هل بات الحل في لبنان يتطلب إستخدام القوة؟
ماهر الخطيب
لا يبدو أن "المسكنات” باتت تنفع لمعالجة الأزمة اللبنانية المستمرة منذ سنوات طويلة. الشغور أو الفراغ، بات يهدد مختلف المؤسسات الدستورية بعد أن سيطر على موقع الرئاسة الأولى وعطّل مجلس النواب، بفضل الخلاف على ملف سلسلة الرتب والرواتب. ومن المتوقع أن ينتقل إلى عمل الحكومة في الأيام المقبلة.
في هذه المرحلة، هناك أسئلة تُطرح حول ما يحصل مع تفاقم الأزمة بشكل لافت. فهل فعلاً الدولة غير قادرة على إقرار سلسلة الرتب والرواتب؟ وما حقيقة إفلاسها بحال أقدمت على هذه الخطوة؟ وما هي تداعيات ما يحصل على الصعد السياسية خصوصاً أن هناك من يؤكد أن هذا الواقع يندرج ضمن مشروع هدفه تغيير النظام القائم منذ إتفاق الطائف؟
السلسلة حق ومن الممكن إقرارها
إقرار سلسلة الرتب والرواتب حق من حقوق العاملين في القطاع العام، لكن الخلافات بين القوى السياسية حوّل أرقامها والحديث عن أنها قد تكون مقدمة لإفلاس الدولة من قبل فريق واسع، دفع باللبنانيين إلى النظر إليها بعين الريبة، وباتوا يقفون ضد من يطالب بها من دون التفكير بالمسؤول الحقيقي عن وصول الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.
وحول هذا الموضوع، يؤكد الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني أن إقرار السلسلة من الحقوق التي يجب أن تعطى، على أن يتمّ احتواء كلفتها عن طريق تقسيطها، ويرى أنه من خلال هذه الطريقة يأخذ الموظفون حقوقهم ويكون الإقتصاد قادراً على الإستيعاب.
ويوضح الدكتور وزني، في حديث لـ”النشرة”، أن الخلاف حول الكلفة يعود إلى أكثر من سبب، حيث أن المشكلة الأساس تتعلق بعدم تحديد أعداد المستفيدين منها، وكذلك المتقاعدين، بالإضافة إلى غياب الإتفاق حول عدد الدرجات التي من المفترض أن تعطى إلى المعلمين، ناهيك عن أسباب أخرى تتعلق بالإيرادات أيضاً.
وفي حين يعرب وزني عن أسفه لأنّ هيئة التنسيق النقابية أدخلت هذا الملف في الصراع السياسي في البلاد، يشدّد على أنّ البحث اليوم في موضوع الكلفة والموارد بات ثانوياً ليتقدم عليه موضوع الخيارات الإقتصادية والمالية والنهج السياسي الذي من المفترض إعتماده، ويؤكد أن الدولة قادرة على الدفع وإيجاد الموارد عبر وضع الأرقام الصحيحة والدقيقة، إلا أنه يعتبر أن تسييس الملف سيؤدي إلى تأجيل إعطاء الحقوق.
من جانبه، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي أن الأمور واضحة، لكن كل فريق يتحدث عن الأرقام التي يتمنّاها، ويشير إلى أن الكلفة هي بحدود 750 مليون دولار. ويستغرب كيف يتم الحديث عن عجز في الموازنة يقارب 7700 مليار ليرة من دون الإشارة إلى إحتمال إفلاس الدولة، في حين يتم التحذير من أن إقرار السلسلة سوف يؤدي إلى ذلك.
ويرى يشوعي، في حديث لـ”النشرة”، أن الوقت حان لكي تقرر الدولة "الفاشلة” الخروج من موضوع تمويل وإدارة الخدمات العامة على أن تبقى ملكية القطاعات لها، إلا أنه يشير إلى أن الأفرقاء السياسيين يرفضون ذلك بسبب مصالحهم الخاصة.
