kayhan.ir

رمز الخبر: 25291
تأريخ النشر : 2015September02 - 20:52

اليمــن.. إلــى أيــــن؟

أحمد الشرقاوي

كيـف تحــول اليمـــن إلـى "أفغانستــان” لـ”السعوديـــة”؟..

لا شك لدينا مطلقا في أن اليمن سينتصر، هذا ما تقوله سنن الله وقوانين التاريخ، وليس من قبيل التنظير الجزافي أن يقول سماحة السيد في بداية الأحداث أن "السعودية” ستهزم في اليمن، وأن يقول الإمام الخامنئي أيضا، أن أنف ‘آل سعود’ سيمرغ في تراب اليمن.. هذه تصريحات مبنية على رؤية استشرافية صائبة لطبيعة الصراع وآلياته وحدود قوته وحتمية مآلاته.

اليوم وبعد دخول العدوان شهره السادس بدأت تتضح الرؤية جزئيا على ضوء المؤشرات السياسية والاقتصادية والعسكرية الميدانية، التي توشي جميعها بأن "السعودية” تخسر الرهان على إخضاع اليمن لهيمنتها، وأن العد العكسي لانهيار نظام آل سعود من الداخل قد بــدأ..

ولعل الخلاصة الأولى التي تتبدى للمراقب من متابعة تطورات الأحداث تقول، بأن استراتيجية العدوان بالقصف اليومي العنيف والمكثف التي انتهجتها "السعودية” وحلفاؤها لحسم الحرب في أيام معدودات كما وعدت الإدارة الأمريكية، لم تؤد إلى نتيجة تذكر، باستثناء قتل الأبرياء وتدمير البنى التحتية وكل مقومات الحياة الأساسية، ما دفع بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتخرج عن صمتها على استحياء وتدين العدوان السعودي الوحشي واللا أخلاقي، معتبرة إياه جرائم ضد الإنسانية، برغم صمت الحكومات العربية المشين، وموقف ما يسمى بالمجتمع الدولي المريب..

في حين أن استراتيجية أنصار الله والجيش اليمني التي قامت في المرحلة الأولى على "الصبر الإستراتيجي”، بدأت تتحول شيئا فشيئا نحو الدخول في مرحلة "الخيارات الإستراتيجية” التي سبق للسيد عبد الملك الحوثي أن أعلن عنها قبل فترة وفوضه الشعب بتنفيذها في أكثر من مظاهرة حاشدة، وهذا يعني، اعتماد خيار حرب استنزاف طويلة الأمد تجعل من المستنقع اليمني "أفغانستان” بالنسبة لـ”السعودية”.

لمـاذا أعلنــت السعوديــة الحــرب علـى اليمــن؟..

من المعلوم، أن ما من حرب مرت في التاريخ إلا ولها أسباب مباشرة واهية خادعة ولا عقلانية، يتم تبريرها من خلال الكذب والتحوير والتضليل لإضفاء نوع من الشرعية الزائفة واللمسة الأخلاقية الخادعة على العدوان من جهة، وأسباب غير مباشرة خبيثة يتم التكتم عليها وتعتبر في حقيقة الأمر الدافع الأساس المحرك للحرب من جهة أخرى.

وبعيدا عن ما يروج له الخطاب الرسمي "السعودي” عن مسألة "الشرعية” المفترى عليها، وتدخل إيران في اليمن التي نفاها الرئيس أوباما شخصيا، تعود الأسباب الحقيقية لقرار الحرب، إلى رفض أنصار الله والشعب اليمني في غالبيته العظمى لمشروع العميل الطرطور عبد ربه منصور تعديل الدستور الذي كان سيفضي إلى تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم بحكم ذاتي مرحلي، كخطوة أولى في أفق تحويله إلى فدرالية ومن ثم إلى كونفدرالية وفق المخطط الصهيو – أمريكي الذي كلفت السعودية بتجسيده واقعا على الأرض..

ومعلوم أيضا، وفق ما تبين من معلومات واتضح من معطيات، أن العدوان كان يرمي لتحقيق مجموعة أهداف استعمارية مسكوت عنها، منها: السيطرة على القرار السيادي اليمني لإدارة المكونات المحلية من الخارج – سرقة خيرات الشعب اليمني الفقير ومقدراته الهائلة من النفط والذهب بشراكة أمريكية، إسرائيلية، سعودية، إماراتية – السيطرة على باب المندب وبناء قنطرة عملاقة بين ميناء عدن وجيبوتي بتمويل وإدارة إماراتية – تمرير أنابيب النفط من "السعودية” إلى بحر العرب عبر حضر موت لتكون بديلا عن النقل البحري عبر مضيق هرمز في الخليج الفارسي، لسحب ورقة التهديد بإغلاقه من يد طهران في حال تقرر شن الحرب عليها مستقبلا..

