kayhan.ir

رمز الخبر: 211151
تأريخ النشر : 2025August12 - 19:45

حكومة دمى على مسرح العبث الضار حين تتحوّل السياسة إلى عرض كراكيز بتمويل خارجي!

 

باسم الموسوي

في إحدى زوايا المسرح السياسي اللبناني، أطلّت علينا الحكومة الجديدة بما يشبه عرضاً هزلياً من مسرح العبث، عنوانه: «السيادة مسلوبة، والقرار مؤجَّر، والبطولة للدمى». لا نعرف إنْ كان جمهور هذا العرض هو الشعب اللبناني، أم أنها مسرحية موجهة للراعي الأميركي والمراقب السعودي والمصفق الصهيوني، لكن الأكيد أنّ ما يُعرض اليوم على خشبة الحكم لم يعد يخدع حتى الطفل في الصف الأول ابتدائي.

حكومة نواف سلام، والتي ظنّ البعض أنها ستُنهي عقود التردّي السياسي وتُقيم إصلاحاً، جاءت لتؤكد نظرية «إذا أردت أن تُمضي بصفقة مشبوهة، فاختر وجهاً ناعماً يُتقن الإنجليزية»، وهذا ما فعله توم برّاك، المبعوث الأميركي الذي لا يعرف الفرق بين الأرز والزعتر، لكنه يعرف تماماً أين تُربط خيوط الدمى وكيف تُحرّك.

وبالحديث عن الخيوط، يجدر بنا أن نحيّي جهود السعودي يزيد بن فرحان، ممثل السياسة السعودية في لبنان، الذي تفوّق في دور الملقِّن الخفي في الكواليس. لم نرَ وجهه كثيراً، لكنه كان حاضراً في كلّ قرار سيادي تمّ اتخاذه على قاعدة «فخامتك، واشنطن قالت، وسموّه، الرياض بارك». كلّ شيء صار يُصاغ بصيغة المبني للمجهول: «تقرّر»، «أُبلِغنا»، «طُلب»، «أُحيل». أمّا من الذي يقرّر ويبلغ ويطلب ويُحيل؟ فهؤلاء يختفون خلف ستار كثيف من «المصالح العليا» و«الضرورات الدولية» و«إعادة التموضع الاستراتيجي».

وفي هذا الجو من الغموض المتعمّد، تسير الحكومة كأنها في حلمٍ كافكاوي: لا تعرف لماذا وُجدت، ولا إلى أين تسير، لكنها تؤدّي دورها ببراعة: تلعب دور السيادة، وتلبس قناع الاستقلال، وتكرّر لازمة «نعمل لمصلحة لبنان»، بينما قراراتها تُكتب على طاولة في تل أبيب وتُراجَع في السفارة الأميركية وتُصادق عليها لجنة التنسيق السعودية.

لكن مهلاً، أليس في التاريخ ما يشبه هذه الحالة؟ طبعاً، وكيف ننسى حكومة سايغون؟ تلك الحكومة الفيتنامية التي نصّبها الأميركيون خلال حرب فيتنام، والتي كانت واجهة هشّة لمشروع استعماري ينهار. سايغون، عاصمة جنوب فيتنام، كانت تبدو ـ تماماً كما يبدو وسط بيروت اليوم ـ كأنها نسخة مصغّرة عن واشنطن، فيها إعلام يُنشد للحرية وديمقراطية تُدار عن بُعد، وجنرالات يرتدون البزات الأميركية أكثر مما يتحدثون لغتهم الأم.

لكن حين قرّرت المقاومة الفيتنامية أن تقول كلمتها، تهاوت حكومة سايغون في أيام معدودة. وفي 30 نيسان 1975، اقتحمت قوات فيت كونغ المدينة، وسقطت الحكومة كأوراق الشجر في الخريف. مشهد الهروب الشهير من على سطح السفارة الأميركية، حيث كانت طائرات الهليكوبتر تكدّس العملاء كالأمتعة، هو أكثر اللحظات اختزالاً لمصير كلّ حكومة لا تعبّر عن شعبها بل عن المحتلّين.

فهل ننتظر مروحية مماثلة في بيروت؟ أم أنّ النسخة اللبنانية من حكومة سايغون ستختار سيارة «ليموزين» من الجناح السعودي في فندق فخم للهروب؟ الواقع أننا لا نحتاج إلى انتظار مشهد السقوط لأننا نعيشه: حين يُمنع لبنان من التنقيب عن ثرواته بقرار خارجي، حين يُمنع من الدفاع عن نفسه بتهديد سفارات، حين يُقمع الإعلام الحرّ لأنه يُزعج «الحلفاء»، فإننا نكون فعلياً في لحظة ما قبل السقوط… أو ما يمكن تسميته بـ«سايغون بلا طائرات».

حكومة نواف سلام تبدو كأنها استسلمت لمعادلة جديدة: كلما ازداد خضوعك، كلما ازداد الرضا عنك. وكلما تخلّيت عن قراراتك السيادية، كلما دُعيت إلى مؤتمرات أكثر. وكلما أعلنت الحرب على المقاومة، كلما ارتفعت أسهمك في بورصة واشنطن والرياض.

لكن في المقابل، لا ينسى التاريخ الشعوب التي قاومت، ولا يمجّد العملاء حتى لو كتب لهم الإعلام أغانٍ. وحدها الشعوب التي تضحّي وتُقاوم هي التي تبقى. أما الحكومات التي تعمل وفق إملاءات الاحتلال غير المباشر، فمصيرها مزبلة التاريخ… أو في أحسن الأحوال، مشهد على يوتيوب بعنوان: «هروب حكومة الدمى من مسرح العبث».