اخفاق ’اسرائيلي’ في استدراج المنفذين للكشف عن انفسهم
عبد الحسين شبيب
منذ اكتشافها أمر اختفاء ثلاثة "إسرائيليين” وقيادة العدو تتدرج في الإعلان عن الخبر، من البحث عن ثلاثة مفقودين الى تأكيد اختفائهم وصولاً الى حسم عملية خطفهم من قبل جهة حتى الآن لم تغامر قيادة الاحتلال بتوجيه الاتهام لها، سيما من الفصائل الفلسطينية التي عادة تكون في دائرة الضوء في عمليات نوعية ضد الاحتلال ومستوطنيه.
حتى الآن تبلع "إسرائيل” لسانها وتكتفي بخبر مقتضب يتحدث عن عمليات بحث واستقدام قوات وإجراءات امنية بهدف الوصول الى المفقودين.
لكن ثمة ملاحظات من شأنها اماطة اللثام الإسرائيلي المفروض على حقيقة ما جرى.
فالواضح ان عملية دقيقة قد تم تنفيذها، سجلت في مرمى العدو نقطتين: الأولى نجاح ميداني تمكن في تعقب الثلاثة واسرهم ومن ثم احراق السيارة التي كانوا يستقلونها ومن ثم نقلهم الى جهة مجهولة بدءاً من يوم الخميس تاريخ تنفيذ العملية. ومن غير المعروف بالدقة الوقت الفاصل بين تنفيذ العملية واكتشاف امرها من قبل أجهزة العدو الأمنية ومن ثم بدء الحديث عن اختفاء ثلاثة مراهقين. وهو وقت قد يكون كافياً لنقل الثلاثة الى مكان يتسم بقدر من الأمان.
اما التسديدة الثانية في المرمى الإسرائيلي بالتزامن مع انطلاق مباريات كأس العالم في البرازيل، فتتمثل في نقص المعلومات الهائل لدى قيادة العدو حول ثلاثة أسئلة مصيرية يحتاج المجتمع "الإسرائيلي” الى أجوبة حاسمة وسريعة عنها وهي التالية: من أسر الثلاثة؟ وهل هم احياء ام اموات؟ وأين هم؟ وفضلاً عن تمكن المهاجمين من تنفيذ العملية في ما يمكن تسميته بإحدى المناطق الأكثر تشدداً واحترازاً من الناحية الأمنية، فإن تمكن هؤلاء من عدم ترك أثر يتيح تحصيل أجوبة حول الأسئلة الثلاثة، فان جواباً واحداً ربما استطاع العدو حسمه وهو ان هناك جهة محترفة استغلت التوقيت بعناية ليل الخميس لحظة انشغال العالم بمباريات كرة القدم في البرازيل لتنقض على الثلاثة، وهم هدف يبدو انه دسم جداً، لذا تسعى قيادو العدو _ التي تصيغ في مثل هذه الحالات الاخبار وتوزعها عن الحادثة_ الى التقليل من أهمية الهدف، واختارت لذلك تعبير مراهقين، قبل ان يدحض هذه الرواية المراسل العسكري للقناة الثانية في تلفزيون العدو الذي اكد أنهم جنود، وأحدهم من وحدة النخبة التابعة للواء المظليين، والآخران هما طالبان في مدرسة عسكرية تؤهل للخدمة في الوحدات القتالية والنخبوية، وليس مجرد طلبة في المعهد الديني اليهودي، كما قالت القناة الصهيونية العاشرة، وكما تقول الرواية الخبرية التي تتناقلها وسائل الاعلام العالمية وبينها "رويترز”، مكتفية بتبني توصيف مصدر عسكري إسرائيلي بان الثلاثة مراهقين ويدرسون في معهد ديني في مستوطنة بالخليل.
ويمكن القول اليوم ان إسرائيل جميعها في حالة ذهول وصدمة لمرور وقت يعتبر طويل بمقاييس القدرة الأمنية الإسرائيلية دون الحصول على أجوبة شافية. وما يعزز الشكوك باحتمال ان تطول المدة قبل ان تظهر الحقيقة او بعضها، ان الجهة التي نفذت العملية قد يكون لديها من الاحتراف لكي تبقي "إسرائيل” في حالة ذهول وصدمة.
فـ”حماس” مثلا لو كانت هي من نفذ العملية لن تصدر أي بيان حتى لا تحمل مسؤولية اجهاض اتفاق المصالحة مع محمود عباس، وحتى لا تعط "إسرائيل” عنواناً للمبادرة الى عمل عسكري بذريعة حصول عملية أسر خارقة للقواعد. وكذلك حركة "الجهاد الإسلامي” التي لو تبنت فسيشار باصابع الاتهام الى وقوف حزب الله وايران وراء العملية، بما يخرجها عن طورها المحلي ويعطيها وظائف خارجية سيسارع بعضهم الى ربطها بالحرب في سوريا والحرب في العراق.
وعليه فإن أي فصيل فلسطيني مقاوم لن يقوم بتبني العملية، أولاً لسبب سياسي هو بغنى عن توفيره لخصومه، وثانياً، حتى لا يحدد عنوانا لـ”إسرائيل” للعدوان السريع، وهي طبعاً لا تحتاج الى ذرائع، وثالثاً وهذا هو الأهم، لا يتوقع صدور أي بيان قبل ان يصبح الثلاثة في مكان بعيد عن متناول يد جيش العدو واجهزته الأمنية.