وبالتالي، فما كان يحضر لليمن لا يخرج عن إطار إستراتيجية تقسيم المنطقة بهدف إقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير كما هو واضح..

التطــورات العسكريــة فـي الميــدان..

ليست مهمة المحلل سرد الوقائع الميدانية لإعطاء صورة واقعية حول تطور المعارك بين الجانبين، هذا دور المراسل الصحفي والإعلامي، وبالتالي، ما يهمنا هنا في سياق هذا التحليل، هو الوقوف عند المؤشرات المهمة التي من شأنها مساعدتنا على فهم الصورة في شموليتها لاستشراف مآلات الصراع..

هناك معلومات دقيقة من مصادر موثوقة تؤكد أن روسيا وإيران مدوا لـ’آل سعود’ السلم للنزول من على الشجرة حين أقنعوا أنصار الله بالانسحاب من الجنوب اليمني لفائدة "السعودية” لتظهر بأنها حققت انتصارا معنويا يحفظ لها ماء الوجه وتقبل بحل سياسي متفاوض على تفاصيل بنوده في مسقط، لكن "السعودية” انقلبت على خيار السلام حين اعتقدت أنها خدعت الجميع، وبإمكانها التمدد من الجنوب نحو صنعاء لتحريرها، وهنا قررت بالفعل الانتحار.

لأن أنصار الله والجيش اليمني لم يهزموا في الجنوب، بل انسحبوا وفق الاتفاق لفائدة الحراك الجنوبي الذي كان يفترض أن يحافظ على عدن والمدن الجنوبية ويدافع عنها ضد "القاعدة” و”داعش” و”الإخوان المجرمين”، لكن حدث ما لم يكن في حسبان السعودية والحراك الجنوبي معا، إذ سرعان ما اجتاحت القاعدة مدينة عدن وبعض مدن وقرى الجنوب كما سبقت الإشارة، فلم تستطع "السعودية” إعادة الطرطور هادي وحكومته الصورية إلى عاصمة الجنوب كما كانت تقول، وبالنتيجة، لا السعودية حققت إنجازا يذكر في الجنوب، ولا الحراك الجنوبي استطاع أن يحافظ على معاقله ليكون له مقعد وصوت مستقبلا على طاولة الحوار..

وبسبب هذه الكارثة، خرج الناطق باسم قوات التحالف المشتركة المدعو ‘أحمد العسيري’ مطلع الأسبوع (الإثنين)، ليتهم الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح ومن أسماهم بـ "ميليشيات” الحوثي بإعطاء الفرصة لعناصر "القاعدة” و”داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية للتواجد في اليمن بهدف إسقاط الدولة.. فمن يصدق مثل هذا المنطق العاهر الذي يفتقد للمصداقية والأخلاق، والعالم أجمع يعلم علم اليقين أن السعودية هي من تحارب في اليمن بالمرتزقة وزبالة التكفيريين؟..

بل أكثر من ذلك، تتجنب "السعودية” الإعلان عن خسائرها الفعلية في الميدان وتضخم من إنجازاتها الوهمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حين أطلق الجيش اليمني مؤخرا صاروخ "سكود” على محولات للكهرباء بمنطقة جيزان، أعلن الإعلام السعودي أنه تصدى للصاروخ بنجاح، لكن ولتبرير الانفجارات التي سمعها السكان وأدت إلى انقطاع التيار عن عدد من أحياء مدينة جيزان، قال إعلام آل سعود صانع الخرافات، أن الانفجارات كانت بسبب الأمطار الغزيرة..

ومهما يكن من أمر، فإذا كانت المحولات الكهربائية قد انفجرت بسبب صاروخ السكود كما يقول الإعلام الحربي اليمني فهذا إنجاز عسكري نوعي يؤشر لبداية تنفيذ الخيارات الإستراتيجية، أما إذا كانت الأمطار هي من فجرت المحولات كما يقول إعلام ‘آل سعود’ الغبي، فهذا له تفسير واحد لا علاقة له بالصدفة، ومؤداه، أن السماء تحارب مع أنصار الله والجيش اليمني.. فأين تذهب "السعودية” من هنا؟.

