kayhan.ir

رمز الخبر: 216220
تأريخ النشر : 2025November16 - 20:13

في فخ القناصة

 

إن الاجواء الدولية والاقليمية تواجه مساراً مبهماً في ظاهر ملؤه الثقة. فاميركا منذ عام 1990 بصدد الانبعاث من النظام ثنائي القطبية ليطرح نظاماً دولياً واقليمياً اسمته "النظم العالمي الجديد"، وبعد 35 عاماً تسع لتوليف هكذا نظام، ولكن ما نشاهده لا يعكس اي استقرار لهذا النظم. فاوروبا منشغلة بحرب لا احد يعلم نهايتها، فيما تستعيد روسيا مكانتها باعتماد سياسة بوتين الثابتة، والصين كقدرة دولية كبيرة بمثابة تحد اول لاميركا، ويطلق عليها العدو حسب الادبيات الامنية – اضافة لروسيا وايران – اذ ان حرب التعرفات اوصلت اميركا والصين لحافة الحرب. فالتوتر الاميركي قد بلغ القارة الاوروبية ولم تسلم فرنسا وبريطانيا والمانيا وهي اقرب الحكومات لواشنطن من شفرة الاجراءات الاميركية، كما ان اميركا اللاتينية الاقرب حدوداً يشن منها رائحة البارود المشرف على الانفجار. والكيان الصهيوني كقاعدة ثابتة لاميركا في غرب آسيا في مخاض حروب كما قال نتنياهو انه يقاتل على سبع جبهات، هذه القاعدة الارهابية ومنذ عام 1990 حين كان "جورج بوش" رئيساً اعطت وعد النظم الجديد الاميركي دخلت 9 مرات في حروب وتجرب الان اطول حرب. فيما جربت اشهر الحكومات العربية التابعة لاميركا النظم العالمي الجديد في اجواء رومانسية في الاقل حرباً شديدة. من هنا فانه في الاجواء الحالية يمكن التوصل الى ان الفوضى وخوف ان تسوء الاحوال اكثر. فالسعودية والاردن وتركيا يعيشون قلق هجوم اسرائيلي، وان تركيا والسعودية والكيان الصهيوني واميركا تتناقل الحمى في سوريا، ومن جهة أخرى تعتبر مصر الوضع في سوريا انه محمل بنقل الارهاب اليها، كما وتتصارع في افريقيا: تركيا والسعودية والامارات ومصر والكيان الصهيوني وليبيا عن طريق قوات بالوكالة، وتمركزت السودان بشدة الاقتتال بين هذه الاضلاع، في خضم هذه الاجواء حصل اعداء اميركا ومخالفو النظم الجديد على قدرات اكبر. فايران اليوم أقوى من ايران عام 1990 كما ان روسيا اقوى من روسيا عام 1991 ولا تتردد في مواجهة الغرب اذ ان حرب الاستنزاف في اوكرانيا شاهد على ذلك وهكذا الصين تختلف عن عام 1991 بقدرتها وتشددها.

ان المنظمات الدولية التي استغلتها اميركا كمظلة قانونية لتبرير اجراءاتها العسكرية والسياسية معرضة للتهالك. فالتقابل بين وحدات اسيوية في مجلس الامن مع وحدات اميركية واوروبية و"التنازع في كل شيء"، وهو مرآة لهذا التهالك السياسي الامني. وكذلك بروز معاهدات مثل: شنغهاي وبريكس واوراسيا وآسيان والانفعال الحاكم في المنظمات التجارية العالمية كأهم ميراث اقتصادي لنظم ثنائي القطبية هي مرآة للانهيار الاقتصادي للنظم القديم والادعاء الجديد لاميركا.

