خلفيات واحتمالات الهجوم الإرهابي على العراق
عابد عبيد الزريعي
سارت عملية إرباك العراق بشكل متوازي مع مسار الأزمة السورية، وذلك باللجوء إلى استخدام السيارات المفخخة في مختلف المدن العراقية من ناحية وتكرار افتعال الأزمات السياسية في وجه الحكومة العراقية من ناحية ثانية، بهدف التأثير في موقف العراق من الأزمة السورية، والذي بلغ ذروته في إعلان السيد المالكي في واشنطن اختلافه مع الإدارة الأمريكية بشأن سوريا. أما قرار غزوة الموصل فقد جاء بمثابة نقل عملية الإرباك بمستواها المعروف والذي يقف عند حدود المشاغلة إلى مستويين جديدين: الأول: مستوى القطع والتقسيم الجغرافي عبر السيطرة على مجموعة من المناطق المتصلة وفصلها عن بقية الجغرافيا العراقية وبالاعتماد على العمل العسكري المكشوف والسافر. الثاني: مستوى التماس مع حدود إسقاط الحكومة العراقية المركزية الحالية ودون أن يتقدم خطوة أكثر من ذلك وإبقائها عند حدود الابتزاز السياسي بهدف دفعها للتوافق مع المستوى الأول. أما بالنسبة لتوقيت قرار الانتقال إلى هذين المستويين من الفعل فقد جاء نتيجة لحدوث لحظة تقاطع تاريخية مباغتة فرضت على تلك القوى أن تركض إلى الميدان دون أن تجفف شعرها. وتتمثل تلك اللحظة في حد التواصل بين عقد الانتخابات السورية التي سحبت ملف بقاء أو عدم بقاء الرئيس الأسد من التداول السياسي، مع لحظة انتهاء مدة البرلمان العراقي والوقوف على عتبة انعقاد البرلمان الجديد مع ضمان ائتلاف دولة القانون للنصاب الذي يضمن ترشيح السيد نور المالكي لولاية جديدة. واقتراب المفاوضات حول الملف النووي الإيراني من نهايتها وعلى أرضية الإقرار بحقها في امتلاك الطاقة النووية وبدورها كقوة إقليمية أساسية وفاعلة من ناحية ثالثة. ، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج جيوستراتيجية يمكن عنونتها فيما يلي: أولا: هزيمة المشروع الأمريكي الخليجي التركي، الهادف إلى محاصرة إيران وإسقاط الدولة السورية، ومحاصرة جيوب القوى الإرهابية في سوريا وفي العراق والقضاء عليها، وتشكل خط تحالفي يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا بما يشكله من قوة جذب وعزل للقوى الرجعية في المنطقة. ثانيا: استرداد الدولة العراقية عافيتها والسير باتجاه تجسيد استحقاقاتها الداخلية وفي المقدمة منها ضبط العلاقة بين الدولة الاتحادية والإقليم الكردي. على ضوء ذلك يمكن رسم خريطة القوى التي انخرطت في العملية والموقع الذي احتلته كل منها وهي: أولا: قوى التحريض الرئيسة: وتتمثل في الدول الخليجية وفي المقدمة منها العربية السعودية التي تولت عملية التمويل والتسليح من ناحية، ومن ناحية ثانية العمل على إقناع المركز الامبريالي بان نتائج هذه العملية تشكل تعويضا للهزيمة في سوريا، ووضعا للسكين على خاصرة ايران. ثانيا : قوى التنفيذ المباشر: وهي القوى التي اعتمدت عليها قوى التحريض وتضم إضافة إلى ما يسمى بدولة العراق والشام، مجموعات من بقايا النظام السابق من بعثيين نقشبنديين وعسكريين مدفوعين بغريزة الانتقام والعودة للحكم دون الانتباه على الأقل ممن لم ينخرطوا في التنظيمات الإرهابية أو يتحالفوا معها إنهم يرتمون في احتضان أعداء العراق التاريخيين. ثالثا: قوى الإنقاذ المخادع : والتي يمثلها إقليم كردستان الذي يسعى إلى فرض أمر واقع في الجغرافيا المتنازع عليها وتوسيع هامش التصرف بعيدا عن السلطة المركزية خاصة في موضوع النفط، وهذا ما يفسر سرعة الدخول على تلك المناطق لحظة اندلاع الأحداث بحجة حمايتها من داعش. رابعا: قوى الحرص المزيف: وتمثلها الحكومة التركية التي تفتح حدودها لدخول الإرهابيين أفرادا وتموينا وتسليحا. وهي تحاول الاستفادة من أضعاف المركز في نهب ثروات العراق النفطية، كما تسعى الى خلق وقائع على الأرض يتم توظيفها لاحقا ضد سوريا وهذا يفسر الحديث التركي عن حماية تركمان الموصل والدعوة لاجتماع الحلف الاطلسي. خامسا: قوى التغطية