك نظام سياسي مختل ، أو هناك مؤسسات خدماتية لا تشتغل بالكيف المطلوب ، أو حتى من باب الالتحاق بركب ما يسمى نفاقا بثورات الربيع العربي الموهومة ، هذا ليس صحيحا بالمرة ، لأنه لا الروائح ستزال و لا النظام سيتغير و لا الثورة ستحصل ، و الجميع مقتنعون ، و مع ذلك يتحركون ، و يتزاحمون على أبواب الوزارات و يفترشون الشارع و ينادون بالمحاسبة ، كأن هناك في لبنان مؤسسات تحاسب ، و كأن هناك في لبنان نظام سياسي سيتغير و كأن لبنان بلد يحتاج لثورة لينضم لقافلة الدول العربية المنهارة .
هؤلاء مشبوهون بالطول العرض ، و من يحرك قواعد السير و اللعبة و الاتجاه معلوم بالاسم و بالعنوان و بالسيرة الذاتية ، و لان لا شيء في لبنان يتحرك بدون ” إذن ” ، لا شيء يقع بدون مقدمات ، لا شيء يقرر إلا في دكاكين الغرف الصهيونية المظلمة ، فمن السهل أن نفهم لماذا تحركت محطة ” الجزيرة” بكل هذا الثقل و بكل هذه الترسانة المخيفة من المراسلين و المحللين و من الناظرين لما وراء ” الخبر ” ، من السهل أن نقرأ الرسالة من العنوان عندما نتابع بانتباه متعمد مقدمة نشرات أخبار تلفزيون ” الجديد” ، و من اليسير باعتماد عملية جمع و طرح سياسية عقلانية أن نصل إلى قناعة بأن هؤلاء ” الشباب” العاطلين عن العمل لا يمكن أن تصل حماستهم حول موضوع تكدس النفايات إلى هذا الحد ، فهذا لم يحصل في أي بلد في العالم رغم تكدس النفايات ، ايطاليا مثلا بقيت شهورا على هذا الحال من الأوساخ دون أن "تطلع ريحتها” ، فرنسا أيضا ، فهل أن ” الشباب” يريدون أن يدخلوا بهذا الحراك المشبوه موسوعة قينس الشهيرة للأرقام القياسية .
هناك ما يدبر بليل للمقاومة و لسوريا و لإيران ، هذا مؤكد و لا يحتاج إلى أدلة كثيرة كما يظن البعض ، هناك من يحاول خرم طبقة السلم الاجتماعية رغم هشاشتها المعلومة ، "طلعت ريحتكم” هي الإبرة التي ستخرم طبقة الأوزون اللبنانية لتعم رائحة الخيانة بدل رائحة النفايات ، و التصويب الواضح على تيار الرئيس ميشال عون ليس إلا بداية المؤامرة القذرة التي تمولها عائلة المافيا السعودية و تدير دفتها مجموعة مشبوهة دربتها المخابرات الأمريكية و زرعتها منذ سنوات داخل الجسم اللبناني لتقوم بمهام متعددة الأهداف ، و لن يحتاج المتابع لمناظير ليلية أو لمكبر صورة ليكتشف بين الصفوف من يرتزقون من دكاكين المخابرات الأمريكية ، و من يؤدون دور النائحات لتحريك العواطف المبتورة و من يقومون برصد اتجاه الرأي العام لتحريك بوصلة هذه التحركات في الاتجاهات المطلوبة و من يقفون أمام العدسات التلفزيونية لتأليب الرأي العام ضد المقاومة بحجة أنها جزء من هذا النظام الفاسد .
السفارة الأمريكية ليست بعيدة عن مظاهرات ميدان رياض الصلح ،و جهاز استقبال فرع المخابرات الأمريكية شغال على طول و في تواصل مستمر مع تيار المستقبل ، هذا ليس سرا ، ما يؤسف له حقا أن هذه التحركات المشبوهة للسفير الأمريكي لم تجد من يتحدث عنها ، و لا من يستنكرها على الأقل ، كأن لبنان قد أصبح بقوة الأمر الواقع ولاية أمريكية ، و حيث يغفل هؤلاء وجود هذه التحركات و التدخلات المحمومة في الشأن الداخلي اللبناني فمن المؤكد أن هناك من "قبض” ليصمت و هناك من يهمه أن يتغافل و هناك من لا يسعى للاستنكار خوفا على بعض المواقع ، لكن ما يهم ، أن المقاومة يقظة و تراقب و تسهر و تخطط ، لذلك لن يمروا و لن تحجب سحابة رائحة الخيانة هذا المخطط القذر ، لان الرائحة قد فاحت بما فيه الكفاية لتكشف عن موطن العفن .