kayhan.ir

رمز الخبر: 25351
تأريخ النشر : 2015September04 - 21:03

الفقر والبيئة ينهشان المجتمعات

عباس الجمعة

لابد من الاعتراف أن معظم الشعوب تعيش تحت خط الفقر، وأنها تعاني، ولا يعد لديهم طاقة إضافية لتحمل المزيد من الأعباء التي تفرضها الظروف الاقتصادية وخاصة الشباب .

الفقر المتفاقم، لم تشفع له كل المبادرات الأهلية، ولم تحد من تغلغله وانتشاره كل المحاولات المجتمعية، خاصة أن الجهود التي تبذل في هذا المجال تغرد خارج السرب، ولم ينفع جائعا قرار حكومي في بلده، أو إجراء يخفف من مخاطر هذا الجوع الطارئ.

ومن هنا نرى ان هناك عائلات تعيش في وضع مأساوي، وهناك شباب تعلم ووصل الى التخرج ولم يجد وظيفة، ونحن نسلط الضوء عن المستور في ظل حالات الانزياح الطبقي الهائل الذي نراه، حيث العمل وايجاد الوظيفة لمن هو محسوب، وكل ذلك بسبب غياب المحاسبة والمساءلة الضامنة لعدم تغلغل الجوع والفقر، على اعتبار أن كل السياسات الاقتصادية السابقة لم تف بالغرض، حيث نرى جيش الفقراء وفاقدي مصدر العيش.

وفي ظل ما نراه من فقر، يأتي التلوث البيئي الذي يعتبر إحدى اكثر المشاكل خطورة على البشرية، نتيجة ازمات النفايات تلوث بيئتنا بشكل كبير، وهذه النفايات تنتج عن استهلاك اعداد كبيرة من المواد، مما يؤدي الى تكوين كميات هائلة من المخلفات السامة والخطرة، اضافة الى المبيدات الحشرية والعشبية والمنظفات ومواد الطلاء ودهانات السيارات وغيرها الكثير ينتج عنها مواد ونفايات سامة وخطرة، وكله يسبب الأذى ويحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة، وهذا يستدعي من الجميع مواجهة هذا الخطر التي لا تحترم الشروط الصحية والبيئية.

لذلك يتبادر للذهن ماهي أسباب التقصير الحكومي في الدول امام ظاهرة الفقر والبيئة، كما في الاحزاب والقوى في تعزيز المبادرات المجتمعية لمواجهة مخاطر ما يجري، ولماذا لم تظهر للعلن مؤسسات المجتمع المدني من رحم أزمة خانقة كهذه، أليست كل الظروف مواتية لإطلاق العمل المدني والمجتمعي لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تعيشها الشعوب العربية، وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني.

في مخيمات اللجوء والشتات يوجد جوع، وفقر مدقع، مقابل ظهور طبقة تعيش باجواء مريحة ونعمة كاملة وتمارس إذلال الفقر، مما يتطلب امام هذه الصورة التي تغرقنا في وحل الترنح والانهيار, امام المجتمع وخاصة الفقراء والفئات المهمشة ان تبدأ ( ثورة) التغيير الاجتماعي, مما يستدعي من الاحزاب والقوى الوطنية والفصائل التي من المفروض انها تربي وتثقف وتبني الفرد بكل القيم النظيفة والمبادئ والافكار, وتزرع المثل التي تؤسس لاجيال, ان تصون كرامة المواطن, وتقدم خدماتها للجمهور , ومحاربة الفئات الفاسدة، لأن المجتمع اصبح يعيش في كارثة حقيقية تهدد ليس منظومة القيم فقط وانما النسيج الاجتماعي المستقبلي لكل فئات هذا الشعب،إنه الجوع الذي ينهش المجتمع، ويفكك عراه، ويخلخل بناه الفوقية، وفرض على الكثيرين تحويل بوصلتهم، وتغيير مواقفهم، والانزلاق إلى حيث لايشاؤون.

نعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة، فالظروف والاوضاع التي تعيشها الشعوب والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص لا تعني إطلاقاً قتل الناس جوعا، وان تضعهم تحت وطأة الفقر والبطالة،، من هنا عندما يتحرك الشارع بعماله وشبابه وكافة فئاته في ظل ظروف قاسية رغم العصا التي تهوي على رؤوس المتظاهرين، هي تضرب الفقراء المحتجين وتعمل على إهدار العدالة الاجتماعية، حيث يتضاعف الظلم عندما يحدث التمييز على عدة مستويات، ولكن الفقراء يظهرون براعة فائقة في التأقلم مع وضعهم الحالي، مما يتطلب إرساء سياسات خلق فرص العمل على قاعدة احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل بعيدا عن المحسوبيات.