ويعتبر الدكتور يشوعي أن من الضروري البحث عن الأسباب التي أوصلت إلى أن يكون هناك عجز في الموازنة خلال عام واحد يبلغ 7700 مليار ليرة، ويحمّل الطبقة السياسية مسؤولية ذلك، بالإضافة إلى سياسات البنك المركزي التي يصفها بـ”الفاشلة”، ويؤكد أن الكلام عن إفلاس الدولة بسبب تمويل السلسلة "عهر” مالي وإقتصادي.
التوافق أو القوة؟
على الصعيد السياسي، قد يكون هذا الملف مقدمة لدخول الشلل إلى مختلف مؤسسات الدولة بعد الشغور في موقع الرئاسة الأولى، لا سيما في ظل المعلومات التي تتحدث عن إحتمال إنتقال التعطيل من المجلس النيابي إلى مجلس الوزراء، ولكن هل سيقود ذلك إلى طرح مشروع المؤتمر التأسيسي أو تعديل إتفاق الطائف بشكل قوي من أجل معالجة الخلل القائم، خصوصاً أن هناك من يشبّه الواقع الحالي بالظروف التي أدت إلى ولادة الطائف؟
وفي هذا السياق، يوضح الوزير السابق ألبير منصور أن التعطيل أيام الطائف كان على الصعيد العسكري نتيجة الحرب، أما اليوم فهناك صراع سياسي يعطل مختلف جوانب الحياة السياسية، ويشير إلى أن هذا التعطيل "المفتعل” من خلال استغلال ثغرات الدستور ينتهي عادة بالقوة.
ويذكّر منصور، في حديث لـ”النشرة”، أنه في المرة الأولى التي حصل فيها هذا الأمر بعد إنتهاء عهد الرئيس السابق أمين الجميل وقعت حرب "التحرير” أو حرب "الإلغاء”، أما في المرة الثانية بعد إنتهاء ولاية عهد الرئيس السابق أميل لحود كانت البلاد على موعد مع أحداث السابع من أيار.
ولا يرى منصور أن من الممكن أن يكون هذا الوضع مقدمة لطرح خيار المؤتمر التأسيسي، لأن ليس هناك من هو قادر على التأسيس الآن، ويشير إلى أن مجلس النواب عاجز عن الإتفاق على قانون إنتخابي أو إجراء هذه العملية فكيف هو الحال بالنسبة إلى مؤتمر تأسيسي، ويؤكد أن النهاية ستكون إما عن طريق حل يُفرض من الخارج أو عبر إستخدام القوة.
من جانبه، لا يعتبر النائب السابق لرئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي أن هذا الشلل معدّ له، لكن تطور الأحداث وعدم إعتراف بعض الجهات بضرورة القيام بخطوات إصلاحية عبر إنتخاب رئيس ميثاقي وإقرار قانون إنتخابي يسمح بتمثيل جميع الفئات بشكل عادل أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
ويرى الفرزلي، في حديث لـ”النشرة”، أن الواقع الحالي نتيجة طبيعية لما يسمّيه "إعتداء” بعض الطوائف على حقوق طوائف أخرى، لأن الدستور لا يطبق بالشكل الصحيح، ويتطرق إلى ما يحصل بالنسبة إلى جلسات المجلس النيابي التي تعقد بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية وتلك المتعلقة باقرار سلسلة الرتب والرواتب، ويقول: "نفس المبدأ الدستوري يطبق بشكل مختلف من قبل الأفرقاء السياسيين”.
أما بالنسبة إلى المستقبل، يرى الفرزلي أن كل الإحتمالات واردة، ويسأل: "ما هو نفع العلاقة التشاركية تحت سقف إتفاق الطائف في حال لم تكن حقيقية؟” ويؤكد أن الأمل موجود وخارطة الطريق واضحة عبر إنتخاب رئيس تمثيلي وإقرار قانون جديد للإنتخابات يكون عادلاً، ويضيف: "الطائفية شر لكن لا يمكن تجاوزها لكي لا نقع في مشكلة تخلع الوحدة”.
إذا لم تعد سلسلة الرتب والرواتب ملفاً إقتصادياً صرفاً، باتت قضية سياسية بامتياز بعد أن أصبحت مادة أساسية في الصراع القائم بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، واليوم ليس هناك من مجال لمعالجة أي مسألة سياسية، فهل باتت الصدمة الإيجابية أم السلبية هي الحل؟