kayhan.ir

رمز الخبر: 211150
تأريخ النشر : 2025August12 - 19:45

لا خضوع ولا استسلام ولا تفريط بالسيادة الوطنية

 

د. عدنان نجيب الدين

 تحية إلى الجيش اللبناني الباسل، ورحم الله شهداءه الأبطال وشهداء المقاومة الأبرار.

هذا الجيش المقدام لم يسلَم من غدر العدو الصهيوني، وقد قدّم عشرات الشهداء على مذبح الوطن.

وهنا نقول:

لا يكفي أن يتغنّى المسؤولون اللبنانيون بجيش لبنان ويعتزون به وينظمون القصائد في حبّه، ويطلقون الخطابات للتنويه بتضحياته في سبيل لبنان كلّ لبنان، بل عليهم أن لا ينصاعوا للأوامر الأميركية القاضية بمنع الجيش من التزوّد بالأسلحة الحديثة الرادعة للعدو، وعليهم ان يجوبوا العالم لتأمين أسباب القوة له وتزويده بمختلف منظومات الأسلحة البرية والجوية والبحرية للدفاع عن لبنان وحماية شعبه.

لقد ثبت بالدليل الحسّي انّ الضمانات الأميركية والغربية لا تحمي لبنان ولا شعب لبنان ولا السيادة الوطنية لأنها لا تأتي، إنْ أتت، إلا من جهات متواطئة مع العدو الصهيوني.

أما الدبلوماسية والقوانين الدولية فلم تحم لبنان يوماً ولم تحرر شبراً من الأراضي اللبنانية المحتلة. فالذي حرّر الأرض في العام 2000 هو المقاومة اللبنانية وشهداء وجرحى هذه المقاومة العظيمة وصبر المواطنين والعناء الذي تحملوه من تهجير والألم بفقدان الأعزة من عوائلهم. فالذي حمى لبنان وردع العدو ومنعه من التوغل داخل الأراضي اللبنانية أثناء الحرب الأخيرة هو هذه المقاومة. وعلينا تذكر إنذارات العدو للأهالي أثناء تلك الحرب بوجوب الابتعاد عن الجنوب إلى ما بعد نهر الأوّلي.

وقد أثبتت التجارب في الجزائر وفيتنام وأفغانستان والعراق وغيره من الدول انّ أيّ شعب يتعرّض للعدوان او الاحتلال او الاستعمار لم تحمه وتحرّر أرضه إلا المقاومة.

أما الدول التي تعذّر على جيوشها الوطنية التصدي للعدوان عليها بسبب عدم امتلاكها لأسلحة مكافئة لأسلحة العدو. كانت المقاومة هي العضد والظهير لها، فالمقاومة لها أسلوبها المختلف ومواقعها غير المكشوفة للعدو لأنها لا تملك ثكنات معروفة أو مواقع ظاهرة

وكلنا يرى أنّ القوانين والقرارات الدولية لم تؤمّن حقوق الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية، والاتفاقيات لم تعط شعب فلسطين ولو أملاً بدولة مستقلة بل وعوداً كاذبة.

وما شهدناه أخيراً هو أنّ حكام الولايات المتحدة والدول الغربية المنخرطة في حرب الإبادة على أهل غزة والعدوان على لبنان يطيحون اليوم كما بالأمس بكلّ الشرائع والقوانين الدولية بدليل تسليحهم للعدو الصهيوني وتغطية جرائمه ضدّ الإنسانية سياسياً ودبلوماسياً.

وها هي الولايات المتحدة ترسل إلى لبنان ورقة إملاءات لنزع سلاح المقاومة قبل إجبار العدو على الخروج من المواقع التي عجز عن احتلالها أثناء حرب الـ 66 يوماً في العام الماضي، لكنه دخل اليها واحتلها بعد إعلان وقف إطلاق النار والتزام المقاومة به، وبعد تنفيذها المطلوب منها في القرار 1701، ترسل الولايات المتحدة مبعوثيها في تمهيد لجرّ لبنان الى التطبيع مع أخطر عدو مجرم عرفته الكرة الأرضية والتاريخ البشري.