وبعيداً عن هذه الامور، فان الاستخدام الاميركي المفرط لاصطلاحات الحرب والحظر بالرغم من مرور 35 عاماً من ادعاء النظم العالمي الجديد، يعكس عدم نجاح اميركا في تثبيت النظم الذي تدعيه، فالنظم الذي وعد (جورج بوش) بتطبيقه لا اثر للاستقرار فيه، كما ان الشرق الاوسط الجديد الذي تحدث عنه بوش الابن لم يظهر بعد. فقد بالغت اميركا هذه الاعوام لاسيما في الـ25 عاماً الاخيرة في خوض الحروب ولكن لم تتمكن من تطبيق النظم حتى لاقرب محيط جغرافي منها. من هنا فان الاطروحات التي جعلت من الحرب محوراً لـ"كارل فون كلاوزويتس" و"ايمانوئيل والرشتاين" وتدرس في كليات كآيات الانجيل قد نسخت واضرت بالمباني النظرية لادارة العالم المشحونة بالنظام الاستبدادي. وبات واضحاً ان النظريات الحربية المؤسسة على "الحرب او الهجوم المباغت"، و"الضربة الاولى"، و"العمليات الصادمة"، و"الحرب التركيبية" و"التهديد النووي" ليست قادرة على بسط نظم آخر. وحتى داخل حدود اميركا، انتابها الشكوك. ولنلق نظرة على بعض الاستقراءات خلال الاسبوعين الماضيين من قبل مؤسسات اميركية وصينية:

-         مجلس شيكاغو: وهي مؤسسة بحثية اعلنت بعد اتمام استطلاع المواطنين الاميركيين بان الغالبية من الحزبين ضد الصين قد تلاشت عام 2025، اذ ان 53% من المواطنين قد اعلنوا "التعامل كأصدقاء مع الصين" مرجح على التشنج، وهذا الرقم قبل عام كان بنسبة 40%. ويضيف الاستطلاع بان ثلثي انصار الحزب الديمقراطي وثلث انصار الحزب الجمهوري يعارضون سياسة ترامب ضد الصين، فيما اعلن 48% من المواطنين ان التجارة بين اميركا والصين يضمن الامن القومي الاميركي. فيما عارض 81% من انصار الحزب الديمقراطي و37% من انصار الحزب الجمهوري و58% من المستقلين، عارضوا سياسة رفع التعرفات ضد الصين، بانه يضر بالاقتصاد وأمن اميركا.

-         واعلنت مؤسسة "بيو" في آخر استطلاع قبل اسبوعين انه لاول مرة في اميركا يرجح انصار الفلسطينيين على انصار "اسرائيل" ويذكر الاستطلاع بان 51% قبال 47% يطالبون دعم الحكومة الاميركية للفلسطينيين، فيما سكت 2% من المستطلعين.

-         المؤسسة الصينية لدراسات الشرق الاوسط لجامعة شانغهاي اعلنت قبل اسبوعين نتائج استطلاع من المواطنين الصينيين، بان 91% اعتبروا سيطرة القوى الغربية اكبر تحد لدول العالم فيما اظهر 65% بان رفع التصادم في العالم ينبغي ان يكون اولوية.

ان المؤسسات الاميركية الى جانب احصاء سائر المؤسسات العالمية اظهرت ان الغرب يواجه فشلاً في العقيدة والاسلوب والستراتيجية.

تأسيساً على ذلك اعتبر فوز "زهران ممداني" في انتخابات البلدية لمدينة نيويورك كناقوس خطر، فيما هدد ترامب اهالي نيويورك صراحة للحؤول دون حصول ذلك بعد تقديم الميزانية للمدينة، فيما كتبت صحيفة "اسرائيل هيوم" قبل يوم من فوز ممداني "ان فوز ممداني بمثابة تهديد وجودي لاسرائيل"، مضيفة "ام فوز ممداني ابعد من كونه نصر سياسي مجلي اذ يمكن ان يتكرر في لندن وباريس وتورنتو". وبعيداً عن من فاز في انتخابات نيويورك، ان يشكك شخص بسياسات اميركا الداخلية والخارجية، وان يقول صراحة قبل انتخابه: اذا جاء نتنياهو الى نيويورك سيتم اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبر دعم اميركا لـ"اسرائيل" في الحرب مشاركة في الجرائم، وشخص ادان قصف اميركا للمنشآت النووية الايرانية حزيران الماضي، ثم يحصد 57% من الاراء فهذا يعكس الوضع الداخلي لاميركا وآفاقها السياسية.

وبالرغم من المساعي الحثيثة للمجلس اليهودي – آيبك – لافشال انتخابه، فان فوز زهران ممداني يعكس افول الصهيونية في مهدها، على ذلك فلماذا لا يريد البعض تصديق نهاية السياسة الاميركية ونظرياتها وهبوطها للهاوية.

سعدالله زارعي