وفي المقابل، فإن قيادة العدو بلعت لسانها ولم ترفع سقف التوقعات ولا التهديدات، حتى لا تتكرر تجربة طائرة "أيوب” التي نفذت عملية امنية استخباراتية لوقت طويل في أجواء فلسطين المحتلة قبل ان تكتشفها رادارات العدو وتسقطها طائراته. وحينها وجه الاحتلال فرضياته الاتهامية يميناً وشمالاً ورفع سقف تهديده ووعيده بالرد السريع على مدى أيام تجاوزت الأسبوع قبل ان تخرس "إسرائيل” بأكملها عندما اعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مسؤولية المقاومة عن تسيير تلك الرحلة الجوية الشهيرة فوق أمن العدو، الذي كان في حينه يعتقد ان حزب الله لن يجرؤ على التبني خوفاً من رد الفعل لانه غير جاهز للحرب، فيما تبين ان "إسرائيل” هي الخائفة من المغامرة بحرب جديدة مع حزب الله.
وعليه يتوقع ان لا تكرر "إسرائيل” التجربة، فلا هي قادرة على الاتهام، لأن مجتمعها سيطالبها بالعمل الفوري، ولا هي قادرة على كشف حقيقة المفقودين الثلاثة، لان النكبة ستكون كبيرة، ولا هي قادرة على الذهاب بعيداً في التهديد لان الطرف الذي يمكن ان يكون نفذ العملية قد يكون لديه أدوات ردع قوية تكبح جماح "إسرائيل”.
وبانتظار جلاء حقيقة ما حصل يمكن تسجيل بعض الملاحظات: الأولى ان البيان المنسوب لـ”داعش” قد يكون صناعة "إسرائيلية” من اجل استفزاز الطرف الحقيقي المنفذ للعملية، لانه قد يكون طرف لا يمكن أن يوفر لـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام” فرصة مجانية للظهور بموقف منخرط في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وهذا الاستفزاز قد يحصل فيما لو كان المنفذون مبتدئون وغير محترفين ويهتمون بنسب العملية اليهم أكثر من وصولها الى خواتيمها الناجحة. اما لو كانت الجهة محترفة فهي حكماً ستزيد غرق "الاسرائيلي” في الغموض ولن تستدرج الى هكذا عملية إعلامية، وهذه الجهة تعرف ان أحدا في "إسرائيل” أو في العالم العربي والإسلامي سيصدق ان "داعش” لها اصبع في هكذا اعمال وليس يد.
الملاحظة الثانية تتعلق بالبيان المنسوب الى جهة تعلن عن نفسها للمرة الأولى وهي "كتائب احرار الخليل”. وهنا يمكن أن يكون هذا البيان يخفي وراءه الجهة الحقيقية التي ربما يكون الإسرائيلي قد بدأ يشك بها استناداً الى بعض العبارات الواردة، واولها في الاسم، وهو على وزن "كتائب احرار الجليل”، الذي نفذ عملية ضد معهد ديني صهيوني قبل سنوات، وتعرف قيادة العدو خطوطه أين تنتهي، خصوصاً اذا اخذت بعين الاعتبار عبارات داخل البيان مثل "بالغة الدقة” و”دعاؤكم”، فضلاً عن وجود بندقية في الشعار، قد تفهم منها قيادة العدو شيئاً. هذا اذا لم يكن هذا البيان أيضاً من صناعة استخبارات العدو كجزء من عملية استدراج الجهة الحقيقية للافصاح عن نفسها.
يثبت أن من يتبنى الهجوم صادق
لكن بين هاتين الملاحظتين ثمة حقيقة واحدة مركبة: هي اما تستطيع قوات العدو الوصول قريباً الى المنفذين وتستعيد الأسرى الثلاثة فينتهي اللغز سريعاً، او تنتظر بياناً حقيقياً مرفقاً بدليل حسي، مثل صور بطاقات هوية او أي اثر يثبت أن من يتبنى الهجوم بهكذا دليل هو الجهة الحقيقية المنفذة. ودون ذلك فان أي بيان لا يتضمن أي دليل حسي سيبقى بلا قيمة حتى اشعار آخر. ومن المتوقع ايضاً ان الجهة المنفذة اذا كانت محترفة، وهو ثابت حتى ساعة كتابة هذا المقال، فانها لن تقدم أي دليل حسي يظهر ان الاسرى الثلاثة احياء، حتى تُبقي العدو في غصة معلوماتية تزيد جرعة ألمه وحجم الضربة التي تلقاها، وهذا لن يحصل الا في حالة واحدة عندما يصبح المنفذون ومن معهم من اسرى في مكان آمن جداً، فضلاً عن أن الطرف الذي قام بالعملية سيكون في وضع يتحسب فيه لكل النتائج المترتبة على تبني هكذا ضربة قاسية لكل "إسرائيل”.
الحقيقة الثابتة الواضحة حتى الان ان هناك عملية خطيرة جداً نفذت وطالت جنوداً من النخبة بحسب بعض الاعلام الإسرائيلي، وبينهم من يحمل الجنسية الأميركية، بحسب الاعتراف الرسمي، وهذا قد يطيل فترة الصمت.