kayhan.ir

رمز الخبر: 214518
تأريخ النشر : 2025October17 - 19:25

غزة بين الكلمة والحرب

ريما فارس

توقف إطلاق النار في غزة شكّل منعطفاً مؤقتاً في مسار الحرب الدامية التي أنهكت القطاع على مدى عام كامل، لكنه لم يأتِ كنتيجة لتوازن سياسي أو ميداني بقدر ما كان ثمرة ضغط أميركي مباشر أراد أن يُظهر للعالم أنّ واشنطن ما زالت تمسك بخيوط الصراع. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته لـ “إسرائيل” أنّ “الحرب في غزة انتهت، تفهمون ذلك”، مؤكداً أنّ “الأوضاع ستعود إلى طبيعتها”، في إشارة إلى أنّ الاتفاق الذي رعته بلاده يمثل المرحلة الأولى من خطة سلام أوسع. هذه العبارة، وإنْ بدت حاسمة، إلا أنها في جوهرها تحمل طابعاً إعلامياً أكثر منه واقعياً، إذ لا تزال بنود الاتفاق موضع اختبار ميداني وسياسي معقّد.

بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، فإنّ الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه يشمل “المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار”، وتتضمّن إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر وتبادل دفعات من الرهائن والأسرى. وصول شاحنات الإغاثة إلى غزة وتسليم جثامين رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر يُعدّ التطبيق الأول لهذه البنود، لكن ذلك ترافق مع تأكيدات إسرائيلية بأنّ العملية لا تزال في بدايتها، وأنّ أيّ إخلال من طرف حماس قد يدفع الجيش إلى استئناف عملياته فوراً. وقد عبّر ترامب عن هذا الموقف صراحة حين قال إنّ إسرائيل “ربما تستأنف القتال بكلمة مني إذا لم تلتزم الحركة بالاتفاق”، وهو تصريح يعكس أنّ قرار الحرب والسلم لم يعد إسرائيلياً بحتاً، بل بات مرتبطاً بالإرادة الأميركية ومصالحها في هذه المرحلة الحساسة.

من جهته، قال القائد براد كوبر، مسؤول القيادة الوسطى الأميركية، إنّ بلاده “تُناشد حماس بأن توقف على الفور العنف ضدّ المدنيين الأبرياء في غزة وأن تتخلّى عن أسلحتها دون تأخير”، ما يشير إلى أنّ واشنطن لا تكتفي بلعب دور الوسيط، بل تحاول أن تفرض شروطاً على الأرض تضمن تفريغ المقاومة من قوتها العسكرية تدريجياً. في المقابل، تلتزم حماس الصمت الحذر مكتفية بالإشارة إلى أنّ “الهدنة تهدف إلى تخفيف معاناة المدنيين”، مع استمرارها في حفر الأنقاض بحثاً عن جثامين الرهائن الذين يُعتقد أنّ بعضهم دفن تحت الدمار الناتج عن الغارات الإسرائيلية، بحسب ما نقلت “الغارديان” و”أسوشييتد برس”.

هذا التباين في الخطاب يعكس هشاشة الهدنة المعلنة. فبينما تصفها واشنطن بأنها “نهاية الحرب”، تعتبرها إسرائيل “وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار”، فيما تراها حماس “استراحة إنسانية مشروطة”.

أما ميدانياً، فإن قطاع غزة يعيش حالة من الهدوء الحذر، إذ تتدفّق المساعدات بشكل محدود بينما لم تتوقف التحليقات الجوية الإسرائيلية فوق القطاع. ويبدو أنّ هذه الهدنة ليست سوى تجميد مؤقت للعمليات العسكرية ريثما تُستكمل مفاوضات أعمق حول الملفات العالقة: مصير الأسرى، إدارة القطاع، وضمانات ما بعد الحرب.

المشهد الحالي يُبرز أنّ ما يسمّى “وقف إطلاق النار” هو اتفاق هشّ بقدر ما هو ضروري. فكلّ طرف يستخدمه لخدمة أهدافه: ترامب يسوّقه كإنجاز دبلوماسي يعزز موقعه السياسي قبل الانتخابات، و”إسرائيل” تعتبره فرصة لإعادة التموضع وترميم صورتها أمام الرأي العام، فيما تسعى حماس لاستثمار الورقة الإنسانية لتثبيت موقعها كمحاور لا يمكن تجاوزه. لكن خلف هذه المناورات تبقى الحقيقة الصلبة أنّ الحرب لم تنتهِ فعلاً، بل خمدت نارها مؤقتاً تحت رماد اتفاق قابل للاشتعال في أيّ لحظة، بانتظار كلمة من واشنطن تعيد إشعالها أو تمدّ في عمر هدنة لا تحمل حتى الآن سوى وعود هشة بالسلام