بلير حاكماً عسكرياً على جماجم غزة
لا تفاوض هي معادلة صهيونية لانها معفية من كل الضغوط السياسية فعند العالم الغربي الاولوية في حفظ الامن القومي لـ"اسرائيل" وكرامته في ابقاء اسطورة "اسرائيل"، ونظام الصراع العربي الصهيوني يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني، ولا ندري لمن تعبئ الانظمة العربية ترسانات اسلحتها. وكما قيل "الجود بالموجود" فكلما امتلأت جيوب حاكم من رساميل النفط يشتري اكثر من السلاح الاميركي، ولكن لا قدرة على استعمالها كمن يقدم لعجوز فقدت اسنانها أطباق اللحم. فليس الحكام اصحاب مبادئ ثابتة ولا حتى شعار ثابت، والذين يتفقون عليه يكمن في محاصرة الحالة الاسلامية لانها كما يزعمون ارهاب خطر، الا لمحات شاذة لاغراض آنية كالمذكرة التي وجهتها حركة فتح الى مؤتمر علماء المسلمين الذي عقد في القاهرة عام 1968، لا لشيء إلا لتوظيف البعد الاسلامي للصراع. اذ جاء في نص المذكرة: "اعتبار قضية فلسطين قضية كل المسلمين وتحريرها واجب على كل مسلم، وعليه لا يجوز لاية دولة اسلامية ان تقيم أية علاقة مع العدو سواء كانت سياسية او تجارية او ثقافية او رياضية، وكل خروج على هذه القاعدة يعتبر انحرافاً عن الاسلام وخيانة للمسلمين..."! الا انه بعد مهاجمة حكومة البعث الصدامية في ا لعراق الاراضي الايرانية، اصطفت غالبية الانظمة العربية مع الظالم المتمثل بصدام، حتى بلغ الصلف ان يصرح رئيس وزراء الاردن حينها: "احمد عبيدان" في مؤتمر صحفي عقده في عمان: "ان انتشار عقائد آية الله الخميني في منطقة الشرق الاوسط سيعرض وجودنا ووجود اميركا و"اسرائيل" للخطر". وفي المقابل تواصلت اللقاءات بين قادة الاردن والقادة الصهاينة، فحسب صحيفة "دافار" الصهيونية: "ان الملك الاردني حسين بعث برسائل عديدة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريز يبدي فيها رغبته في احياء عملية السلام".
واليوم تلتهب ارض فلسطين المحتلة على صفيح ساخن والجميع يتفرج الى ما تؤول اليه الامور باشارة من ترامب او منه وحليفه الغربي بريطانيا التي تعمل خلف الكواليس. فالابادة الجماعية في غزة هي حرب اميركية تتعلق بمصالح الغرب ولا علاقة لها بالاسرى والسلام، فاميركا تريد تأديب بعض الانظمة العربية من خلال ابادة غزة، وهي فرصة لترامب لن تتكرر للقضاء على كل مراكز الرفض.
فبعد ان اكتشف نتنياهو عجز قواته البرية – رغم التفوق التسليحي – مع نفخه لبوق "عربات جدعون" في محاولة لتهجير سكان مدينة غزة نحو الجنوب تحت ضغط النار والتجويع، ومع تعنته لحل الدولتين بالرغم من الاقتراع الدولي في الجمعية العمومية للامم المتحدة وتأييد 142 دولة ومعارضة عشر دول وامتناع 12 دولة عن التصويت، اذن هنالك خطة طبخت على نار هادئة، والمقاومة تترقب لحظة الاشتباك المناسبة والاحتلال يتصرف وكأنه يقاتل اشباحاً، فهو يقصف ابراجاً خاوية ويهدم مربعات سكنية فارغة ويخشى على جنوده من اي كمين او عملية أسر، فالمقاومة الفلسطينية تمتلك خبرة طويلة في حروب المدن، اذن فكل محاولة توغل ستتحول الى كارثة ميدانية كما حدث في تجارب سابقة عندما دمرت دبابات "الميركافا" واسر الجنود في عمليات نوعية. ان العملية العسكرية الصهيونية تتم في ظل تواطؤ عالمي كامل، لاسيما بعد زيارة ترامب لبريطانيا، فقد كشفت صحف غربية عن مساعي رئيس الحكومة البريطانية الاسبق "توني بلير" لتولي دور بارز في ادارة شؤون غزة بعد الحرب وبموجب خطة يعمل ترامب على تطويرها. فصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية اشارت الى ان معهد توني بلير شارك في مشروع، لوضع خطة لما بعد الحرب في غزة. كما نقلت صحيفة "هآرتس" بان الادارة الاميركية بلورت خطة لتعيين "توني بلير" على رأس ادارة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع غزة، بعد ان شارك بلير في اجتماع عقد اواخر اغسطس برئاسة ترامب. اذن المخطط هو في تعيين بلير حاكماً لغزة تحت مسمى سلطة انتقالية دولية. وربما يضع نتنياهو اللمسات الاخيرة للمخطط خلال زيارته غداً الاثنين لواشنطن.
ويحظى المخطط بدعم من البيت الابيض ودول الخليج الفارسي ويسعى للحصول على تفويض من الامم المتحدة لتكون السلطة السياسية والقانونية العليا في غزة لمدة خمس سنوات على غرار الادارات الدولية التي اشرفت على انتقال تيمور الشرقية وكوسوفو الى دولتين. ومما يرجح هذه المؤامرة تصريح ترامب لمراسلي البيت الابيض اول امس، نقترب كثيراً من التوصل الى اتفاق بشأن غزة وربما حتى الى السلام، بعد ان التقى في الامم المتحدة قادة الدول العربية والاسلامية.
هذا واثارت مشاركة بلير في قمة بالبيت الابيض الى جانب ترامب حول مستقبل غزة جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية والاعلامية في السابع والعشرين من اغسطس / 2025، حضر فيها صهر ترامب "جاريد كوشنر".
اذ ان تجربة غزو العراق التي قرع بلير طبول الحرب فيها بذريعة امتلاك العراق برنامج اسلحة كيماوية وبيولوجية سري وعلى بعد اشهر من اختبار جهاز نووي، والتي قتل فيها الآلآف من الشعب العراقي كانت بيانات ملفقة تبين فيما بعد عدم صحتها، وانما هو مخطط اشترك فيه الرئيس الاميركي الاسبق "جورج دبليو بوش" لاحتلال العراق وتغيير وجه الشرق الاوسط، وقد تسنم بلير بعد تنحيه عن منصب رئيس الوزراء عام 2007 مهمة مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط. وكان يتلقى الدعم من امراء دول الخليج الفارسي آخرها تبرع النظام السعودي عام 2018 مبلغاً يعادل 10.4 ملايين يورو. اذن فهو حاصل على مباركة غربية عربية ولكن هيهات أن يجرؤ لوضع قدميه على تراب غزة وفيها رجال المقاومة الاسلامية الذين صمدوا كالاسود في عرينها.