واما كل ذلك نقول لا يجوز أن نقف مكتوفي الأيدي، فالتغيير بتطلب مسؤولية جماعية تجاه أفقر الناس وأضعفهم، فلنستفد من تلك الخبرات ونضيف إليها فهي تظهر جدوى اتباع منهجية شاملة قائمة على الحقوق بهدف تحقيق تنمية مستدامة تتمحور حول الوظائف، وهذا في الواقع أمر ضروري إذا أردنا ضمان حياة كريمة للجميع.

ان العدالة الاجتماعية تتطلب من كافة الدول اعطاء الشعوب بفئاتها المختلفة كل حقوقها حتى حقها فى الحياة الكريمة , وتفادي الأخطاء، وتوفير الحماية من الفقر والجوع والجهل والمرض من خلال مراعاة البعد الاجتماعى وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة شرائح الشعب وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء حتى تعيش الشعوب بعدل ومساواه .

ان التعاون والجهد المشترك يسهم في تخفيف حدة المشاكل ويساعد في البحث عن سبل جديدة ونوعية لعلاج القضايا التي تخص الشباب وتطلعاتهم، فكفى تجاهلا لقضاياهم واحتياجاتهم الحقيقية والملحة في الحاضر والمستقبل، كفى تنكر لمستقبل الخريجين الذين يصطفون بالطوابير على المقاهي في كل أنحاء الوطن العربي مع خصوصية كل بلد عربي، فحتى اللحظة لا يوجد أي توجه جدي أو رؤية واضحة لإيجاد فرص عمل أو المساهمة في حل مشاكل البطالة التي تراكمت في ظل الغلاء الفاحش، هل هناك أمل أن نجد خطط واستراتيجيات لتحسين واقع الشباب، متى سيتوفر العمل والعيش الكريم وتتحقق العدالة الاجتماعية، والحرية التي تنشدها المجتمعات، فلا أمل أو مستقبل بعيد عن طموحات الشباب، والمجد يبني لحظة نصر للفقراء والمهمشين، فاتقوا شر الطاقات المنسية لانها لم تعد تحتمل الظلم، فهي تطالب بالعدالة في خدمة جميع شرائح المجتمع في كل مكان.

لهذا لا بد من الاشارة انه لا يكفي القضية الفلسطينية أن نمطرها بالشعارات لأنها قضية كل العرب القضية الانسانية العادلة على مساحة الجغرافيا العالمية، بل المطلوب النظر بأوضاع ومعاناة الشباب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات وخاصة خريجي الجامعات واصحاب المهن الحرة، نتيجة تفاقم معاناتهم والقوانين المجحفة وما تسببه من ازمات متعددة تهدد مستقبل الشباب الفلسطيني وطموحاتهم ودفعهم الى خيارات بعيدة عن تطلعاتهم، في ظل تفاقم أزمة البطالة في الوسط الفلسطيني بمختلف فئاته المهنية والتي وصلت الى 56%،فيما بلغت نسبة من هم دون خط الفقر حوالي 66%، مما يستدعي دعم الشباب الفلسطيني في مطالبهم، والعمل على اطلاق حوار شبابي عربي فلسطيني والوصول الى رؤية شبابية موحدة تساهم في توفير المناخات الايجابية لتوفير حياة كريمة للشباب حتى يتمكنوا من التمسك بحق في العودة الى دياره وممتلكاته التي هجر منها في فلسطين، ورفض كل مشاريع التهجير والتوطين مهما طالت سنوات اللجوء والشتات وتأمين الحد الأدنى من الحقوق الانسانية والمدنية للشعب الفلسطيني.

ختاما : ان الشعوب لم تعد باستطاعتها التحمل اكثرلا في الموضوع البيئي ولا في موضوع الفقر، وهي تهرب الى مكان آخر، واخرون يحبسون انفسهم في منازلهم متحملين حرارة الطقس بدلاً من ان يتنشقوا الروائح التي يمكن ان تصيبهم بامراض خبيثة علما ان نسبة هذه الامراض ارتفعت بشكل كبير، لذلك نقول إن مبدأ المواطنة القائم على الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية، بغض النظر عن أية انتماءات أخرى، ينزع فتيل أي نوع من أنواع الفتنة مهما كان كبيرا، ويبعد أي خطر داخلي أو خارجي محتمل على الدول مهما كان فظيعا، لأن الشعب بكامله وبحرية مطلقة سيدافع بكل إمكاناته وطاقاته عن دولته مهما كانت الظروف، كما حمل السلاح وتصدى للعدو الصهيوني وحقق انتصارات وما زال يواجه المشروع الامبريالي الصهيوني الارهابي التكفيري بمقاومته، وهذا يستدعي من الجميع تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين بلا استثناء، ومكافحة تحديات التلوث والتصحر ونقص المياه وغيرها وانتهاك حقوقهم في الموارد وفي البيئة النظيفة، مما يتطلب من منظمات المجتمع المدني اخذ دروها في المجتمع، وحتى يشعر المواطن بانتمائه لوطنه وقضيته لا لغيرها من الانتماءات الأخرى، ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات اتجاه الدولة.