إستخبارات الاحتلال مرعوبة من الكابوس الآتي الأعظم
حسان ابراهيم
مهما كانت النتيجة التي ستؤول اليها عملية اسر المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية المحتلة، الا ان دلالاتها، حتى الان، اكبر بكثير من ان يحتويها الصهاينة، وقد يكون لها ارتدادات غير سهلة على تل ابيب. عملية الاسر، كما حصلت، تظهر هشاشة وعدم فاعلية واخفاق كل الاجراءات الصهيونية في منطقة جغرافية تعد الحديقة الخلفية للكيان، وفي نفس الوقت، دليل على ان كل الاساليب التي لا ترتبط بالمقاومة، لا يمكنها ان تجدي الفلسطينيين نفعا.
الصدمة والارباك سمة الاحتلال واجهزته الامنية في هذه الايام، وبحسب التعبير العبري، ارتطم رأس الاستخبارات بالحائط، فلا خيط ولا شبه خيط يقود الى منفذي العملية، في مقابل حرفية ومهنية فاقت قدرات العدو الاستخبارية، التي تعد اهم سلاح في ايدي الاحتلال في مواجهة الفلسطينيين، وتحديدا في الضفة الغربية.
يمكن الحديث، بعد ايام على عملية الاسر، في النقاط التالية:
اولا: لم يخف الصهاينة فشلهم الاستخباري. قبل ان ترفع الرقابة العسكرية يدها عن الموضوع، بدأت الانتقادات الداخلية تتوالى وتبحث في اسباب هذا الفشل. الكم الهائل من التحليلات ومن الاسباب، دل على حجم الارباك في سياق توصيف الحالة.
شكلت العملية ضربة موجعة جدا للاستخبارات "الاسرائيلية”، وأظهرت ان الهالة المحيطة بها اكبر بكثير من مكوناتها الحقيقية. فـ "الحديقة الخلفية” خرقت. ليس فقط لم تعلم الاستخبارات مسبقا بالعملية، كما تؤكد دائما انها قادرة على ذلك، بل ان الاجهزة الامنية الصهيونية فشلت في التحرك سريعا، رغم ورود معلومات من الميدان، حول عملية "خطف”، الامر الذي وفر للمنفذين تقطيع الساعات الذهبية الاولى وانجاز خططهم كان كانت موضوعة، بحرفية ومهنية، تذكر بعمليات المقاومة في لبنان سابقا.
فشل استخباراتي
من هنا يشدد الخبراء الاسرائيليون على الفشل الميداني المباشر، في موازاة الفشل الاستخباري المسبق. وكلاهما اكمل بعضهما بعضا، ومكن المنفذين من انجاز المهمة.
في نفس الوقت، أكدت الاجراءات المتخذة من قبل الاحتلال، ان الفشل لم يقتصر على الواقع الابتدائي وحسب، بل امتد الى مرحلة ما بعد تنفيذ العملية، اذ طوال الايام القليلة الماضية، لم ينجح اي اجراء استخباري، رغم حملة الاعتقالات الواسعة في الضفة الغربية، ورغم استخدام احدث التكنولوجيات وعمليات التنصت واستخدام العملاء، بل وايضا، المساعدة والتعاون الهائلين اللذين يتلقاهما الاحتلال من الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي كانت مدار ثناء " اسرائيلي” لافت، إن صح ذلك بالفعل.
ثانيا: لناحية التوقيت. يمكن القول ان النجاح في توقيت تنفيذ العملية يوازي النجاح في تنفيذها، بل وربما يزيد عليه. اذ يأتي بعد فشل التسوية، وبعد ان ظهر الجانب الصهيوني، دوليا، انه وراء هذا الفشل. في نفس الوقت، جاء قانون منع اطلاق سراح اسرى فلسطينيين، الذي صادقت عليه الحكومة الصهيونية اخيرا، ليزيد من اهمية التوقيت.
في نفس الوقت، الشرخ كبير جدا، في هذه المرحلة، بين "اسرائيل” والسلطة الفلسطينية، رغم تبني الاخيرة مسار التفاوض مع الاحتلال، ومعاداتها للخيار المقاوم. الامر الذي يلقي بظلاله على فاعلية التعاون الامني في هذه القضية، حتى مع اشادة الاحتلال بهذا التعاون، الذي يبقى مدار شك من ناحية فاعليته.
من هنا، ورغم كل عمليات الشجب والاستنكار الدوليين، المتوقعة اساسا، الا ان التعامل الغربي مع قضية "الخطف”، يأتي على خلفية القاء اللوم على الجانب "الاسرائيلي”، وليس صدفة ان الاعلام الغربي يكاد يجمع على ان السبب المباشر للدفع باتجاه عملية "الخطف”، هو التعنت الذي ابداه رئيس الحكومة الصهيونية، تجاه المفاوضات مع الفلسطينيين.
ثالثا: اذا استطاع المنفذون اكمال مشوارهم والوصول الى نتائج تبادل اسرى، فسيؤسس ذلك، الى مرحلة لا ينفع معها " منسوب الردع” الذي تردده "اسرائيل” وتعمل عليه تجاه الفلسطينيين. نجاح العملية، إن كتب لها النجاح، سيكون عاملا محركا لمزيد من العمليات المشابهة، بحرفية او عدم حرفية، وبمبادرة فردية او مدعومة من جهات، وهذا هو السيناريو الاكثر اخافة "للاسرائيليين”.
من هنا يمكن فهم المحرك الاساسي الذي دفع بالاجهزة الامنية للاحتلال، للتأكيد على نجاعة الاجراءات والقدرة الاستخبارية، التي منعت الكثير من عمليات الاسر المخطط لها فلسطينيا في الضفة الغربية، طوال السنوات القليلة الماضية. وهذه الاشارة موجهة ليس فقط لتبرئة الذات من الخطأ والفشل الاستخباري الحالي، بل ايضا باتجاه الفلسطينيين، وللاشارة الى ان نجاح عملية واحدة لا ينهي منسوب الردع ولا يستقيم معه، وبالتالي لا يجب ان تشكل العملية دافعا لتنفذ عمليات اخرى.
رابعا: قد تكون الامور في خواتيمها. لكن اصل تنفيذ العملية، وعدم وجود معلومات استخبارية لدى العدو، ونجاح المنفذين طوال الايام القليلة الماضية بتعمية عيون الاستخبارات، كلها مؤشرات على الآتي، وان استطاع المنفذون اتمام المهمة بنجاح، فالكابوس سيكون هائلا لدى "الاسرائيليين”، ممتداً وواسعاً ولن يكون بالامكان احتواؤه.
تلفت صحيفة هآرتس في تعليقها على عملية الخليل، الى اهم معطى في كل ذلك، وهو البقعة الجغرافية التي تمت فيها العملية. مشيرة الى ان القلق الاساسي يرتبط بالظروف الميدانية في الضفة الغربية، والتي يجب ان تكون مؤاتية وملائمة لعمل الاستخبارات "الاسرائيلية”، ونجاح العملية يعني ان كل الجهود والمساعي والاجراءات لا تنفع، واذا كانت كذلك في الضفة، فكيف بها في غيرها، حيث لا اطلالة مشابهة استخبارية لتل ابيب عليها، فـ” الظروف الميدانية في الضفة تختلف كلياً عن تلك في غزة، وذلك لجهة أن الجيش يملك القدرة على الوصول إلى أي مكان فيها، فضلاً عن شبكة واسعة من عملاء الشاباك، جهاز الامن العام، إلى جانب التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية”.