وللأسف، وبكلّ خفة يذهب مجلس الوزراء اللبناني المؤتمَن على سيادة لبنان وحماية شعبه الى إقرار هذه الورقة بحجة تثبيت سيادة الدولة على أراضيها، وكأنّ ورقة الإملاءات الأميركية هذه لا تشكل انتهاكاً فاضحاً للسيادة اللبنانية، أو كأنّ احتلال العدو لأراض من لبنان وانتهاك سيادته بحراً وجواً كلّ يوم لا ينتهك هذه السيادة. والمعروف أنّ السيادة يبدأ تأمينها من الخارج إلى الداخل وليس العكس. أيّ على الدولة ان تحرّر أرضها وتمنع انتهاكات العدو أولاً ثم تذهب الى حوار داخلي لحلّ المشكلات العالقة. ولذلك يعتبر هذا الإقرار بمثابة خضوع واستسلام للعدو.

والغريب، أنّ البعض عندنا لا يعتبر هذه الإملاءات الأميركية ضرباً للسيادة الوطنية او تدخلاً بالشؤون الداخلية اللبنانية… والأغرب من ذلك أنّ هناك مثقفين، وأكاديميين، وسياسيين وإعلاميين مفترض فيهم ان يكونوا في مقدمة العارفين بالأخطار المحدقة بلبنان، وأن يكونوا في طليعة المقاومين للعدو، وإنْ بالكلمة الحرة المسؤولة، لنشر الوعي بين المواطنين ولضرورة تنبيه كلّ أبناء الشعب اللبناني الى خطورة مخططات العدو الصهيوني لتحقيق أطماعه في أجزاء واسعة من لبنان بحجة تكبير مساحة البقعة التي يحتلها غصباً في مشرقنا العربي، وكذلك تهجير كلّ الأقليات أو إبادتهم، ومن بعدها السيطرة على ثروات لبنان والمنطقة من خلال التطبيع المزعوم، وللأسف نرى البعض من هؤلاء المثقفين يتماهون مع هذا العدو في خطابه وأكاذيبه وبثه للفتن الطائفية ويبرّرون اعتداءاته ومجازره بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، بل ويتبنّون خطابه العنصري، ويحمّلون المقاومة مسؤولية ما يقوم به من جرائم وانتهاكات للقوانين الدولية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية من دون رادع. فلماذا الاصطفاف خلف بعض الزعامات المعروفة بارتباطاتها الخارجية وانصياعها لأوامر السيد الأميركي او الغربي انصياع العبيد لأسيادهم، فقط لتأمين المصالح الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب اللبناني او الفئات التي تدّعي تمثيلها، وكأنهم لا يأبهون بالخطر الداهم على كيانية الوطن اللبناني ومكونات شعبه

على الجميع ان يعي بعد كلّ ما جرى من جرائم قتل للأطفال والنساء والعجز، وتدمير المباني والمستشفيات، والمدارس، وسائر البنى التحتية، ومقومات الحياة الأساسية وتهجير الآمنين من بيوتهم وبلداتهم، وبعد كلّ ما أدلى به المسؤولون الصهاينة من تصريحات واضحة بأنهم يطمعون بتكبير مساحة الكيان الغاصب جغرافيا بما في ذلك اقتطاع أراض واسعة من لبنان والدول المجاورة وضمها إلى كيانه، وبسط سيطرتهم المطلقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً على كلّ منطقة الشرق الأوسط.

فهل نتعقل جميعنا كلبنانيين ونتضامن في ما بيننا لأنّ الخطر المحدق يجب أن يدفعنا لتحمّل المسؤولية الوطنية للدفاع عن لبنان في وجه الأعاصير المقبلة التي قد تطيح بالجميع.

لبنان أمانة في أعناقنا، فلنحفظه بوحدتنا ونقاوم الأخطار المقبلة، وإلا فلن يبقى لنا وطن إنْ تركنا العدو الصهيوني الطامع يعبث بنا ويدفعنا إلى الهلاك.

لبنان تاريخ وحضارة ومستقبل وشعب لا ينكسر.