kayhan.ir

رمز الخبر: 213017
تأريخ النشر : 2025September20 - 20:13

بين الخضوع والرأس المرفوع

إبراهيم مصطفى

 في زمنٍ تتكاثر فيه البيانات الرسمية، وتُلقى الخطب على المنابر كما تُلقى الأوراق في الريح، يظنّ البعض أن السيادة كلمات تُردّد أو شعارات تُعلّق على الجدران. لكن السيادة، أيها السادة، ليست كلمات تُكتب ولا خطابات تُلقى، السيادة موقف، السيادة صرامة، السيادة رأس مرفوع في زمن الخضوع

أعلنت الحكومة العصماء قرارها بحصر السلاح المقاوم، وكأن المقاومة ليست إرادة، وكأن الشعب ليس ذا حقّ… بينما الاحتلال يسرح ويمرح في البر والبحر والجو، بلا رقيب ولا حسيب، كأنه يملك الأرض والسماء معاً. أي مفارقة هذه؟ أي خضوع هذا الذي يُفرض باسم “النظام” و”الأمن”؟

الكلام الصريح: من يلبّي رغبات الأجنبي على حساب إرادة شعبه، لا يصنع سيادة، بل يكتب وصيّة استسلام… ومن يقيّد السلاح المقاوم، لا يفتح باب سلام، بل يمهّد الأرض للمحتل، ويمنحه المزيد من الحرية ليعبث بأرضنا وكرامتنا

السيادة الحقيقية، أيها السادة، ليست شعارات، ولا أعلاماً ملوّنة على المباني الحكومية. السيادة امتحان دم، امتحان صلابة، امتحان رفضٍ لكلّ وصاية، لكلّ إملاء، لكلّ خضوع يُفرض باسم “الواقع”. السيادة أنّ تقول لا، لا، لا… في وجه المحتلّ، قبل أن تقول أي كلمة في أي مؤتمر أو بيان

السلاح المقاوم ليس قطعة حديد تُباع وتُشترى، بل هو رمز وجود، صوت أجيال، ذاكرة شعب، وشرف يُحمى برأس مرفوع. من يجرؤ على وأد المقاومة، يقتل الأمل، ومن يختار كبح البندقية، يفتح الباب للمحتل بلا مقاومة

فلننظر إلى التاريخ، ونستمدّ العبر:

الجزائر لم تُحرّر أرضها إلا بعد عقود من الكفاح، ورفض التنازل عن الكرامة مهما كانت التكلفة

الشعوب التي استعمرتها فرنسا واجهتها بمقاومة صلبة، وأظهرت أن الإرادة والمقاومة المستمرة تُجبر القوى الكبرى على الانسحاب، وأنّ الخضوع يسقط الدولة قبل أن يُسقط السلاح

الهند، رغم قوة الإمبراطورية البريطانية، حافظت على إرادتها بالمقاومة المنظمة والاحتجاجات السلمية، لأنّ السيادة ليست اتفاقيات، بل موقف ثابت لا يلين

شعوب صغيرة، كالفيتنام، أظهرت أن المقاومة المستمرة تصنع النصر، وأن الخضوع يكتب الهزيمة قبل أن تبدأ الحرب

السيادة ليست حياداً، السيادة انحياز صريح للكرامة، للحق، للأرض. لا حياد بين الظالم والمظلوم، لا مساواة بين الضحية والجلاد. أن تكون سيداً يعني أن تقول لا للوصاية، لا للإملاءات، لا لكلّ يد تحاول أن تمسّ كرامة وطنك

أما الخضوع، فهو ثوب الذلّ، لباس يُسمّى “عقلانية” و”واقعية”، لكنه يبقى خضوعاً، مهما حاول البعض أن يجمّله…. والسيادة، مهما كانت كلفتها، تبقى شرفاً لا يُقاس بثمن

بين الخضوع والسيادة، بين الطاعة والحرية، بين الرضوخ والكرامة، هناك خط أحمر لا يقف عليه إلا الرجال. كلّ من يختار الرمادي، يتحوّل شاهد زور على قبر وطنه

فلنقلها صراحةً:

السيادة ليست حلماً، السيادة موقف حاضر. ليست بيانات، ليست وعوداً، بل صرامة وحزم في وجه المحتل والمتآمر… من يرفع صوته عالياً، يكتب بمداد الدم والتضحيات مستقبل الأوطان… ومن يسكت، يترك الأجنبي يكتب على جبين بلاده كلمة: خضوع

وهذا هو الكلام الصريح، الذي لا يُرضي البعض، لكنه الحقيقة التي لا يمكن التنازل عنها:

إما أن تكون السيادة شرفاً يُصان، أو وهماً يُباع في سوق المصالح، حيث يربح الأجنبي ويخسر الوطن، وحيث يُدفن الرأس المرفوع تحت وطأة الخضوع