اليوم أخذت الحرب في اليمن أبعادا جديدة لم تكن تتوقعها "السعودية”، خصوصا بعد أن دخل الصاروخ الباليستي "السكود” الكوري، والصاروخ الباليستي "توشكا” الروسي، وصواريخ أرض جو صائدة المروحيات، و”الكورنيت” الروسي قاهر الدبابات والعربات المدرعة الذي غير مجرى الحرب في اليمن وحول آليات السعودية والإمارات الثقيلة إلى خردة من حديـد غير مفيـد، فأبطل مفعولها الحربي، وحصن أنصار الله والجيش اليمني منطقة الشمال ليبدأ التركيز على استعادة الأراضي المحتلة في عسير وجيزان ونجران، بهدف إحراج السعودية وتكبيدها هزيمة مذلة تحولها إلى أضحوكة في نظر شعبها والعالم في معادلة تقول: "جنوب اليمن مقابل جنوب السعودية”.

هذا، في ما الهدف المقبل لأنصار الله والجيش اليمني هو الشروع في تنفيذ خطة الخيارات الإستراتيجية التي تحدث عنها القائد عبد الملك الحوثي والرئيس علي عبد الله صالح مؤخرا، متوعدين ‘آل سعود’ بمفاجآت صاعقة، ويجري الحديث عن قصف المواقع الإستراتيجية الحساسة داخل المهلكة من موانئ ومطارات ومحطات الطاقة ومصانع التكرير وآبار النفط لضرب الاقتصاد السعودي في مقتل، كي لا تقوم لآل سعود قائمة، فينفجر الوضع في الداخل.

ولعل آخر المفاجآت هي ما أعلنت عنه مصادر مقربة من الجيش وأنصار الله، حيث أكدت أن العمل جار على قدم وساق لتجهيز ثلاثة ألوية من الحرس الجمهوري مدعومين بجحافل من اللجان الشعبية ومجهزين بالعتاد العسكري والأسلحة المتطورة، كما يتم إعداد جيش من المجاهدين المتطوعين والمدربين قوامه 100 ألف مقاتل، ويتم تحضير صواريخ سكود وتوشكا الباليستية لإطلاقها على المواقع الإستراتيجية بالتوازي مع الهجوم المرتقب على العمق السعودي لتحرير محافظات جيزان وعسير ونجران بالكامل وإعادتها إلى حضن الوطن بعد احتلالها من قبل السعودية عام 1939، كما وأعلن الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني العميد شرف لقمان الأربعاء، أن القصف هذه المرة سيطال المدن السعودية وصولا إلى الرياض وجدة، وهذه تعتبر المرحبة الأولى فقط من الخيارات الإستراتيجية التي سيعلن عن البدء بتنفيذها رسميا في الأيام القليلة المقبلة، وما خفي أعظم.

السعوديـــة تنهـــار مـن الداخـــل..

العالم أدرك اليوم أن السعودية فقدت رصيدها الأخلاقي وسقطت عنها كل الأقنعة وبانت على حقيقتها الإجرامية، لكن الأهم أنها تستنزف ماليا بشكل خطير، حيث تتحدث التقارير عن قرب انهيار اقتصادها بعد أن تجاوز العجز في ميزانيتها 145 مليار دولار متم السنة الماضية، وسحبت من صناديقها السيادية في البنوك الأجنبية قرابة 100 مليار دولار، وخسر المستثمرون في سوق أسهم الخليج 150 مليار دولار في غضون شهر، ونشر البنك الدولي تقريرا الأسبوع الماضي يقول أن دول الخليج الفارسي خسرت 300 مليار دولار بسبب تراجع أسعار النفط، وأنها تستهلك 10 مليار دولار شهريا من الاحتياط النقدي نتيجة هذا التراجع، وأن الرقم مرشح للصعود مع مزيد من هبوط أسعار النفط المتوقع في الأشهر القادمة، ورفضت "السعودية” توصية البنك الدولي برفع الدعم عن أسعار المحروقات مخافة أن ينفجر الشارع في الداخل، وقرر المقامر محمد بن سلمان مؤخرا بيع جزء كبير من أسهم صندوق التقاعد وصندوق الاستثمارات العامة لتوفير السيولة لمواجهة الحرب في اليمن وسورية والعراق ودفع مستحقات صفقات السلاح الضخمة التي أبرمتها "السعودية” مع الغرب، وفق ما سربه ‘مجتهد’ هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن الخطوة القادمة ستكون بيع أسهم الدولة في سباك والكهرباء والاتصالات بسبب شح السيولة وفراغ الخزينة من الدولارات.