السياسية وهي القوى التي يطلق عليها اسم دواعش السياسة والتي توفر عن طريق الممارسة السياسية التعقيدية غطاءا موضوعيا للقوى الإرهابية وفي هذا السياق يمكن أن نفهم تعطيل النصاب في جلسة مجلس النواب من اجل فرض حالة الطوارئ. سادسا: قوى المراقبة والانتظار:التي تتقدمها أمريكيا التي كانت على علم مسبق بالأمر، وقد اتسم الموقف الأمريكي بالتلكؤ والمناورة وغموض التعبير الذي يتجسد من خلال توجهها بالخطاب إلى الزعماء العراقيين وليس إلى الدولة العراقية. انها تراقب الوضع من منطلق وعود قوى التحريض بان يتحقق في العراق ما لم يمكن تحقيقه في سوريا لذلك فهي تنتظر النتائج. إن كثرة عدد القوى المنخرطة في العملية المؤامرة يجب ألا تدفع للارتباك أو الخوف، لاسيما وان كثرة عدد اللصوص لابد وان يحدث ضجة لا توقظ أهل البيت فقط بل وتوقظ الجيران أيضا، لتصبح معركتهم مع جميع أهل الحي بكامله. فخلال عملية الإرباك والتي اعتمدت بشكل رئيس على السيارات المفخخة ربما كان كل مواطن عراقي يشعر بالتهديد الوجودي لحياته، لكنه كان في الغالب شعورا فرديا تتم معالجته بإحدى طريقتين أما بالانزواء أو باللجوء إلى القدر ، لكن عملية النقل إلى مستوى تفخيخ الجغرافيا العراقية من قبل هذه القوى مترافقا مع دخان ورائحة الخيانة الوطنية من قبل بعض الشخصيات، وخلافا لحساب تلك القوى فقد ساهم في نقل الشعور بالتهديد الوجودي من المستوى الفردي إلى المستوى الوطني الجماعي الذي ساهمت في تعزيزه مجموعة من العوامل تتلخص: أولا في سرعة استيعاب السيد المالكي للحدث ومبادرته بالظهور الإعلامي مستندا إلى خطاب يتسم بالتحدي والثقة والصراحة التي تلامس وجدان الشعب العراقي. وثانيا في الدور الذي قامت به المرجعيات الدينية سنية وشيعية في التحريض على المقاومة من اجل العراق المستهدف.وثالثا في اختزان الذاكرة الجماعية لعديد الصور التي تجسد عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب وتدمير المقدسات التي تقوم بها هذه الجماعات في المكان الذي تسيطر عليه. وقد انعكس تفاعل هذه العوامل في الاستجابة الواسعة للدعوة إلى التطوع إلى جانب القوات المسلحة من اجل دحر الإرهاب وحماية العراق. أولا: إدراك مرامي وأهداف الخصم بدقة وبوضوح وإذا كانت الحلقة المركزية في سلسلة الأهداف هي تقسيم العراق بما يؤدي إليه ذلك من وضع السكين الإرهابي في الخاصرة الإيرانية من ناحية، والاشتغال على إحياء الأمل بالعادة إحداث الاختراق في سوريا، فمن الطبيعي إدارة المعركة بوعي وطني وإقليمي، بما يعنيه ذلك من عدم الوقوع في الخطأ المتجسد بمطالبة أمريكيا بالتدخل لأنها في حقيقة الأمر جزء من المشكلة وليست من الحل. ثانيا : أن يتقدم ائتلاف دولة القانون واعتمادا على الثقة الجماهيرية التي نالها في الانتخابات النيابية بوصفه القوة التي تجسد المال الشعب العراقي في الدفاع عن العراق الموحد في هذه اللحظة التاريخية، بما يستدعيه ذلك من الانفتاح على مختلف القوى العراقية على قاعدة وحدة العراق وطن للجميع بدون إقصاء وباتجاه معالجة كافة الأخطاء التي ارتكبت في السابق. وضرورة حسم ترشيح السيد المالكي وبشكل سريع ومن غير تأجيل لان التأجيل أو ترك الموضوع رهنا للمناورة والمساومة سيكون الرسالة الخاطئة التي تنتظرها تلك القوى بفارغ الصبر. ثالثا: استمرار الضغط العسكري على القوى الإرهابية باتجاه تقليص مساحات وجودها وعزلها عن بعضها البعض وعدم السماح لها بالاستقرار لان الاستقرار يعني فتح الباب للابتزاز السياسي. وإجمالا فان الحرب التي إرادتها تلك القوى من اجل تقسيم العراق ستكون بالتأكيد معركة تحرير وتطهير العراق من مخلفات الاحتلال الأمريكي، وليست حالة النهوض الجماهيري التي يعبر عنها الشباب المندفع الى ساحات القتال ألا إرهاصا ينبئ بذلك، أما الذين اندفعوا ووضعوا يدهم على اجتزاء من الأرض معتقدين أن نصرهم قد تحقق سرعان ما يكتشفون إن حالهم حال ابن آوى الذي ابتلع المنجل.