رعاية أميركية وراء احتفاظ بقايا نظام صدام بقدرة لافتة على التحرك فوق المسرح العراقي
عقيل الشيخ حسين
على أمل تغيير موازين القوى في المنطقة، وانطلاقاً من مبدأ تحطم الأداة خير من تحطم الذراع التي تحرك الأداة، المشروع الصهيو-أميركي يستخدم داعش وغيرها من الأدوات (تنظيمات ودولاً،) كبديل عن المجازفة بفتح حروب مباشرة - ومعروفة النتائج سلفاً- على محور المقاومة الظافر.
قد ينبغي، لاعتبارات عملية، عدم الالتفات إلى التفاصيل المتعلقة بهذا الحشد المتكاثر من التنظيمات التي تطلق على نفسها صفة الجهادية والإسلامية ويصفها الآخرون بالمتطرفة والتكفيرية. فالقاعدة والنصرة وداعش وغيرها هي، قبل كل شيء، أسماء لتنظيمات وجماعات غير واضحة المعالم لجهة تركيبتها وقدراتها وقياداتها وأصحاب القرار فيها والدوافع الحقيقية للمنتسبين إليها والجهات الفعلية التي تحركها. يكفي النظر إلى ممارساتها ومواقعها في المجابهات التي تعيشها المنطقة للخروج بنتيجة أكيدة مفادها أنها رأس الحربة في الهجمة الدولية والإقليمية على محور المقاومة، وعلى سائر المنطقة التي تستهدفها الفوضى البناءة. ما يعني أن معركة محور المقاومة هي، من وراء داعش وأضرابها، مع أعدائه المعروفين : الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها في المنطقة.
الورقة الأخيرة
وإذا كان من الصحيح أنها تطرح شعارات من نوع محاربة الكفار والصليبيين واليهود، فإن تفجيرات 11/9/2001، وتلك التي وقعت في أنحاء متفرقة من العالم في بالي ونيروبي ودار السلام والخبر ومدريد ولندن وغيرها من أعمال القتل والذبح والتدمير قد انكشفت عن كونها أحداثاً اصطنعتها (تحت أسماء القاعدة وغيرها) أجهزة المخابرات الإسرائيلية والغربية، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة. أما الهدف فهو إلصاق صفة الإرهاب بالإسلام، وإسقاط الشرعية عن القضايا العربية والإسلامية الحقيقية، وإيجاد الذرائع لغزو بلدان العالم الإسلامي بالشكل الذي شهدناه في العراق وأفغانستان.
أما الحرب التي تشنها هذه التنظيمات على سوريا، ومؤخراً على العراق، فتدخل في إطار الأوراق الأخيرة التي يستخدمها محور الشر الأميركي في ظروف عجزه عن مباشرة الحرب بنفسه في ظل أزماته المتفاقمة والهزائم المريرة التي مني بها في المنطقة.
وقد بطلت بشكل فاضح أكذوبة محاربة هذه التنظيمات للحكومة السورية بدعوى أنه لا يقاتل "إسرائيل”، وتبين للملأ مدى عمق العلاقة التي تربطها بـ "إسرائيل”. وإذا كانت وسائل الإعلام قد تناقلت قبل يومين خبر اختطاف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية من قبل داعش، فإن من المرجح -لو صح خبر الاختطاف- أن تكون العملية من تدبير إسرائيلي على صلة بالمساومات الجارية مع السلطة الفلسطينية، أو من تدبير أي جهة من مصلحتها تضليل الجماهير العربية عبر إظهار الحركات التكفيرية كمعادية لـ "إسرائيل”، بعد كل علامات الاستفهام والارتياب المطروحة حول عدم إطلاقها رصاصة واحدة باتجاه "إسرائيل”.
بقايا نظام صدام... برعاية أميركية
أما التحرك الحالي المنسوب لداعش في العراق، فإن الأدلة تتراكم على كونه، بشكل أساسي، تحركاً لبقايا نظام صدام التي يبدو أن تواطؤاً أميركياً -أو أكثر من ذلك- سمح لها بأن تحتفظ بمقدار لا بأس به من القوة والنفوذ حتى داخل أجهزة الدولة. وهذا النفوذ هو ما تمكنت بفضله، وبفضل الدعم المقدم من قوى دولية وإقليمية بالمال والسلاح والمرتزقة، من إيجاد بيئة حاضنة في محافظات معينة، ومن تنفيذ آلاف التفجيرات الإرهابية في مختلف المناطق العراقية، ومن ثم من بسط سيطرتها على بعض المناطق بسرعة وناجعية تذكّر بسرعة وناجعية التحرك الذي قامت به طالبان في أفغانستان، عام 1996. وفي الحالتين، الطالبانية والداعشية، تبين وسيتبين أكثر، أن أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية هي ما يشكل غرفة عمليات مثل هذه التنظيمات.
فورين بوليسي: ما يجري في العراق هو حرب سعودية على إيران
وإذا كانت بعض المصادر قد أكدت أن السفارة الأميركية في بغداد كانت على علم مسبق بتحرك داعش وبقايا نظام صدام، فإن هذا العلم الذي لم يستثمر في تطويق هذا التحرك، يشي بأن الأصابع الأميركية غير بعيدة عن إدارة هذه الهجمة على العراق.
تدخل أميركي؟ إلى جانب من؟!!!
ومن الواضح، في الوقت الذي يدور فيه الكلام عن تدخلات أجنبية تحت عنوان منع داعش من المضي قدماً في مشروعها، أن الولايات المتحدة تقدم رجلاً وتؤخر أخرى كحال اللص المتربص بانتظار الفرصة السانحة. وإذا حدث لأسطولها المتجه نحو المياه العراقية، أو لقواعدها المنتشرة في جزيرة العرب أن تدخلت، فإن من السهل التكهن بأن الإرهاب الناشط في العراق لن يكون أول المستهدفين. وإن استهدف، فلرفع العتب وبالطريقة المألوفة وغير المجدية في اليمن وأفغانستان وباكستان.
فخلف الهجمة على العراق إحباط متعدد الرؤوس ناجم عن فشل الحرب على سوريا، وعن عدم الجرأة على المس بلبنان، وعن الوهم بأن إشعال العراق قد يخلق ظروفاً تسمح بالتخفيف من الاحباط الناشئ عن احتلال إيران لموقع بيضة القبان في جميع قضايا المنطقة. ألم تكتب فورين بوليسي بأن ما يجري في العراق هو حرب السعودية على إيران؟ وهل تشن السعودية حرباً بكل هذه الخطورة من دون تكليف من واشنطن؟ وهل تزج واشنطن بأدواتها في الوحول المتحركة إلا على طريقة المقامر اليائس الذي سمحت له الظروف بأن يلعب بأموال غيره؟