كل المؤشرات تؤكد أن الوضع المالي للمهلكة ذاهب بخطى حثيثة نحو الانهيار لا محالة، خصوصا مع هبوط أسعار النفط من 110 دولار قبل الحرب إلى 40 دولار اليوم، ويتوقع المراقبون أن ينزل السعر إلى حدود 30 دولار بسبب وفرة العرض وقلة الطلب وتداعيات الأزمة الاقتصادية الصينية التي كلفت العالم خسائر في سوق الأسهم بلغت 1500 مليار دولار..

لكن الطامة العظمى ستحل حين ستستعيد إيران حصتها في السوق العالمية حيث يتوقع أن ينزل سعر البرميل إلى أقل من 20 دولار، وهناك من يتحدث عن 12 دولار، ما ينذر بكارثة محققة، كما وأن أمريكا لم تعد تعتبر نفط الخليج الفارسي عنصرا أساسيا من أمنها القومي بسبب وفرة النفط والغاز الصخري، وبدأت تتخلى تدريجيا عن منطقة الشرق الأوسط التي لم ينلها منها إلا الفشل والأزمات والصداع، حيث انعكست نتائجها الكارثية سلبا على اقتصادها ومكانتها وسمعتها كقوة عظمى في العالم، فيما الثقل الجيواستراتيجي المالي والاقتصادي والعسكري بدأ يميل بقوة نحو محور شانغهاي ومجموعة البريكس ودول أوراسيا..

ولعل القارئ الكريم يذكر أننا قبل أيام، كنا توقعنا في مقالة حول الموضوع أن إيران هي من ستدق آخر مسمار في نعش نظام ‘آل سعود’ الصهيوني الخبيث، وأنها لا تحتاج في ذلك إلى حرب عسكرية، ولا إلى مقاربات أمنية، ولا إلى خيارات تثويرية لتفجير الأوضاع من داخل المهلكة، وأن نقطة ضعف ‘آل سعود’ القاتلة تكمن في مال الريع الذي يمولون به حروب أمريكا و”إسرائيل” في المنطقة، ويستثمرونه في نشر الإرهاب لإحداث أكبر قدر من المجازر والخراب، ويشترون به الذمم الفاسدة، والضمائر الخائنة، والأرواح الضالة، ليجهضوا حلم الشعوب بالتحرر والتحرير، ويضربوا كل مقومات الوحدة والنهضة لدى العرب والمسلمين..

ونقصد بذلك النفط الذي حولوه أيضا إلى سلاح واستعملوه بخسة ونذالة ضد إيران وروسيا، لكن حساباتهم وحسابات أسيادهم في واشنطن لم تكن دقيقة، فعاد الأمر وبالا عليهم من حيث لا يحتسبون..

وها هي إيران تعلن رسميا على لسان وزير نفطها الثلاثاء، أنها ستعود بقوة لأسواق النفط العالمية لتسترد حصتها، وأنها ستضاعف صادراتها حتى لو هبطت الأسعار بواقع النصف (من 40 إلى 20 دولار)، وهو ما اعتبره محللون إعلان حرب اقتصادية على "السعودية” التي كانت البادئ بتحويل النفط إلى سلاح لتخريب الاقتصاد الإيراني والروسي معا بإيعاز من واشنطن، وبالتالي، على ‘آل سعود’ أن يتجرعوا السم الذي طبخوه بأيديهم.

وإذا أضفنا إلى ما سلف عامل السخط الشعبي الناجم عن واقع الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وانعدام البنية التحتية الأساسية وغيرها من المشاكل والأزمات المتراكمة التي يعاني منها المواطن السعودي، ناهيك عن الفساد المستشري كالسرطان بين الأمراء والمسؤولين في الدوائر الرسمية، والتمرد الذي بدأ يخرج للعلن في أجنحة العائلة الحاكمة وينذر بانفجار واسع سيعصف بمهلكة ‘آل سعود’ في اتجاه التقسيم، وتنامي ظاهرة الإرهاب في مجتمع رضع حليب الوهابية وشرب ثقافة الحقد والكراهية.. نصل إلى معادلة كيميائية مكتملة تقول بحتمية الانفجار والانهيار..

يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فانتظروا إنا معكم منتظرين، وإن غدا لناظره لقريب.