الدولة الفلسطينة الموعودة… خطوة للأمام أم للخلف؟
سعادة مصطفى أرشيد
قبل أسبوع من اليوم اقترعت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على طلب سعودي فرنسي للاعتراف بدولة فلسطينية، اقترع لصالح ذلك 142 دولة وعارضت 10 دول وامتنعت عن التصويت 12 دولة، أما فجر اليوم الثلاثاء بتوقيتنا فستصوّت الجمعية العمومية جلستها على هذا القرار الذي تبدو نتيجته محسومة، خاصة مع تواصل الاعترافات بدولة الفلسطينيين، وكان آخرها اعتراف كلّ من انجلترا وكندا واستراليا والبرتغال، ويُفترض أن تلحق بها مجموعة أخرى من الدول، وقد وصل عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين حتى الآن إلى 152 دولة.
أدركت حكومة (إسرائيل) مبكراً أنّ السعودية وفرنسا لن تتراجعا عن موقفهما هذا وأن البلدين قادران على حشد مجموعة كبيرة من الدول التي لم تعد تستطيع تجاهل غضب شعوبها تجاه حرب الإبادة التي تجري في غزة، وتداولت وكالات الأنباء والصحف والفضائيات تصريحات السياسيين (الإسرائيليين) التي ترى أن الرد على هذه الخطوة يجب أن يكون حاسماً ويبدأ بإغلاق قنصليات هذه الدول التي تعمل في القدس منذ أكثر من قرن ونصف من الزمن ومنها ما يذهب إلى إعلان ضم الضفة الغربية لتصبح جزءاً من دولة (إسرائيل) خاصة، وهي المنطقة التي يفترض أن تقوم عليها دولة فلسطين، أما أقل ردود الفعل حدة فتلك التي اكتفت بضمّ أراضي غور الأردن الواسعة، أما بنيامين نتنياهو فقد كان رده أننا لن نقبل بوجود دولة إرهابية على أرضنا وسنعزز الاستيطان ونقيم مستوطنات جديدة على أراضي الضفة الغربية وأن الرد سيكون بعد عودته من نيويورك حيث سيلقي خطاباً في الجمعية العموميّة في يوم التصويت ويلتقي بعدها بدونالد ترامب قبل عودته إلى تل أبيب.
لكن الفلسطيني الذي تحرقه نار حرب الإبادة في غزة وتلتهم الأرض من تحته جرافات الاستيطان في الضفة الغربية وتقطع ما بين أوصالها بوابات بلغ عددها ما يزيد على 900 بوابة منذ 7 من تشرين الأول 2023، لا يبدي اهتماماً بالغاً بكل هذا الضجيج، ويتساءل هل ستؤدي هذه الإعلانات والاعترافات إلى إقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين الانتدابية؟ وهل رفض (إسرائيل) لهذه القرارات وتنفيذ تهديداتها بالضم سيؤدي إلى عزلتها عزلة حقيقية واعتبارها دولة مارقة وخارجة عن القانون الدولي وما يتبع ذلك من عقوبات رآها العالم تجاه دول عديدة؟ وهل الخلافات التي ستندلع بين الدول المعترفة بدولة فلسطين وحكومة (إسرائيل) ستؤدي إلى توقف الدعم العسكري وصفقات السلاح وصولاً إلى المقاطعة الشاملة في كافة المناحي؟ وما إلى ذلك من أسئلة مشروعة.
لا تحتاج الإجابة إلى تفكير طويل فنحن نراها على أرض الواقع، فلم يتبقَّ مكان في الضفة الغربية يتسع لإقامة دولة حتى قبل عملية الضم التي يتحدثون عنها، والاستيطان يتسع ويأخذ في كل يوم أراضي جديدة، والشعب الفلسطيني ومعه أبناء الأمة يعرفون طبيعة العلاقة العضوية بين دولة الاحتلال ومن أقامها منذ سبعة عقود ورعاها ولا يزال، وأن هذا الاعتراف لن يوقف عمليات الإبادة في غزة ولا مشاريع ضم الضفة الغربية والتهام أراضيها بإقامة عشرات النقاط الاستيطانية الجديدة وفي خلق الظروف الحياتية الصعبة التي دفعت عشرات الآلاف من شبابها وفي بعض التقديرات مئات الآلاف للهجرة إلى جهات الدنيا الأربع.
يدرك الفلسطيني الحزين أنّ هذا الاعتراف لا يعبّر عن صحوة ضمير سعودية – عربية أو فرنسية – غربية وإنما هو ليس إلا وصفة مسمومة لإذكاء نار الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني، وجعل المسألة مسألة صراع داخلي. فالاعتراف هذا وإنْ كان لا قيمة له في الجغرافيا ولا يلزم (إسرائيل) بشيء لا بل يحرّضها على مزيد من العدوانيّة، ولكنه ملزم للفلسطيني الذي عليه أن يقوم بتغيير المناهج المدرسية بما يتوافق مع الرؤية الغربية ـ الإسرائيلية – الإبراهيمية، وأن يحفظ أمن أعدائه بالتزامه بعقيدة أمنية ترى في الدفاع عن حقوقه ضرراً له وخسارة، وأن يقبل شكلاً لا فعلاً بدولة منزوعة السلاح (لن تقام) لا بل ومنزوعة من دسم السيادة الحقيقيّة والأهم سعودياً وفرنسياً وغربياً أن لا مكان للمقاومة في هذه الدولة الوهمية.
ألا يتناقض كلّ ذلك مع حق تقرير المصير وحق الشعوب بمقاومة الاحتلال؟ وهل تستطيع هذه الدولة المطالبة بحق عودة أو قدس أو سيطرة على الحدود أو مصادر المياه؟ وهل ستبقى المستوطنات بنشاطها العدواني، إنها أسئلة قد تبدو غير ضرورية طالما أن الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها لن تقوم.